قضايا وآراء

نيران ترامب الاقتصادية تُضر بحلفائه ويتصدى لها أعداؤه

| د. قحطان السيوفي

كتب جوزيف ستيجنلر عالم الاقتصاد والأستاذ في جامعة أكسفورد والحاصل على جائزة نوبل، في صحيفة الفايناننشال تايمز (كان رد الصين على حرب ترامب التجارية حازما ومحسوبا، وكان الهدف منه تجنب التصعيد والاسترضاء، الذي لا يشجع إلا على المزيد من العدوان عندما يكون التعامل مع بلطجي مختل عقلياً).
المناوشات التجارية بين الولايات المتحدة والصين حول الصلب والألمنيوم، وسلع أخرى… هي نتاج لاحتقار الرئيس الأميركي دونالد ترمب للترتيبات التجارية المتعددة الأطراف ومنظمة التجارة العالمية… قبل الإعلان عن فرض تعريفات جمركية على الواردات لأكثر من 1300 نوع من السلع الصينية الصنع بقيمة تبلغ 60 مليار دولار سنوياً فرضت إدارة ترمب في آذار (مارس) الماضي، رسوما جمركية 25 في المئة على الصلب و10 في المئة على الألمنيوم في تموز (يوليو) بدأ أكبر اقتصادين في العالم رسميا الإجراءات العدائية، وذلك عندما فرضا رسوما جمركية جزائية على 34 مليار دولار من صادرات بعضهما بعض. من المقرر أن تفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية على ما قيمته 16 مليار دولار إضافية على الصادرات الصينية، ما يجعل بكين ترد بالمثل في مواجهة هذا التحدي الاقتصادي والجيوسياسي غير المسبوق، يزعم ترمب أن فرض تعريفة جمركية على جزء من الصلب المستورد ــ سيكون كافيا لمعالجة تهديد استراتيجي حقيقي. الخبراء يرون أن هذا المنطق ملتبس.
فقد كشف ترمب كذب زعمه بشأن الأمن القومي عندما أعفى أغلب كبار المصدرين للصلب إلى الولايات المتحدة. النكتة التي تدعو للسخرية يرددها معارضو استراتيجية ترمب في أميركا هي أنه على حين أن رسومه الجمركية قد لا تفعل كثيراً لإعادة الوظائف الصناعية إلى الولايات المتحدة، إلا أنه كان ناجحاً في إيجاد عمل للحكومة الفيدرالية… مما جعل العملية الإدارية تصبح أكثر تعقيداً مع اقتراب الرقم التقريبي 7 لقيمة العملة الصينية مقابل الدولار، كان هناك أيضا خطر كبير يتمثل في أن تخفيض قيمة العملة المسموح به يمكن أن يعتبر وكأنه استجابة مباشرة لقعقعة السيوف في الولايات المتحدة إيذانا بالحرب التجارية.
من الواضح أن عملة الصين تشكل عنصر قوة تعمل على تغيير قواعد التمويل والتجارة. شركات التكنولوجيا الأميركية تواجه الآن واقعا مزعجا: الصين في طريقها إلى تحقيق الانتصار على الولايات المتحدة قريبا. الأنباء الواردة ، تفيد بأن «جوجل» تحاول العودة مرة أخرى إلى الصين. بعد أن غادرتها في عام 2010. ومع تحول سوق الإنترنت في الصين من سوق منعزلة صغيرة لتصبح أكبر سوق في العالم، على الأقل من حيث أعداد المستخدمين.
تتدخل ألمانيا بشكل متزايد من أجل إيقاف الاستثمارات الصينية، وسط مخاوف من وقوع بعض تكنولوجياتها المتقدمة في أيدي الصينيين. موقف ألمانيا الأكثر تشدداً هو جزء من رد فعل قوي غربي ضد عمليات الاستحواذ الصينية. ردت الصين على تلك الإجراءات بعرقلة عرض بقيمة 44 مليار دولار تقدمت به شركة كوالكوم لصناعة الرقائق في آخر اجتماع له في 31 تموز (يوليو) 2018، دعا المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني إلى «توظيف مستقر، وتمويل مستقر، وتجارة خارجية مستقرة، واستثمار أجنبي ووطني مستقر…
ترامب حريص على الظهور بمظهر القوي المولع بالمواجهة في نظر قاعدته الانتخابية. ويبدو أنه لا يدرك أن المهم هو العجز التجاري المتعدد الأطراف، وليس العجز التجاري الثنائي مع أي دولة بعينها. فخفض الواردات من الصين لن يولد الوظائف في الولايات المتحدة. بل إنه سيزيد الأسعار
التي يدفعها الأميركيون العاديون. الواقع أن تركيز ترمب على العجز التجاري الثنائي سخيف. فكما كان متوقعا، ردت الصين على تعريفات ترمب الجمركية بالتهديد بالاستجابة بفرض تعريفات من جانبها. يأمل الأميركيون والعالم أن تكبح المحاكم الأميركية أو الجمهوريون في الكونجرس جماح ترمب. يكشف الصراع التجاري الدائر اليوم عن مدى خسارة أميركا مركزها العالمي المهيمن. الصين أصبحت الآن عملاقا صناعيا عالميا. فقد تجاوزت الصين بالفعل الولايات المتحدة في الناتج الصناعي، والمدخرات، والتجارة، بل حتى الناتج المحلي الإجمالي عند قياسه على أساس تعادل القوة الشرائية.
الأمر الأكثر إثارة للرعب في الغرب هو الاحتمال الحقيقي المتمثل في قدرة الصين، بعيدا عن اللحاق بركب الكفاءة التكنولوجية، على احتلال مركز الصدارة في واحدة من صناعات المستقبل: الذكاء الاصطناعي.
كل الجهات الدولية تحذر من مغبة حدوث عواقب وخيمة من جراء الحرب التجارية، وانعكاسها على الحراك التجاري العالمي، من جراء «التقاذف» بين الولايات المتحدة من جهة، والصين والاتحاد الأوروبي وكندا من جهة أخرى..
الحلفاء بدؤوا المواجهات التجارية بعد أن أصابتهم إجراءات ترامب العدوانية. آثار النزاع الأميركي – الصيني يؤكد المنطق الغريب للحرب التجارية الذي يقول إن الرسوم الجمركية على الواردات يمكن أن تؤذي البلد الذي يفرضها حين لا تكون الموارد البديلة متاحة أعلنت الحكومة الصينية في وقت سابق من هذا العام أنها ستفرض رسوماً جمركية بنسبة 25 في المئة على وارداتها من فول الصويا، وسط تصاعد الحرب التجارية، قصة الصويا مثيرة للتفكير وهي تعني أن ليس كل شيء مهم في العصر الحديث يرتبط بالتكنولوجيا الرقمية أو الفضاء الإلكتروني. حبة فول الصويا البسيطة أظهرت مقدار التشابك الوثيق في الاقتصاد العالمي في الوقت الذي تشتد فيه حدة الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، هناك توقع متزايد بأن الأضرار الجانبية قد تطال بورصة وول ستريت، وتُحدِث الاضطراب في خطط المصارف في الولايات المتحدة، التي تهدف إلى التوسع في البر الرئيس في الصين… سيكون الاقتصاد العالمي أولى ضحايا هذه الحرب المتصاعدة، وسيصاب الفقراء حول العالم بمزيد من الأزمات الاقتصادية من جرائها ترامب لا يتصدى لقضية وهمية فحسب، بل إنه يعمل أيضا على تأجيج المشاعر ويفرض عبئاً ثقيلاً وأضراراً على العلاقات الأميركية مع حلفاء رئيسيين.
وأسوأ ما في الأمر أن تصرفاته مدفوعة بنوازع سياسية محضة. أن نيران ترامب الاقتصادية تستهدف حلفاء أميركا بالضرر في حين يتصدى الأعداء لنيران ترامب بكل حزم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن