قضايا وآراء

عودة بولتون وجه أميركا البشع

| د. يوسف جاد الحق

عرفنا هذا الرجل قديماً ممثلاً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة حيناً، ومستشاراً للأمن القومي حيناً. عرفناه سليط اللسان سيئ النية والطوية، طافحاً قلبه بالحقد والضغينة على كل ما ليس بيهودي صهيوني، عرفناه صهيونياً عريقاً متغطرساً، محرضاً على الشر والإجرام بحق العرب عامة، والفلسطينيين خاصة ما دام الإسرائيليون يريدون ذلك.
يحمل الرجل صورة بشعة في ظاهره تنبئ عما هو أبشع ما في داخله، ويصح فيه القول، وفق تعابير الأدباء (قبيح الشكل والمضمون)!
يطلع علينا مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون في هذه الأيام، بعد أن ضمه الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى زمرته الحاكمة، في البيت الأبيض برتبة (مستشار) للأمن القومي، يجلس عن يمينه في المناسبات العامة، فلا يني عن توجيه رئيسه إلى الوجهة التي يريدها. ومن ثم رأينا هذا الأخير (يلاطش) يميناً ويساراً، شرقاً وغرباً بـ (العقوبات المهزلة) التي هي سلاحه حيال معظم دول العالم، بمن في ذلك حلفاؤه أنفسهم، وأتباعه، مستثنياً (إسرائيلهم) بطبيعة الحال.
من تصريحاته الفجة الأخيرة (بدءاً من 21 آب) قوله إن هجمات إسرائيل على المواقع السورية التي تحوي صواريخ بالستية، أو مشاريع نووية، أو كيميائية وأن كل ما تفعله ما هو إلا (دفاع عن النفس)، المقولة البغيضة ذاتها التي اعتدنا سماعها على مرّ السنين، على ألسنة من سبقوه من ساسة أميركا، صقورهم وحمائمهم، على السواء، فما من أحد (يجرؤ على الكلام) هناك بغير هذا حتى لو كانت الجريمة الإسرائيلية بحجم الكرة الأرضية، وكذلك الأمر مع الفلسطينيين في غزة والضفة.
ومن تغريداته (الجميلة) التي يتباهى بها، زعمه بأن أميركا (لا تريد تغيير النظام في إيران، بل تغيير سلوكه..!). ترى لماذا تعتقد أميركا أن لها الحق في تغيير نظام ما لدولة ما ذات سيادة، عضو في المنظمة الدولية؟ من ذا الذي خوَّلها مثل هذا الحق.. ؟ أهي وصية على العالمين.. ؟ لعلها تحسب أن العالم كله إمبراطورية تملكها أميركا، فتسمح هنا ولا تسمح هناك، تعاقب من تشاء وتعفو عمن تشاء..!
ومن أقواله الفجَّة المتغطرسة، تحذيره من أن أميركا ومعها بريطانيا وفرنسا سوف يتصرفون بما يرونه مناسباً في حال استخدام سورية أسلحة كيميائية في إدلب.
(أولاً)- لماذا يستنتج الرجل سلفاً بأن سورية سوف تفعل ذلك؟
إن ترامب وبولتون يعلمان تماماً بأن سورية ليست في حاجة أصلاً لاستخدام هذا السلاح لأن جيشها العظيم يحقق انتصاراته كلها من دونه، وأن سورية لم تلجأ إليه في يوم من الأيام، كما أثبت التقارير الصادرة عن هيئاتٍ ولجان دولية مختصة في هذا الشأن.
(ثانياً)- هذا التحذير الفج إن دل على شيء فإنما يدل على أن هنالك نية مبيتة لاتهام سورية باطلاً بذلك في أي وقت، إذا ما أسفرت معركة إدلب عن التخلص من المجموعات الإرهابية التي ترعاها أميركا هناك، ولسوف تسفر المعركة عن ذلك بلا ريب أنه اتهام معدّ سلفاً، وما عليهم سوى إطلاقه، وإرفاقه بحملة إعلانية شرسة تثير الرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، وهم (بعناية ترامب وبولتون وأضرابهما من جماعات المحافظين الجدد لن يعجزهم تعميم هذه الأباطيل حتى تبدو (إعلامياً) لغير المحقق المدقق بأنها واقع مشهود..!
(ثالثاً)- (بولتون) هذا على استعداد للكذب والتضليل والافتراء ما شاء له الصهاينة، شأنه شأن رئيسه (ترامب) نفسه ووزير خارجيته (مارك بومبيو) ونائب الرئاسة (بنس)، ووزير دفاعه (جيمس ماتيس) وغيرهم وغيرهم.
انضمام بولتون إذاً إلى حلبة الوحوش وإلى عصبة الإجرام الصهيوـ أميركية نذير شؤم على العالم وليس على سورية وحدها ومن معها من الحلفاء.
إيران مستهدفة أيضاً، ولا ندري ماذا يخبئ لها هؤلاء تلبية للرغبة (النتنياهوية) التي لا هم لصاحبها في هذه الأيام، منذ توليه منصبه، سوى التحريض على إيران إلى حد الدعوة العلنية لأميركا (باراك)، ثم أميركا (ترامب) بإعلان الحرب عليها، لكي تطمئن (إسرائيل) إلى مصيرها، الذي أصبح في مهب الريح، منذ قيام حلف المقاومة، واشتداد عوده، ودور إيران فيه، مشاركاً في الحروب والانتفاضات التي وقعت في العقدين الأخيرين، سواء في جنوب لبنان أو في فلسطين، أو في سورية تحت عنوان (الربيع العربي) وما أحلَّه هذا الربيع من دمار في البنى والعمران، وعلى صعيد الإنسان من ضحايا وأحزان وآلام. سيمضي وقت طويل حتى تتعافى سورية وحلفاؤها من نتائجه وآثاره.. ذلك أنها ومن معها هم الغالبون، والمستقبل المشرق سوف يظلهم عما قريب، يقابله عكسه تماماً مع الأعداء، وفي مقدمتهم (إسرائيل) بطبيعة الحال التي أمسى وجودها مسألة وقت.. ووقت ليس ببعيد.. وإنا وإياهم لمنتظرون.. ننتظر خيبة بولتون وترامب وماتيس، و(حلفهم الشيطاني)، ونهاية الحكاية الإسرائيلية، لتصبح في مقبل الأيام مجرد ذكرى لواحدة من الغزوات التي عبرت المنطقة، على مر التاريخ، والتي كان قدرها أن تواجهها كلها بسبب موقعها من جهة، ولما تحمله من مبادئ وقيم حضارية إنسانية من جهة ثانية.
ترى أي خير يمكن أن ينتظره العالم بعد من أميركا التي تظهر للعالم اليوم بأبشع وجوهها: بولتون، وماتيس وبومبيو، وترامب.. ونيكي هيلي؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن