كاسك يا وطن!
| عصام داري
يعجبني الفاسد خفيف الظل، والفاسد الذي يبتكر أساليب لا تخطر على بال للتمويه على فساده، و«أزعل» من الفاسد الفظ الذي لا يبالي ولا يخشى من الاعتراف بأنه فاسد، ويبرر هذا الفساد بأسلوبه المباشر والوقح أحياناً.
الحالة الأولى:
عرفت شخصاً ظريفاً و«ابن عالم وناس» أبلغ رفاقه وزملاءه في العمل وجيرانه وأولاد الحي وكاد ينشر إعلاناً في الصحف أنه ربح الجائزة الكبرى في يانصيب معرض دمشق الدولي.
هنأه المعارف والأصدقاء وأرسل له بعض أقربائه في المغتربات برقيات تهنئة مع الأمنيات الطيبة بأن يستمر دولاب حظه بالدوران بلا توقف، وهكذا كان.
فبعد أسبوعين بالتمام والكمال عاد صاحبنا ليعلن أنه ربح الجائزة الكبرى في يانصيب معرض دمشق الدولي! قالوا له: عرفنا ذلك وقدمنا لك التهنئة والمباركات الطيبات، فرد عليهم بفرح غامر: لا، لا لقد ربحت الجائزة الكبرى للمرة الثانية!
حسده الناس على هذا الحظ الخارق وتمنوا له دوام الحال على هذا الحال، وصارت قصته حكاية يضرب بها المثل.
و.. بعد أسبوعين قرر المحظوظ الاستقالة من عمله لأنه تعب وأراد الخلود إلى الراحة والسكينة، وبعد أسبوعين آخرين علمنا من مصادر موثوق بها أنه افتتح دكاناً صغيرة في إحدى قرى الريف، ومن ثم بعد أسابيع انتقلت «دكانه» الصغيرة إلى المدينة لتصبح (سوبر ماركت) معتبرة وبعد أسابيع نشرت الصحف خبراً عن سرقة المؤسسة التي كان يعمل فيها صاحبنا صاحب الحظ السعيد!
ويا سادة يا كرام إياكم أن تتصوروا أن هناك علاقة بين حظ الرجل واكتشاف السرقة في تلك المؤسسة المحظوظة، فهذا الأمر قد يكون تشابه وتشابك حالات لا أكثر، ومازال الرجل المحظوظ يستثمر أمواله في مشاريع ناجحة ومربحة.
الحالة الثانية:
موظف حكومي «فقير» كان «يستعير» من خزينة الدولة مبالغ هزيلة لا تزيد كل دفعة على خمسة ملايين ليرة فقط لا غير، وهو – والحمد لله – يصلي ويصوم وحريص على فروض الطاعة لله عز وجل، وعندما سئل: يا حاج، كيف تمد يدك إلى المال العام؟ فرد: ألا تعلمون أن السارق من السارق كالوارث من أبيه؟
من قال هذا الكلام، سألوه، فأجاب: إنه حديث نبوي! وبعد الرجوع إلى الحديث والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وتابعي التابعين لم يتوصل العلماء والراسخون في العلم إلى تأكيد هذا الحديث المخصص للصوص الدولة.
الحالة الثالثة:
دخل دافع الرشوة إلى مكتب المسؤول وهو يحمل حقيبة صغيرة فيها مبلغ «محرز» من المال سيدفعه لهذا المسؤول لـ«تسهيل» أمور أحد المشاريع، لكن دافع الرشوة وجد أن المكتب يعج بالناس بين صديق للمسؤول ومراجع وموظف، فخجل واقترب من أذنه و«وشوشه» وكما تغني شاديا (أحب الوشوشة) قائلاً: المال في الحقيبة.. فرد عليه بصوته الجهوري الذي يشبه عباس فارس – رحمه اللـه- ضع النقود على الطاولة وعدها (شو يعني نحن نسرق؟) توقيعي يجعلكم تربحون المليارات هل كثير علينا بضعة ملايين؟
معك حق سيدي الفاسد، فما كان لفرعون أن يتفرعن لو وجد من يرده ويقمعه، وحتى ذلك الحين ستتوالد حالات الفساد كالفطر السام وتسد الآفاق، و.. كاسك يا وطن ولتعش في هذه النعم! بالإذن من دريد لحام.