من دفتر الوطن

الضحك على النفس!!

| عبد الفتاح العوض

هل أصبح السوريون الآن أكثر سخرية من قبل أم إننا اكتشفنا سخريتنا مؤخراً؟
منذ بداية الحرب بدا وكأن ألسنة السوريين انطلقت بالنكتة وأصبحت أي قضية صغيرها وكبيرها قابلة للسخرية.
وقبل أن نجيب عن السؤال ثمة تفريق جوهري بين النكتة للنكتة وبين النكتة الساخرة.. غسان كنفاني اعتبر أنه إن لم يكن للكاتب الساخر نظرية فكرية فإنه يصبح مهرجاً.. ثمة خطوط متداخلة بين السخرية والفكاهة والنقد الضاحك… لهذا يتحدث البعض عن السخرية السوداء، على حين يكون الكثير من التهريج في نكات معينة. والعرب يسمون «النكات» لمن يطعن في الناس كما جاء في لسان العرب.. ويرى آخرون أنها جاءت من النقطة البيضاء في الثوب الأسود واستخدمت عن طريق المجاز لما يأتي وسط الكلام من جملة طريفة أو مسألة لطيفة. وأول من استخدم كلمة النكتة بمعنى التعليق الساخر هو بديع الزمان الهمذاني.
بعيداً من اللغة، المدرسة الفرويدية تفسر النكتة على أنها نوع من أنواع التعبير عن اللاشعور وعن الأفكار غير المعلنة، وثمة تفاسير أخرى لكنها في المجمل تعتبر رمزاً ثقافياً يعبر عن المجتمع بشكل عام وعن الفرد بشكل خاص. فهي في مضمونها تسعى لإبلاغ رسالة، وفيها نقد اجتماعي مباشر.. على سبيل المثال يتداول السوريون الآن نكتة عن ارتفاع درجات الحرارة تقول: «إن الحكومة تنفي مسؤوليتها عن ارتفاع درجات الحرارة وتؤكد اختصاصها في رفع الأسعار ورفع السكري ورفع ضغط الدم».
النوع من النكت الاجتماعية والاقتصادية هو الأكثر شيوعاً في المجتمعات التي تعاني ظروف الحياة المعيشية، وهنا من يربط تنامي النكتة في حالة المعاناة.. المجتمعات الأكثر معاناة هي الأكثر سخرية. حتى على مستوى الأشخاص ثمة أشخاص كثر يثيرون الضحك من حولهم، ويسخرون من أنفسهم ومن الآخرين، وغالباً ما يكونون أكثر حزناً من غيرهم، وهذا ينطبق على المجتمعات أيضاً على اعتبار أن المجتمعات المتعبة تداوي نفسها بالضحك وتخفف من ألمها بالسخرية.
لكن.. ثمة شيء آخر يتعلق بهذا الموضوع وهو الخلفية الفكرية للمجتمع، فمثلاً لدينا موقف سلبي من المزاح والسخرية.. الرسول كان يمزح لكنه لا يقول إلا حقاً.. على حين في القرآن الكريم: «لا يسخر قوم من قوم»، وفي المأثور أيضاً من كثر ضحكه قلت هيبته… وفي الأمثال الشعبية تخوف من كثرة الضحك فبعدها شر «اللـه يعطينا خير هالضحكة».
لكن برأيي: إن معدل السخرية في دم السوريين زاد خلال الفترة السابقة، وأطلقت الأزمة كثيراً من المشاعر التي تحول المعاناة إلى ضحك مؤلم.
وجاءت وسائل التواصل الاجتماعي لتعطي فرصاً أفضل للتعبير الساخر وأيضاً لانتشاره.
كانت النكت تدور في الصالونات الاجتماعية وبالتالي بقيت محدودة الانتشار، أما الآن فقد تحول الفيس بوك إلى صالون اجتماعي مفتوح للجميع. وقد حول السوريون الفيس بوك إلى مسرح ساخر!.
أخيراً لماذا لا يتأثر المسؤولون بالنكت؟
أعتقد أن أحد المعايير المطلوبة عند اختيار المسؤولين أن يكون «ثقيلاً» ويفضّل ثقيل الدم أكثر.

أقوال:
مقياس الرجل العظيم قدرته على السخرية من المتاعب- أفلاطون.
حينما ينهمر عليك عالم من الخيبات، تنتقل إما إلى الفلسفة وإما إلى السخرية- تشارلي تشابلن.
السخرية هي ذرة الملح التي تجعل ما يقدم إلينا مستساغاً- غوته.
«صار جداً ما مزحت به… ربَّ جد جرَّه اللعب»- أبو نواس.
«الفكاهة منطق مجنون»- غروشو ماركس.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن