أجيروني من الكره!
حسن م. يوسف :
«الكرْهُ، أوْجعَ روحي وآلمها… وأنا اليوم دخيلَتُكُمْ منه فأجيروني».
انفلتت هذه العبارة كفأر مشتعل في حقول روحي اليابسة، منذ أن قرأتها ظهيرة يوم الخميس الماضي ضمن لسان حال على الفيس بوك وجهته الصديقة المهندسة وداد العلي لستة أشخاص علموها شيئاً، وقد شرفتني بأن أدرجت اسمي بين هؤلاء.
«أجيروني!»
الغريب هو أن هذه الصرخة الموجعة جعلتني أبتسم لأنها تنطوي على مفارقة طريفة! فمن يطلب منك أن تجيره، يؤكد لك بشكل غير مباشر، أنك تستطيع حمايته من خطرٍ يحدق به. وأنا والحق يقال غير قادر على توفير الحماية لأحد، بما في ذلك نفسي!
في رسالتي الجوابية اعترفت للصديقة وداد «أنني، منذ عقود، في مواجهة مفتوحة مع موضوع الكراهية… ففي كتاب «عبثاً تؤجل قلبك» الذي صدر عن وزارة الثقافة السورية عام 2000 أقول: «الناس معادن حقاً، والحقد للنفس، كالصدأ للحديد».
صحيح أن عبارتي السابقة توحي بأنه لدي استنتاج نهائي حول الكراهية، لكن الأمر ليس كذلك، فما من كراهية تشبه الأخرى، لأن كل الكراهيات فريدة كما كل البشر.
أحياناً يبدو لي أن الكراهية هي نوع من السرطان الروحي، والسرطان هو كيان مضاد للكيان الذي يستضيفه!
أعلم أن الكراهية قديمة قدم قابيل! وأنا لا أشك في وجودها ولا أقلل من أثرها، لكنني أفضل ألا أقاوم الكراهية بمثلها، وغالباً ما يسعدني أن أقاومها بضدها».
كان من المفروض أن ينتهي الموضوع عند هذا الحد، لكنني أكتشف الآن أن حديث الكراهية ألعن من حديث الأفاعي فهو يجر بعضه بعضاً، وبما أنه بات يشغلني حتى أثناء نومي حيث أجد نفسي غير قادر على الكتابة عن موضوع آخر سواه، سأكمل مقالي بخلاصة ما قرأته وما فكرت به خلال الأيام الماضية.
لعل أبلغ ما قرأته حول قوة الكراهية هو قول العالم الكرواتي –الأميركي نيكولا تسلا (1856-1943) الذي وضعت اختراعاته وأعماله النظرية الأسس لتوليد الطاقة الكهربائية في أواخر القرن التاسع عشر وكان له فضل اختراع المحرك الذي يعمل بالتيار المتناوب. يقول تسلا: «لو كان بالإمكان أن تتحول الكراهية إلى كهرباء، لكانت كافية لإضاءة العالم برمته».
أما عن آلية نشوء الكراهية فقد استوقفني تشخيص الفيلسوف والطبيب والكاتب العربي مصطفى محمود (1921 -2009) الذي يرى أن كراهية الآخرين تولد: «… حينما تولد الكراهية للنفس. فخصومتنا لأنفسنا هي القنبلة التي تنفجر حولنا في كل مكان. منذ اللحظة التي نختصم فيها مع نفوسنا لا نعود نرى حولنا إلا القبح». أما انعكاس كراهيتنا للآخر على أنفسنا، فأبلغ من عبر عنه الكاتب الفرنسي دي لا روشفوكو (1613 –1680) الذي اشتهر بمذكراته وحِكَمِه: «عندما يكون بغضنا شديدا جداً فإنه يجعلنا أدنى من أولئك الذين نبغضهم».
أما السبيل الأنجع لإطفاء نار الكراهية فقد عبر عنه الزعيم الإفريقي-الأميركي مارتن لوثر كينغ بقوله: (1929 -1968): «لا يمكن طرد الظلام بالظلام، الضوء وحده يمكنه القيام بذلك. لا يمكن للكراهية أن تطرد الكراهية، الحب فقط يمكنه أن يفعل ذلك!»
أما أفضل اختراع لاقتلاع الكراهية من جذورها فقد وضعه بين أيدينا زعيم إفريقية الكبير نيلسون مانديلا (1918 -2013)، إذ قال في مذكراته: «رحلتي الطويلة من أجل الحرية»:
«لا يوجد إنسان ولد وهو يكره إنسانا آخر بسبب لون بشرته، أو أصله، أو دينه، الناس يتعلمون الكراهية وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية، فبإمكاننا إذا تعليمهم الحب، وخاصة أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية».
وهذا يعيدنا إلى المربع الأول فقد بح صوتي وأنا أصرخ:
التربية أولاً، وثانياً، وثالثاً، وسابعاً… وأخيراً.