شيء من الرفق
| حسن م. يوسف
لم تكد ارتدادات زلزال البطاقة المشكوك في ذكائها تتلاشى، حتى استيقظ الناس صباح يوم السبت الماضي على هزة مفاجئة أخرى هي إعادة طلب موافقة شعبة التجنيد على المغادرة من كل مواطن مكلف الخدمة أتم السابعة عشرة ولم يتجاوز الثانية والأربعين. صحيح أن هذا الإجراء ليس بالجديد فهو وارد في المادة 48 من قانون خدمة العلم الصادر عام 2007. لكن الاتفاق بين وزارتي الدفاع والداخلية كان يقضي بطلب مثل هذه الموافقة عند إصدار جوازات السفر فقط، وهكذا سارت الأمور بسلاسة حتى قرر أحد ما يوم السبت الماضي إلغاء التفاهمات السابقة بين الوزارتين وتطبيق القرار بحذافيره وبشكل فوري! ما أرغم مئات، وربما آلاف، المواطنين السوريين على الرجوع من المطارات أو من الحدود!
ما ذنب ذلك المواطن الذي يعمل في الخارج، ويعيل ثلاث أسر في البلاد، الذي اشترى بطاقة مدتها أسبوع أمضاه عند أهله، ثم توجه إلى الحدود قبل انتهاء مدة بطاقته بيوم واحد فأعادوه من هناك كي يحضر موافقة التجنيد، فخسر بذلك ثمن بطاقة الطائرة، وقد يخسر عمله بسبب غيابه عنه دون عذر!
كان يفترض بالجهات المعنية أن تحدد موعداً مستقبلياً لبدء العمل بهذا الإجراء، بعد أسبوعين أو شهر، وأن تعلن عن ذلك بكل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية، وأن تطبع هذا الإجراء على قصاصات ورق تقدم لكل من يدخل إلى البلد، لا أن تقرر فجأة وبصرامة السيف القاطع أن تنصب كميناً للمواطن كما لو أنها تطمح لأن تلحق به أكبر كم ممكن من الأذى! الشيء المر والمؤسف في الأمر هو أن هذا الإجراء العبثي لم ينطبق إلا على من لا ذنب لهم سوى أنهم مواطنون سوريون صالحون ظلوا تحت مظلة الدولة السورية ولم يهربوا منها ولم يتهربوا من واجباتهم تجاهها، رغم أن دروب الهروب والتهريب لا تزال مفتوحة!
يقال إن الدولة هي أرقى مؤسسة سياسية عرفها الإنسان عبر تاريخه على هذه الأرض، ويقال إن الحكومة هي جزء غير دائم من جسد الدولة، فوظيفة الحكومة هي أن تدير الأجهزة التي تضعها الدولة تحت سيطرتها لتسيير حياة الفرد والمجتمع، بهدف «صيانة حقوق الأفراد وحرياتهم في العمل والتفكير والسلوك» على حد قول الفيلسوف الهولندي باروخ إسبينوزا.
لهذه المناسبة أود أن أذكر حكومتنا (الرشيدة) بأن مواطنيها الشباب الذين ذاقوا الأمرين خلال سنوات هذه الحرب الإجرامية، يستحقون أن يعاملوا بطريقة أكثر رحمة وعدلاً. وبما أننا نحتقر أصحاب الرأي الأحياء ولا نعير التفاتاً إلا لكلام الموتى، أريد أن أذكر حكومتنا بما قاله مؤسس علم الاجتماع عبد الرحمن بن خلدون الذي يعتبر أعقل العقلاء في تاريخ هذه الأمة وأحد أشهر الموتى في تاريخها. يقول ابن خلدون معبراً عن فهمه للسياسة وكيف يجب أن تكون:
«… وجب أن تكون العلاقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق والاعتدال في التعامل. فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلاقهم، بحيث يعاملونه بالكذب والمكر والخذلان، أما إذا كان رفيقاً بهم، فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة والاحترام، ويكونون عوناً له أوقات الحروب والمحن.»
نعم أيها السادة، ابن خلدون أعقل عقلاء هذه الأمة يرى أن رجل السياسة يجب أن يتصف بخصلتين رئيستين هما الرفق والاعتدال. فرفقاً بشبابنا الوطني الصابر المكافح! إن الحكومة يفترض بها أن تكون على علاقة طيبة بالحكمة! والحكمة تقتضي أن نفعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي.
نحن لا نطلب ممن يحكموننا الاقتداء بالحكومة الكندية التي وضعت برادات في العواصم الأوروبية يستطيع الكنديون وحدهم فتحها بجوازات سفرهم وتناول المشروبات منها مجاناً! لأن «حكومة بلدك تفكر بك حيثما كنت»! نحن نريد من حكومة بلدنا أن تظهر لشبابنا المقهور شيئاً من الرفق والاعتدال وحسب!
يقول ونستون تشرشل: «كل شعب في العالم ينال الحكومة التي يستحقها».
وأنا أقول له: خسئت! إن شعبنا يستحق حكومة أفضل!