ثقافة وفن

الوطن لا يعرف مصلحته

| إسماعيل مروة

بالأمس القريب خالفت توجهاتي، فبعد أكثر من ثلاثة عقود تفرغت فيها للقراءة والكتابة، ولداخل خاص جداً، عقدت العزم أن أتوقف عن العمل المرهق، وأن آخذ استراحة من التكثيف الذي لا جدوى منه إلا في محاولة وصفي بالمصلحي.. ومن أول يوم تواصلت مع أصدقاء لا يشاطرونني الهم والمهنة، وفي أثناء الحديث أراد أحدهم أن يدافع عن نفسه التي لم يتهمها أحد، فاستشاط غضباً، وأخذ يرغي ويزبد، ووصف المجتمع الذي ينتمي إليه بالغباء والكذب! وعبثاً حاولت أن أظهر له أن المعادلة أعقد بكثير، فهو لا يملك أي مؤهل، ومع ذلك يصف مجتمعه بالغباء المطبق، ولا يقبل أي رأي آخر، ولم ينسَ صديقنا بحذقه أن يتناولني ببعض الانتقاص! تمالكت نفسي حتى لا أظهر حقيقة ما حدث، ومن ثم انسحبت أجرّ خيبتي، معترفاً بأن قراري كان خاطئاً، وبأنني يجب أن أبقى في كهفي ومعبدي، وبين كتبي، كتبي التي علمتني أن الحياة بالناس، وأن الناس طيبون جملة، والتي أقنعتني بأنني يمكن أن أكون المخطئ الوحيد، والجميع يحملون الصواب.
لم أنم في ذلك اليوم، ليس حزناً لذاتي، بل لأنني عرفت حجم الكارثة التي وصلنا إليها، فما من أحد يعترف بأي خطأ، وما من أحد أذنب بحق الآخر، وما من أحد يرى الوطنية في غير ما يفعل!! بل ما من أحد إلا ويملك تفويضاً من الله بأن يكون الهادي والمرشد والخطيب والإمام والذي يملك مفاتيح الجنان والحساب، ويعرف كنه ما يريد الله، وسرّ ما يخفى عن الناس!
أليس غريباً وبعد سنوات من الحرب والدمار والقتل أن تبقى مثل هذه الأفكار مستشرية بين الناس من العامة والخاصة؟ أليس غريباً أن يتسابق أحدهم إلى الإمامة والوعظ ويدافع عن الفساد والمفسدين؟ أليس عيباً أن يفعل ذلك وكل ما عليك أنت أن تستمع له لأنه يملك مالاً بين يديه، وهو يغدقه على من يطيّب له في كل وقت؟
كنت محبطاً
كنت متألماً
وأخطر ما وقفت عنده هو شتمه للمجتمع الذي يظلم مهرباً وفاسداً ومؤذياً ومخرباً!
فعلى المجتمع أن يكون مختلفاً، وأن يجد العذر للقاتل والمهرب والتاجر بالممنوعات، واستعمل:
دع الخليقة للخالق..! لكنه نفسه يلومني ويراني على غير تدين كما يشتهي!
وفي الصباح فوجئت.. ولم أصدق
كل ما دار على لسان هذا المتفيهق الذي أجد له عذر الجهل رأيته من الخاصة..!
عدد من الخاصة الذين يتحكمون بسورية يتحدثون الحديث نفسه الذي قاله صديقي في تلك الجلسة اليتيمة من قبل ومن بعد.. وإن اكتفى هذا بوصف حيّه أو قريته بالجهل فهذا الآخر يشتم سورية كلها!
وينتقص السوريين كلهم!
من أين هو؟
من أي مغارة مقدسة هبط؟
خرج الخاصة، وهم أكثر من واحد بنتيجة واحدة، الوطن فاسد، الناس سيئون!
كل ذلك ليضمن أحدهم مصالحه أو مستقبله..
نعم في المجتمع فساد، لكنه لا يعمم على البسطاء
نعم فسد بعض الناس، لكن أنتم سبب فساده..
أردت أن أعود إلى الكتاب والكتابة هرباً من جلسات الصديق المتفيهق، ولكن بعد أن قرأت ما قرأت من الخاصة إلى أين يمكن أن يهرب أحدنا؟
هل حقاً الوطن لا يعرف مصلحته؟
شعب لا يستحق الاحترام!
نسينا ما فعله به التجار والمسؤولون وصفعناه لوقوفه بانتظار الشاورما..!
نسينا ما فعله المسؤولون عندما دفعوا بجامعاته ومعاهده إلى الدرجات الدنيا وحمّلناه المسؤولية، فهو لا يعرف مصلحته!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن