الأولى

الشبح النووي في البيت الأبيض

| نبيه البرجي

منذ سنوات، لاحظ المفكر الأميركي ناعوم تشومسكي أن الكونسورتيوم العسكري ـ الصناعي في الولايات المتحدة وراء صياغة الإيديولوجيات المجنونة، والإستراتيجيات المجنونة، في الشرق الأوسط.
أشياء كثيرة حدثت تحت عنوان «الفوضى الخلاقة»، الفوضى الجهنمية، التي أطلقها هنري كيسنجر، ولا تزال تتفاعل في رؤوس الإدارات المتعاقبة.
الآن، وبعدما ارتطمت السيناريوات الخاصة بـ«صفقة القرن» بأكثر من حائط، تقول مصادر أطلسية في بروكسل إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو اللذين يتقاطعان في الرؤية (اللوثة) اللاهوتية، يعتقدان أن بلوغ الصفقة يقتضي الجراحة النووية.
الخيار الذي لعب طويلاً في يوميات السناتور جون ماكين، الحاخام الأكبر في الكونغرس، وقد ذرف عرب كثيرون الدموع على رحيله. في أكثر من مناسبة قال بالانتقال النووي بالشرق الأوسط من حقبة ما قبل التاريخ إلى حقبة ما بعد التاريخ.
الدوامة الديبلوماسية، كذلك الدوامة العسكرية، لا تفضيان إلى مكان، إدارة الفوضى، الإدارة الخلاقة، قد تؤدي، في لحظة ما، إلى تفلت الخيوط من الأصابع الأميركية.
الجراحة النووية هي الحل، أكثر من بلاط عربي دعم ذلك الاتجاه، دوائر أوروبية تقول إنه في ظل التداخل «العضوي» الذي حصل في السنوات الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية، سيزداد نتنياهو وحشية، ويوّسع النطاق الجغرافي لسياساته، ظناً منه ومن حلفائه العرب، أن ذلك يفضي إلى تصحيح المسارات الإستراتيجية الأكثر حساسية في الشرق الأوسط.
هي رقصة التانغو مع العدم، الحديث يطول حول ما يدعوه أوبير فيدرين «قهقهات الشيطان» في المكتب البيضاوي، عقوبات على روسيا، وعلى الصين، وأخيراً التهديد بعقوبات على الهند (وقطع المساعدات عن باكستان).
بول كروغمان، الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، إذ حذّر من الخطا الضائعة، قال للرجل إياه: «لا تنس أن الدول التي تعاقبها هي الإمبراطوريات التي تنتظرنا، بكل أهوالها، قبل منتصف القرن».
ذاك البلاط العربي الذي احترقت أصابعه، واحترقت أوراقه، يعتبر أن خسارة سورية خسارة للحلم الكبير بالكوندومينيوم السعودي ـ الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
ما يحدث في البحر الأبيض المتوسط أثار الصدمة في واشنطن وفي الرياض. في هلسنكي، قال فلاديمير بوتين لدونالد ترامب «على أي كتف تضع قدميك في الشرق الأوسط؟». في الهواء أم في النار؟
بين رجب طيب أردوغان ومحمد بن سلمان، من لم تصل الحرائق إلى ملابسه الداخلية؟ أين يقف «السلطان العثماني» الآن؟ مضحكة، وساذجة، تلك المعادلة المستحيلة حين يكون اللعب في إحدى زوايا المسرح بين الـ«إس. إس 400) والـ«إف 35».
جون بولتون قال عنه لسفير خليجي «لم يعد أكثر من جثة»…
العصا النووية في وجه دونالد ترامب. ليتأمل، بانورامياً، في المشهد. اللعبة العبثية فوق الأرض السورية توقفت، أو ينبغي أن تتوقف. في الأوساط الأطلسية الأوروبية يسألون: «متى يسقط الإمبراطور بين يدي القيصر؟».
أبعد بكثير من أن تكون نزهة في المياه الدافئة. الإنذار وصل إلى أذني دونالد ترامب. الرد بالقفازات (الحريرية؟). المسؤول عن الملف السوري جيمس جيفري، والمبعوث الخاص إلى سورية جويل ديبورن قالا من تل أبيب: نعارض الهجوم العسكري على إدلب.
يوماً بعد يوم، تتبدى فلسفة (ومسار) العلاقات بين واشنطن و«المغول الجدد». من تل أبيب إلى عمان وأنقرة. يا للغرابة، أردوغان يصف أميركا بـ«الذئب المؤذي»!
إنهم يبحثون عن السيناريو الآخر بين خيوط العنكبوت. أكثر من أن تكون بلبلة داخل الإدارة. الشبح النووي يتجول في جدران البيت الأبيض. دونالد ترامب ينام على ساق واحدة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن