ثقافة وفن

لا توجد أي خشبة مسرح في العالم تغنينا عن خشبة بلدنا … سمر بلبل لـ«الوطن»: بعد الحرب اتجهت للأغاني السورية ومهما غنينا لأم كلثوم أنا وغيري فإن صوتها هو الأصل … عصام شريفي: لم يكن السفر هاجساً لنا ومنعنا من مصر بكل المقاييس

| سارة سلامة

في كل عام يأتيان إلى بلدهما سورية بفرحة كبيرة للوقوف على هذا المسرح الذي يشكل لهما حالة من التفرد والعشق الصوفي فلا سلطنة أو طرب أو نشوة إلا من خلال هذه الخشبة، فهما عبارة عن رسولين يقطنان خارجاً يحملان بلدهما في كل مكان ليظهرا للعالم ما هو الفن السوري الراقي.
وفي مكان إقامتهما التقينا الموسيقي الدكتور عصام شريفي وزوجته الفنانة سمر بلبل على فنجان من القهوة وتبادلنا أطراف الحديث وللمصادفة كان يمثل هذا اليوم خصوصية كبيرة لديهما فهو عيد زواجهما العشرون مجددين في هذا اليوم مسيرة الحب والعشق الأبدي الذي لا ينتهي، فكان للحديث طعم آخر، وتحدثا عن قصة الهجرة خارجاً مرغمين، وعن مشوارهما الفني الحافل وحفلاتهما الفنية ومعاناتهما وطموحهما في هذا الحوار:
كيف كان اللقاء مع الجمهور في دمشق؟
كان الحفل من الأمسيات المميزة على الرغم من أن الجمهور لم يملأ المكان بالكامل، وهذا له من دون شك تأثير سلبي على مقدمي الحفل، ولكن هذه الحالة لم تدم طويلاً وشعرنا عند تصفيق الناس وهتافهم بعد انتهاء أول أغنية كانت بعنوان «يا وطني يا غالي»، أننا أمام جمهور ضخم ويعرف تماماً إلى أين أتى ونخبوية ذوقه وإذنه الموسيقية، وحدثنا أحد الأصدقاء بعيد انتهاء الحفل أنه أغمض عينيه لثوان وتخيلنا في اللونين الأبيض والأسود أي استطعنا أن نعيد ونحيي ذاكرة الزمن الجميل، وهذا بالطبع يعطينا دفعاً معنوياً ويشعرنا أن ما نطمح إليه في العودة إلى قيم تلك الأيام وصل إلى الناس.

ما سرّ دموعك في بداية الحفل؟
لأننا نأتي إلى بلدنا محملين بشغف كبير حيث حرمنا أكثر من عام وطء أرض سورية بسبب الحرب والدمار، وكنت أحزن جداً على بلدي وأقول هل من الممكن أن أعود وأغني مجدداً على خشبة مسرح فيه، لأنه لا توجد أي حفلة أو خشبة في العالم تغنيني عن خشبة بلدي.

ما دوركم في إعادة الفن الأصيل وانتشاره في الجيل الجديد؟
نحن نساهم في جزء من ذلك والموضوع كبير ويحتاج إلى أدوات في الوقت الذي تسيطر فيه التكنولوجيا على الإعلام الرسمي وغير الرسمي ووسائل التواصل الاجتماعي التي شاركت في هدم بلدان على الأقل من الناحية الثقافية، ودورنا يكون في تقديم المادة الحقيقية.
حيث استخدمت المؤسسات الرأسمالية والاقتصادية في ثلاثة عقود فائتة أدواتها في تكريس الفن الهابط عبر برامج تمييع الشعوب وتسطيحها من دون رقيب، وهذا يتطلب منا وعياً حقيقياً بخطورة ذلك من الناحية الاجتماعية والقيام بخطة مضادة خاصة في بلدنا الذي عانى حرباً كونية.

هل ظلمتما نفسيكما في الإقامة خارجاً، وخسرتما الانتشار في بلديكما ولم تحققا تفاعلاً غربياً من خلال هذا النوع من الطرب؟
في كل مرة كنا نأتي إلى سورية نكتشف أننا معروفان ولكن عند طبقة معينة قد تكون المثقفة أو نستطيع أن نطلق عليها اسم النخبة، ولكن ذلك لا يعني أننا مجهولان ولكن بالنسبة لعامة الشعب فأعتقد أننا لم نصل إلى جميع الشرائح باستثناء مدينتنا حمص التي كبرتنا.
ونحن إذ أتينا إلى بلدنا وقدمنا نشاطاً رغم مخاوف الحرب ألا نستحق تقديم الوسائل التي هي من حق كل فنان أن يروج له على الأقل حتى يقدم حفلة مكتملة العناصر. وللأسف الحالة الإعلامية كانت شبه غائبة عن حفلنا وقمنا نحن بشكل شخصي بإعلام أصدقائنا الصحفيين، ومشكورة جهود التلفزيون السوري الذي استقبلنا في حوار خاص ولكن لم يأت ذلك بنتيجة لأن الحفلة تحتاج إلى شريط إعلاني، ونتمنى أن يعود الإعلان عن النشاط الشهري لدار الأوبرا كما كان سابقاً على التلفزيون.

كيف كان التفاعل في أوروبا مع هذا النوع من الطرب الشرقي؟
طريقة السماع عند الجمهور الأوروبي مختلفة تماماً عن طريقة السماع لدينا لأنهم شعب بارد، على حين في حفل دمشق شعرت أنني أغني في أذن كل شخص بالصالة، وكانوا يقولون لنا دائماً إن الجمهور الأوروبي لا يصفق بين الفقرات ولكن لا توجد مرة أنهينا فيها الأغنية إلا وانتزعنا صفقة من الجمهور أي استطعنا كسر عاداتهم بعقر دارهم.

هل تقومان بمزج الموسيقا الغربية مع الشرقية في أوروبا؟
لدينا الكثير من التجارب والخلط وكل شيء نفعله يكون له هدف من ورائه ولا توجد حفلة نتفق عليها أو عقد نبرمه إلا ويكون من تنفيذه هذا جديد، لنبين من نحن وإلى أي بلد ننتمي، واكتشفنا أن ما يمثل الموسيقا الشرقية عند الفرنسيين هو الشاب مامي أو فضيل اللذان صورا الموسيقا الشرقية بأدنى درجاتها وأساؤوا لموسيقا تونس والمغرب، هذا المزج الذي يحمل وراءه الكسب المادي لذلك نحن تمسكنا بتقديم الموسيقا الشرقية من دون أي مزج.

الشراكة في الحب والعمل كم أضافت لتجربتكما؟
ربما لهذا بقيت تجربة خاصة وإذا كانت محدودة فهي لأسباب دفعتنا من قسوتها إلى ترك البلد والهجرة، حيث شعرنا أننا دُمّرنا في بداية انطلاقتنا من أيد لم تتمن رؤية إنجازنا في أيام مهرجان الأغنية السورية الذي كان يشكل أملاً مهماً لنا، وللأسف المهرجان لم يقدم شيئاً لأنه أخذ اتجاهات خاطئة والأغنية السورية إلى الآن لم تستطع الوقوف على قدميها وفي الخليج توجد الأغنية الخليجية ولكن لا توجد إلى اليوم الأغنية السورية، من المسؤول عن ذلك! حيث أبعدونا عن الساحة ولا شك أن هناك ناساً آخرين أبعدوا أيضاً أو بقوا في منازلهم.
ما الأسباب المباشرة التي دفعتكما إذاً للهجرة؟
ما جرى أنه شاركنا في مهرجان الأغنية السورية الأول وكان الفائز يحصل على جائزة 500 ألف ليرة سورية وهذا الكلام في التسعينيات والأهم من ذلك يشارك الفائز بتمثيل سورية في مهرجان الأغنية العربية، وعلى ذلك قدمنا نحن وحصلنا على الجائزة الأولى وأعلنت أسماؤنا على التلفزيون ولكننا لم نحصل على أي من الجائزتين! ومن سافر مكاننا إحدى الفنانات التي كانت صاعدة ولم نحصل على أي شيء من الجائزة المادية.
وفي مهرجان الأغنية السورية الآخر طلب منا 3 مشاركات بثلاثة ألحان وبعد أسبوع تقلصت إلى واحدة مختصرة، والشيء نفسه حدث في المهرجان الثالث والرابع وتعاملوا معنا بشكل سهل، ولم يأت أحد وعمل معنا للنهوض بالأغنية السورية والكثير من الفنانين ذهبوا لأنهم لم يستطيعوا التماشي مع ذهنية بعض الأشخاص الذين يمثلون مؤسسات وحرمنا من المشاركة في أحد مهرجانات الأغنية بمصر بسبب شخص، والحقيقة السفر لم يكن يوماً هاجساً لنا وكنا نشعر بأن مستقبلنا في الوطن العربي ومصر ولكننا منعنا من مصر بكل المقاييس.

على ماذا تندمان؟
نندم لأننا تركنا بلدنا على الرغم مما حدث وخاصة عندما اندلعت الحرب لأننا نعيش في فرنسا التي تعتبر رأس حربة ضد سورية.

هل اتحادكما كثنائي أثر فيكما سلبياً؟
بالطبع لأن هناك من يريد سمر أن تمشي في تيار معين والوضع الآن لم يتغير ففي بلدنا هناك أسماء مهمة مثل ليندا بيطار وغيرها، لأنهن فتيات من الصعب أن يأخذن حقوقهن ويبقين في نطاق محصور لا يخرجن عنه ولكن للأسف عندما يأتي أي شخص من خارج سورية نفرش له السجاد الأحمر.

تعشقين أم كلثوم وتتأثرين بمدرستها ماذا تعني لك؟
لا أدري ما السرّ الغريب الذي يجعلني قريبة جداً من أم كلثوم وربما عندما كنت في بطن أمي كنت أسمع أغاني لأم كلثوم، فأمي كانت تطبخ وهي تغني لأم كلثوم، وبكل الأوقات لذلك كانت أم كلثوم جزءاً من حياتنا اليومية، وسارع والدي عندما اكتشف صوتي إلى العمل معي على أغاني أم كلثوم وكان له الفضل الكبير وهو أستاذي الأول في الموسيقا وبالطبع على قدر معرفته كمستمع، وعندما كنت في عمر 9 سنوات حاولت غناء «مصر تتحدث عن نفسها»، وهي من أهم وأكبر أغاني أم كلثوم الوطنية، ولكن الآن بدأت اكتشف نفسي أكثر في الأغاني الخاصة بي لأنهم هنالك لا يعرفون أم كلثوم، وبعد الحرب اتجهت للأغاني السورية وغنيت أغاني سريانية، لأنني أعتبر أننا مهما غنينا لأم كلثوم أنا وغيري عندما نعود ونسمع فسنستمع إلى صوت أم كلثوم.

وغيرها بمن تتأثرين؟
رياض السنباطي يشكل حالة عشق مشترك لنا ولم أكن أعرف في صغري أنني أحب أغاني معينة لأم كلثوم لأنها من تلحينه، وتأثرت به كمؤد وملحن وموسيقي.

هل هناك من أصوات مبشرة ترينها اليوم؟
بالتأكيد هناك الكثير من المواهب الشابة أمثال ليندا بيطار وأنا معجبة جداً بخطها الغنائي والفني والإنساني وميس حرب وسناء بركات وشاب اسمه ريان جريرة، وأشعر عندما أراهم أن الدنيا بخير، ولا يزال هناك شباب ينهلون من شيء حقيقي ولا يرتكزون على شيء سطحي، وسمعت كذلك عن شهد برمدا ولكن لم أسمع لها حتى الآن وهذا تقصير مني.

عصام ماذا أضاف لك؟
عصام لم يضف فهو كليّ وهو من كبرني، ولا توجد كلمات أستطيع استخدامها والموضوع ليس عاطفياً، لأنني مدينة له بأشياء كثيرة وهو فتح عينيّ موسيقياً وإلى الآن قادر أن يضيف لي معلومات من خلال نقاشنا اليومي والزوجي، يعطيني من معلوماته ويساعدني بمعرفته الموسيقية لأن معرفته عميقة وتحليلية للموسيقا.
وأذكر بعد الحفل قال لنا المايسترو حسام الدين بريمو إن (أجمل ما في الحفل أن عصام لم يخف من النجمة التي أمامه أن تكبر)، وساعدني بدراستي وكل ما حصلته من تعليم في الأوبرا بفرنسا كان له فيه الفضل وبالدرجة الأولى مادياً، وساعدني في تربية ابنتنا جود حتى استطعت إكمال دراستي وكان بحق زوجاً وأباً، ومنذ أن تعرفت عليه وهو يسندني، ودائماً أقول له سأبقى أحبك وحتى كلمة أحبك أصبحت أشعر أنها سخيفة وأحتاج إلى كلمة أكبر منها.

أيهما أقرب إليك عصام الطبيب أم عصام الموسيقي، وهل الطب أثر في حياتك الفنية؟
أنا موسيقي قبل أن أكون طبيباً والطب تحصيل دراسي وأتصور أنني عالجت الموضوعين بالطريقة نفسها ولو لم أكن جراحاً فسأكون طبيباً فاشلاً ولكنني جراح شاطر وهناك الكثير من النقاط المشتركة بين الطب والموسيقا وكل منهما يرمزان إلى عملية تقنية وإشارات بين الدماغ والأصابع.

هل هناك حصانة معينة تجعلكما لا تأخذان ألحاناً من أحد ولا تعطيان ألحاناً؟
هناك الكثير ممن صنفنا كثنائي وأبعدنا عن الناس وعمل على قوقعتنا وقال إن سمر لا تأخذ ألحاناً إلا من عصام وأصر على ذلك، إلا أننا في الحقيقة منفتحان على أي شيء.

ما رسالتكما؟
الآن هناك جيل يعتبر قنابل موقوتة للمستقبل إذا لم نوجهه بشكل صحيح ويجب الانتباه إلى مصطلح «الحرب الثقافية» التي كانت جزءاً من حربنا وكان السيد الرئيس قد نبه وذكر مراراً هذه المسألة الخطيرة ولكن للأسف فإن المؤسسات التي وجهت لها الكلمة لم تستوعبها.

هل أخذتما حقكما اليوم؟
لم نأخذ حقنا إلا من خلال الجمهور الرائع الذي كان موجوداً في الحفل والذي أثبت لنا أن سورية هي بلد الثقافة والفن.

ما طموحكما؟
طموحنا في تقديم عدد كبير من الحفلات سنوياً في بلدنا، ونطمح أن يسمحوا لنا تمثيل هذا البلد وأن يحسب حسابنا في الساحة العربية، لأن الحالات التي تشبهنا أصبحت نادرة حتى في الوطن العربي، وبالطبع نحن نعي تماماً أن من بقي في البلد له الأولوية ونعترف أن له وضعاً خاصاً ولكن يجب أن نعطى نحن ولو طاقة صغيرة.

هل ستدخل ابنتكما جود في النطاق الموسيقي وما الأفق تجاهها؟
جود هي أصعب ناقد لنا تراقب بطريقة ذكية جداً، وهي عازفة كمان ممتازة وتدرس في المعهد العالي للموسيقا في مدينة ستراسبورغ بفرنسا، وكانت مع الأوركسترا التي عزفت في أجمل أوبرا بالعالم في مدينة بايرويت الألمانية هذه المدينة الصغيرة المشهورة بدار الأوبرا عالمياً، ونحن نسعى إلى تطويرها بالموسيقا الغربية إضافة إلى أذنها الشرقية الحاضرة معنا في المنزل.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن