ثقافة وفن

كيف يمكن أن نزيد من حجم الوعي بأهمية القراءة لنجعل منها نهجاً وأسلوب حياة؟ … إلغاء ثقافة «العلامة» على حساب المعلومة في المدارس واعتماد خطاب يناسب هذا الجيل

| طرطوس – سناء أسعد

شغف الروح بالقراءة هو استقرارها اللامتناهي في بحور الكلمات الهائمة فوق صفحات الكتاب.. نسافر معها إلى شواطئ المعرفة في رحلة تبدأ ولا تنتهي.. تكوينا جمرة الحروف بتنهيدة اللقاء مع ما انتظرناه طويلاً ولكنه تأجل على أبواب المجهول المغمس بالغموض.. كنا نسعى ونتوق دائماً لاكتشافه هناك حيث كنا نقلب صفحات الزمن صفحة تلو الأخرى على إيقاع مشاعرنا المتقلبة بين فرح يحلم بضحكته وملل يخفي وجهه العبوس ورغبة أصابها شلل أحمق بعثرته الظروف بين أطراف الأمل.
قد يرحل عنا الأمل ونتعرى منه، يفلت منا في لحظة ضعف أثقلها وهن الوهم وأعيتها مجابهة واقع محتوم.. ولكنه قد يعود لنا بهيئة شخص أو في لحظة عابرة حملت في طياتها أعمق المعاني وربما قد يعود بهيئة كتاب، «عصف ذهني يعصر أعماقنا، يقطرها وينقيها من أوجاعنا المشردة في شرايين الألم».

فأنت بكل ما فيك وكل ما لم تكتشفه في داخلك وما لم تستطع التعبير عنه والبوح به للملأ هو على تلك الصفحات، بالمتعة التي تكتشفها على مهل رويداً رويداً مع تلك الرشفة الصباحية أو مع تلك اللحظات التي تخلد فيها روحك إلى ذاتها، فتتلحف الكتاب بدلا من الغطاء وتنام على وسادة خفاياه الحالمة الغاضبة الثائرة فتنزعك من أناك إلى تلك الأنا التي تخاطبك.. توقظك من غفلتك عن جمال الحياة وما فيها رغم مرارتها.. وتحطم تلك المفاتيح التي تغلق بها دروبك. تصدمك.. تنعشك فتحملك من أعلى السطح الذي طالما استمتعت، وأن تطفو فوقه إلى أعلى قمة في أعماقك لطالما خشيت أن تلامسها أو تقترب منها خوفاً من التعثر والسقوط ومن الخيبة والانكسار.
فالقراءة عالم كامل متكامل، والقارئ هو من يحيي هذا العالم ويبعث الروح فيه.. والمشكلة التي نعاني منها أن هذا العالم فقير رغم ثرائه، منسي رغم ذاكرته الحية.. مجهول القيمة رغم رفعته وعلو شأنه وسموه.. وعلى الرغم من الجهود المبذولة بهدف التحفيز والتشجيع على القراءة من خلال الفعاليات والنشاطات المختلفة فلا يزال يقال بأننا مجتمع لا يقرأ.. فما السبب في ذلك؟ وأين تكمن مواطن الخلل؟ وما الدور الذي تلعبه القراءة في بناء شخصية الإنسان فكرياً وذهنيا ونفسياً؟ وكيف يمكن أن نزيد من حجم الوعي بأهمية القراءة لنجعل منها نهجاً وأسلوب حياة ولننشئ جيلاً قارئاً ينهض بمجتمع سليم لا يهزم؟

القيام بحملات وعي كبيرة
الشاعر حسن بعيتي يقول: للأسف ما زال الوعي بأهمية القراءة أقل بكثير من المطلوب ونحن نعيش في مجتمع يعاني الكثير بسبب ذلك في المقام الأول.. فالقراءة ليست فقط صاحبة دور في بناء الإنسان فكريا ونفسيا بل هي الشرط الأساسي والضروري لهذا البناء والطريقة الأهم للارتقاء بالإنسان في كل مكان ليكون أكثر وعياً بجوهر وغاية وجوده.
القراءة هي أحد أهم أشكال الاحتكاك بالآخر.. ونعم نحن للأسف في مجتمع لا يقرأ.. والإحصائيات الرسمية في هذا المجال مخجلة وصادمة.
فإن المجتمعات المتقدمة لم تخلفنا وراءها، ولم تسبق في مضمار التقدم والحضارة إلا بالعلم والمعرفة
وهذان لا يتحققان إلا بالقراءة. فيمكن القول إذاً: إن تلك المجتمعات قد سبقتنا بالقراءة قبل أي شيء آخر.
لقد كان لي شرف أن أشارك بأحد المشروعات الأهلية في هذا الميدان أعني ملتقى «إقرأ معنا» في طرطوس، وهو تجربة رائعة ورائدة أرى أن يتم الترويج لأمثالها في كل مدينة أو قرية.
ويتابع قائلاً: كلنا يدرك أن الإنسان قد يكون اليوم مستهلكاً بهمومه اليومية أعني في المجتمعات الفقيرة وسيجعله ذلك يرى أن الدعوة إلى القراءة نوع من الترف يثير السخرية غير أن الحقيقة ليست كذلك.. فالقراءة هي الوسيلة الأهم لكي يتجاوز المجتمع مشكلاته الكبرى ومنها الفقر، فهي ليست ترفاً إذ من دونها لا يمكن النهوض على الصعيد الجمعي.
المفارقة هي أن يعتقد أحد ما أنه لكي يقرأ ينبغي أن يتخلص أولاً من مشكلاته الملحة وهمومه المعيشة. قد يبدو هذا لصاحب النظرة الآنية الضيقة، بينما الحقيقة هي أنه لكي يتخلص المجتمع من مشكلاته فعليه أولاً أن يتحول إلى مجتمع قارئ ولا بد من قيام حملات كبيرة على المستوى الرسمي والشعبي لنشر هذا الوعي.
إبراز قيمة الكتاب وإتاحته للجميع

الأديب مفيد عيسى أحمد يقول: تعتبر القراءة الطريقة الأساسية للتلقي، وهي عملية اتصال وتواصل مع المحتوى العلمي والأدبي للوعاء المعلوماتي الأهم في تاريخ الحضارة البشرية وهو الكتاب.
لم تبق القراءة حصراً على الكتاب بل تخطت ذلك إلى الدوريات فيما بعد، لنصل إلى أوعية المعلومات الإلكترونية، كالكتاب الإلكتروني والدوريات الإلكترونية ووسائل التواصل، وذلك عبر حامل مادي هو الكومبيوتر والأجهزة اللوحية.
ويضيف: وصلت البشرية إلى مرحلة القراءة بعد نضوج اللغة، وذلك بتخطي الرمز والتجريد بالحروف والكلمات وصولاً إلى بناء الوحدة اللغوية والصياغة النصية.
وعملية القراءة تتجاوز في مفهومها النشاط المعرفي الأكاديمي والمدرسي إلى ذلك النشاط الذي يسير وفق دينامية دائمة لحب الاطلاع والمعرفة إضافة إلى الضرورة العلمية والعملية التي تفرض ذلك، كالبحوث وتلك المهن التي تتطلب اطلاعاً دائماً على آخر ما أنتجته الذهنية البشرية في التخصصات العلمية والمجالات الفنية والأدبية.
ويتابع قائلاً: تقف وراء تدني نسبة القراءة عوامل عديدة، في مقدمها التربية المدرسية التي تقوم على التلقين وتحد من حب الاطلاع ولا تنمي العامل الذاتي في المعرفة، فينشأ الطالب ضمن إطار المنهاج المدرسي والأكاديمي الذي يقوم على الحفظ.
هناك عوامل أخرى منها الحالة الاقتصادية التي ثؤثر سلبيا في الدافع للقراءة، وذلك من الناحية المادية والنفسية، إضافة إلى عامل في غاية الأهمية هو النزوع التواكلي الغيبي الذي يسم العقلية الشرقية، والذي يجعل القراءة حالة عبثية لا طائل منها في نظر الكثيرين.
ولا يجب أن نغفل عن العوامل الخاصة بالتقنيات الجديدة، التي أدت إلى انكماش عملية القراءة، هذه التقنيات التي تمثلت في البداية بالوسائل السمعية والبصرية، تلفزيون، إذاعة، سينما. ومن ثم الإلكترونيات متمثلة بالكومبيوتر والشبكات الإلكترونية، التي أتاحت انتشار مواقع التواصل الاجتماعي التي عادت بنا تقريباً إلى ما يشبه عصر الشفاهة في نقل المعلومة، لكنها تختلف عن الشفاهة السابقة بأنها شفاهة مكتوبة إلكترونياً.
تتطلب عملية بناء مجتمع حضاري، الحض على القراءة بشكل دائم ودائب، وليكن ذلك من القاعدة، أي من مرحلة الطفولة، وذلك بمحفزات تلائم مستوى الطفل، وبمحفزات أخرى تناسب المراحل العمرية كافة، كجوائز للقراءة والإضاءة على عملية القراءة ومن يقرؤون.
كما يلعب الإعلام والدعاية دوراً أساسياً في الترويج لعملية القراءة، على أن يترافق ذلك مع خطوات عملية في الواقع، كإقامة معارض الكتب، تخصيص يوم للكتاب، وإتاحة الكتاب للجميع عن طريق إصدار طبعات شعبية أو عبر منافذ المكتبات العامة والنقاط الثقافية.
وتمر تلك العميلة بالاحترام اللازم للكاتب والباحث، فلا قراءة بلا كتابة، ولا بد من إبراز قيمة الكتاب والجهد الذي يقف خلف إنجازه.
هناك نقطة غاية الأهمية في عملية القراءة هي: ماذا نقرأ..؟
فهناك قراءات بناءة وأخرى مدمرة هدامة، فالأصولية والإرهاب قاما على القراءة، لكنها القراءة التي أدت إلى الخراب والقتل وإلغاء الآخر، فالأهم أن نعرف ماذا نقرأ.
إن العمل على تنمية القراءة البناءة واستبعاد الأخرى الهدامة والخروج من الأمية المعرفية، أمر ملح وغاية في الضرورة في تطلعنا إلى مجتمع سليم ومستقبل مشرق، وسعينا لبناء إنسان محصن وطنياً وإنسانياً.

رفد المناهج التربوية بالقصة والرواية
الأديب حسن إبراهيم الناصر يقول: «أهمية القراءة من أهمية بناء فكر وثقافة الأجيال «ولنهضة أي مجتمع لابد من دور للثقافة وللإبداع.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة بهدف التحفيز والتشجيع على القراءة من خلال الفعاليات والنشاطات المختلفة فلا يزال يقال بأننا مجتمع لا يقرأ؟
في ضوء ما يجري من أحداث متسارعة ومتلاحقة من حولنا لنسأل هل تم تهميش دور الثقافة في بناء الإنسان؟
وهل تقدم دور التكنولوجيا التقنية والمعلوماتية على دور الكتاب؟
لنحتكم للرؤى المستقبلية من خلال النزول إلى أرض الواقع لنبحث في أهمية ودور الكتاب في المجتمع وخاصة المجتمع التعليمي؟
«هذه مقولة نحن مجتمع لا يقرأ».. وبعيداً عن المصطلحات والشعارات والاحتفاليات.. هي: مقولة إلى حد ما تحاكي الواقع المعيش في مجتمع من المفروض أنه تجاوز الكثير من معوقات تأمين الكتاب للقارئ وللمتلقي في أي مكان يكون: «في البيت أو المدرسة أو الوظيفة أو المؤسسات الحكومية.
ومع هذه التظاهرة الكبيرة والمهمة «لمعرض الكتاب في مكتبة الأسد الوطنية.. التي تُشكل منارة حقيقية للفكر وللثقافة وللفن وللإبداع «والدور المهم لوزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب والهيئة العامة السورية للكتاب… كان أيضاً من الضرورة بمكان وجود:
«جناح واسع للقراءات وللمطالعة المجانية «أي كان من الممكن تأمين جناح يتم فيه مشاركة المؤسسات الحكومية للمطبوعات والهيئة العامة للكتاب في وزارة الثقافة واتحاد الكتاب العرب ووزارة الإعلام لتأمين جناح للكتب الفكرية والبحثية والتاريخية والفلسفية والعلمية وأيضاً… الروايات والقصص ودواوين الشعر القديمة والحديثة وفتح مجال للزائرين للقراءة ويمكن أن يتناول الزائر «فنجان قهوة» بسعر شعبي يستطيع أي مواطن زيارة هذا الجناح ويمكن أن يخصص جناحاً للأطفال «ومن المهم أن يتم تطبيق هذه الفكرة أو أي فكرة تساعد في استنهاض الوعي الثقافي لدى الأجيال في المدارس والمعاهد والجامعات بأي رؤية تؤمن مستوى فكرياً لكتاب يفتح نوافذ الحياة عند القارئ وتفعيل دور الطالب في المشاركة بالحوارات التي تُقام بعد كل قراءة للكتاب؟.. قد يقول بعض المسؤولين أو المهتمين بالشأن التربوي إنه يوجد في كل مدرسة مكتبة وأيضاً في الجامعات.. نعم يوجد ولكن يتم التنفيذ على الورق في الأغلبية… وطبعاً يا للأسف.. لابد من تفعيل هذا الدور على أرض الواقع بوضوح جلي ومتابعته وخاصة في المتاحف وبيوت المفكرين ورجال الاستقلال الوطنيين التي تحولت إلى متاحف ولكن يا للأسف نحن نتلمس واقعاً مختلفاً في مجتمعنا.. حيث نجد أغلبية الأجيال التي ترفد المجتمع تُشكل في أكثريتها «الشباب» الذي يلهث وراء الكماليات والحصول على المعلومة من أجل تأمين النجاح أو التفوق أو الوظيفة والقليل منهم الذي يبحث عن دور الفكر والثقافة في نهضة وعي المجتمع وتحسين مستوى العيش المادي والثقافي والإبداعي المجتمعي وهؤلاء للأسف غالباً ما يتم تهميش دورهم في العمل والمجتمع؟ ربما الظروف تكون قد اختلفت ولكن لا يمكن للهدف أن يختلف.. يبدأ الإصلاح كأي حالة فكرية وذلك من خلال المجتمع الذي نعيش فيه بدءاً من الأسرة الغارقة في المسؤوليات اليومية لتأمين لقمة العيش والبحث عن العمل.. وإلى أي مكان أو جهة ينتمي إليها الإنسان في الوطن؟
ويتابع قائلاً: تكمن أهمية القراءة من أهمية الكتاب ودور الثقافة في استنهاض الوعي المجتمعي والإنساني ولابد من تعاون الجهات المسؤولة عن التعليم والتربية والإعلام واتحاد الكتاب العرب لوضع مناهج تربوية كفيلة بجذب جيل الشباب من خلال: رفد المناهج التربوية بـ«القصة والرواية والقصيدة والفن» أي إبداع يعبر عن هوية الإنسان المنتمي للوطن «سورية».. وأيضاً بدل أن ننتظر ليأتي جيل الشباب إلى «المراكز الثقافية أو فروع اتحاد الكتاب العرب في المحافظات.. أو إلى المنتديات «..فليذهب المبدعين والكتاب والمثقفين والباحثين والمهتمين بالشأن الفكري والثقافي إلى «جيل الشباب» في المدارس والمعاهد والجامعات وأيضاً إلى المؤسسات والمعامل والإدارات الحكومية في القطاعين الخاص والعام ولو كلف ذلك النشاط أن يكون من دون مقابل مادي مع أهمية المقابل المادي «بالنسبة للكاتب وللفنان وللمبدع وللباحث وللإعلامي» وأنا أرى أهمية دور «المدرسة، ثم المدرسة، ثم المعلم ثم المعلم.. ودورهما المهم والحقيقي في تنشئة الأجيال وهذا بالتأكيد من أهمية بناء الوطن»… ومن حق الذي يبني الإنسان أن ينال ما يستحق من الاهتمام المعنوي والمادي الذي يكفل حياته.. ليبقى «المعلمون بناة الأجيال يبنون الإنسان الذي يُساهم في بناء الوطن».
هم أي المعلمون يضحون ويفنون حياتهم من أجل بناء فكر الأجيال بعيداً عن الانتشار الواسع لمظاهر «المعاهد الخاصة والدروس الخصوصية في المجتمع ».. والتي تُرهق الطالب والأهل وأيضاً المعلم.
ويختم الناصر بقوله: القراءة كما الكتب «حياة» بكل ما تعني هذه الكلمات من معانٍ وقيم وأخلاق ومبادئ لمجتمع سوري يواكب الانتصارات الكبيرة والتضحيات الأسطورية التي يقدمها على الأرض: (أبطال الجيش العربي السوري العقائديون) لتبقى سورية وطن الأبجدية والحضارة والعلم والمحبة والإنسان.

اعتماد آلية خطاب صحيحة تناسب هذا الجيل
الأديبة لبانة الجندي تقول: المجتمعات يبنيها الفكر الذي ينتج الوعي.. وهذا يكون طبعا ثمرة الاطلاع على الثقافات والاتجاهات الفكرية المتنوعة…
أبدأ بالمناهج الدراسية التي تزدحم بالمعلومات، وتقل من خلالها الثقافة، وذلك بسبب طرق إيصالها، والمطلوب من التلميذ بذل الجهد لتحصيل العلامة على حساب المعلومة. هذا من ناحية… أما من ناحية أخرى، فمجتمعنا لو قرأ لا ينتج فكراً. فقد تربى على اجترار الأفكار الجاهزة، إضافة للقيود المفروضة عليه من الموروث، وحتى المكتسب.
من زاوية أخرى نجد أن التكنولوجيا قد فتحت الباب أمام أجيال أواخر القرن العشرين، وأوائل القرن الحادي والعشرين، فتاه شبابنا حتى وجدوا معالم الطريق في هذا الزخم المعرفي، رغم عدم موثوقيته تماماً، وغدا الكتاب، ولو كان رفيقاً، فهو غير صديق. لغة جيل الشباب اختلفت عن لغة سابقيهم، وأصبحت رقمية، بدلاً منها ورقية.. واعتقد الجيل القديم أنه يواجه جيلاً لا يعترف بدور الثقافة ولا يسعى إليها، وهذا طبعاً بسبب الفارق بطريقة التفكير.
وتتابع قائلة: بدأت النشاطات في تجمعات ثقافية متعددة، طبعاً هي ظاهرة جيدة، محاولة لإعادة الاعتبار لدور الكتاب، حتى برومانسية القراءة من الورق. وكان إقبال الشباب نسبياً بدرجة معقولة. وهنا أورد مثلاً، مسابقة ماراثون القارئ الجامعي الأفضل التي طرحها ملتقى اقرأ معنا، وكنت في لجنة التحكيم. لاقينا إقبالاً لافتاً، ومفاجئاً لنا ولكادر الجامعة، بأن هذا الجيل يفرض لغته، التي علينا الاعتراف بها، وتعزيزها، وفتح آفاق التفكير أمامه…
كي لا أطيل أكثر، أعتقد أن المجتمعات يبنيها الشباب على إرث الأقدمين، لكن من دون التقيد به، بل بتطويره بما يتناسب مع العصر. وهو جاهز على ما أعتقد إذا كانت آلية خطابه صحيحة.
وهذا حديث ذو شجون ولا تكفيه مداخلة سريعة..

ختاماً
القراءة ليست ترفا أو برستيجا ولا حكرا على فئة معينة دون غيرها أو مجرد نشاط نمارسه لفترة محدودة فحسب بل هي حاجة ملحة لابد أن نشبع العقل بها على الدوام ليكتمل نضوجه، لنرتقي بفكرنا ويزداد وعينا.. ونترفع عن كل ما يشوه إنسانيتنا ولاسيما أننا نعيش اليوم في عالم محكوم بالمظاهر وشهوة السباق الأعمى للتباهي بها، في عالم محكوم بالفقر الأخلاقي، وافتقاد للضمائر الحية… محكوم بالسخرية من حاجتنا للثقافة والمعرفة وما أكثرهم أولئك الذين يعتقدون أنه ما من حاجة لنا للثقافة.
وكأننا لسنا مسؤولين عن عقولنا وعن إشباع حاجتها من العلم والثقافة والمعرفة كما نشبع حاجاتنا الأخرى.
فما أحوجنا اليوم وأكثر من أي وقت مضى لثورة ثقافية، أخلاقية، تربوية تحارب تلك الفوضى التي تغلغلت في النفوس.. وتصلح الخراب الذي دمر العقول ومزق الأرواح وتعيد لآدميتنا بعضاً من هيبتها المفقودة
والمسؤولية هنا لا تقع على عاتق جهة معينة دون غيرها بل هي مسؤولية مجتمع بأكمله أسرة، ومدرسة، وجامعة وإعلام وجميع المؤسسات الأخرى.. فلنتبادل الكتب كما نتبادل التحية.
ولنعتمد الحوارات البناءة داخل بيوتنا قبل أن تكون خارجها.. لنتعامل مع هذا الجيل بأدواته ونقدم له ما يفيده وينفعه عن طريق ما يبهرهه ويلفته، لنمنحه الثقة ولتكن هناك حصة ثقافة ومطالعة في المدارس تفعل بشكل جدي وليقرأ كل طالب كتاب ومن ثم يخصص لكل طالب حصة يشرح فيها لزملائه خلاصة الكتاب الذي قرأه والفائدة التي حصل عليها والأثر الذي تركه ذلك الكتاب في داخله… هذه خطوة بسيطة ولكنها تحقق الكثير من الفائدة وعلى جميع المستويات لأن ثقافة القارئ الشخصية لن تبقى فردية لكون تلك الثقافة لن توسع مداركه وتطور معرفته فحسب بل ستطغى على طريقة تفكيره، على أخلاقه وسلوكه وأسلوب تعامله وتعاطيه مع الآخرين ومختلف أموره الحياتية..
اقرأ.. ففي القراءة حياة لم تعشها بعد، وحكمة لم تقلها ألسنة التجارب.. في القراءة أساتذة ومدارس وجامعات سيعطونك دون مقابل..
وكل ما عليك أن تحتضن الكتاب بقلب دافئ قبل أن تلفه بعقل شغوف، أن تغادره وحرقة الوداع تضاهي شهوة اللقاء وأن تجعله موطن السكينة الذي تلجأ إليه وتدافع عن ذلك الوطن كما تدافع عن جميع مواطن استقرارك..
ومن تذوق فكره طعم القراءة لن تتذوق روحه طعم الهزيمة…

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن