سورية

سائقو الحافلات ينقلون الزوار بسعادة.. والمواطنون أولويتهم الترفيه.. ولهاث خلف الإعمار … زوار «معرض دمشق الدولي» يدينون للجيش بعودة الأمان.. وينتظرون الحسم في إدلب

| سامر ضاحي

يصعد قرابة 60 راكباً تقريباً في حافلة عند جسر الرئيس وسط العاصمة دمشق للتوجه إلى معرض دمشق الدولي، بعدما دفعوا ثمن بطاقة الـ100 ليرة سورية التي تخولهم زيارة المعرض، وتعرضوا لإجراءات تفتيشية من قبل الجيش العربي السوري وقوى الأمن الداخلي حرصاً على سلامتهم.
ويذكّر لون الحافلة الأخضر الزوار بالحرب التي ارتاحوا منها مؤخراً، ذلك أن حافلات خضراء نقلت المسلحين والإرهابيين الرافضين للمصالحة من العديد من المناطق إلى إدلب.
منذ الدورة الماضية للمعرض في العام الماضي، تسارعت وتيرة المصالحات التي أدت لإنهاء الوجود المسلح في غوطة دمشق الشرقية بالكامل، ومنطقة جنوب العاصمة، إضافة إلى ريف حمص الشمالي، ودرعا والقنيطرة، إما بتسوية أوضاع المسلحين أو بنقل رافضي التسوية إلى إدلب عبر حافلات كان لون أغلبها أخضر.
رغم أن الحافلة تفتقد لأدنى مقومات الرفاهية، إلا أن الزوار المتجهين إلى المعرض لم يعيروا ذلك اهتماماً فالجهات المعنية توفر لهم الذهاب مجاناً على شكل مجموعات، علماً أن تكلفة الراكب من دمشق باتجاه المعرض لا تقل عن 500 ليرة سورية.
وسط الرفاهية التي يقنع الركاب أنفسهم بها، يطلقون ضحكات وأهازيج تختلف اليوم عن الدورة السابقة للمعرض في العام الماضي عندما كان الطريق إلى المعرض يمكن أن تطوله قذائف الإرهاب.
«أم محمود» ووسط الزحام في الحافلة، تجلس مع أطفالها الثلاثة في مقعد واحد في نهايتها مطمئنة وهي غير آبهة للطريق بخلاف ما كان عليه شعور الزوار في العام الماضي، وهمها الوحيد البحث عن مقعد إضافي لإجلاس أطفالها، وتقول لـ«الوطن»: سمعنا أنه كان ثمة تفجير (سقوط قذيفة هاون) العام الماضي، لكن الناس لم يكترثوا وذهبوا بالآلاف وشاهدناهم على التلفاز، أما أنا فخشيت على أطفالي ولم أذهب».
بدوره أحد الشبان الذي اتخذ من إحدى درجات الصعود إلى الحافلة مقعداً، أوضح لـ«الوطن» أنه جندي في صفوف الجيش ويؤدي خدمته الاحتياطيه في محافظة درعا.
بعد حديث مقتضب ذكر خلاله أنه يمضي السنة الخامسة في خدمة الاحتياط يقول: اليوم لم يعد ثمة خطر في درعا فالمواطنون آمنون وننتظر فرجاً ونصراً في إدلب يكمل أفراح النصر ولعلها تحمل معها فرحة العودة إلى الحياة المدنية، فأنتم تذهبون أينما تريدون، أما نحن فمحكومون بتوقيت الإجازات، وقد أخذت إجازة ليوم واحد واتفقت مع بعض الأصدقاء ممن يخدمون في صفوف الجيش بريف دمشق، وجئنا معاً لزيارة المعرض.
ما إن سمع ابن «أم محمود» كلام الشاب حتى همس في إذن أمه، لتطلق الأخيرة ضحكة كبيرة، وقالت: يريد أن يصبح ضابطاً في المستقبل.
في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يعاني منه المواطنون، يؤكد العديد من الزوار أن الترفيه هو الهدف الأساسي من زيارتهم وأن الشراء هو آخر أهدافهم، على حين تعرب «أم محمود» عن تمنياتها في أن يحالفها الحظ و«تحصل على هدية أو بعرض يشجعني على شراء بعض الحاجيات لأطفالي في بداية العام الدراسي، فقد وفرت بعض المال خلال الصيف لكنني جئت بصراحة للترفيه عن النفس وعن الأطفال».
مع اقتراب الحافلة من منطقة الأرض السعيدة على طريق المطار علت أصوات الأطفال برؤية الأضواء التي تعانق السماء بتراقصها والتي أدركوا من خلالها أنهم باتوا على أعتاب المعرض، لكن المشهد يختلف مع الاقتراب من البوابات الأربع الضيقة المخصصة للدخول والتي تشهد ازدحاماً كبيراً، على حين أن عشرات البوابات لمدينة المعارض تم تخصيصها للخروج فقط، حيث تبدأ الأمهات ومنهم «أم محمود» بالتمسك بأطفالهم والصراخ عليهم كي لا يضيعوا وسط الازدحام.
في داخل المعرض لا تبدو القدرة الشرائية للمواطنين كافية لاقتناء ما يرغبون من معروضات، إذ تلفت الانتباه صالات عرض السيارات والأدوات الكهربائية، المتعددة ويتسابق الزائرون لالتقاط «السيلفي» مع هذه السيارات، وتقول الشابه هناء لـ«الوطن» وهي تشاهد صورتها مع آخرين: وضعت الصورة على «فيسبوك» وكتبت تعليقاً: «سيارة المستقبل لكنني لا أظن أني قادرة على شرائها في العشر سنوات المقبلة».
يوحي حجم الأجنحة الخاصة بالشركات السورية الخاصة أو الوكالات الأجنبية التي لديها فروع في سورية بالقدرة على إعادة الإعمار وإصرار الشركات الأجنبية على العودة إلى السوق السورية، لكن ذلك يتطلب رفع العقوبات عن سورية، وفق أحد المسؤولين عن شركة متخصصة بالإعمار، يؤكد أن ثمة لهاثاً كبيراً على إعمار سورية، ولعل هذا يحقق أهم أهداف الحكومة من المعرض منذ العام الماضي مع عودة الأمن والأمان إلى معظم الأراضي السورية.
وسبق إطلاق المعرض بحوالي شهر إحداث رئاسة الوزراء «هيئة تنسيق لعودة المهجرين من الخارج» والتي أثمرت عن التعجيل بعودة آلاف السوريين جلهم من لبنان.
يتطرق الشاب روبير أحد العاملين في إحدى الشركات المملوكة لمغتربين سوريين في فنزويلا إلى هذا الأمر ويقول لـ«الوطن»: نرجو من الحكومة استقطاب رؤوس الأموال السورية من الخارج وتقديم التسهيلات الاستثمارية لهم كي يساهموا بإعمار بلدهم وخلق فرض عمل أكثر، ما يشجع حتى المهجرين الذين يعملون في الشركات الغربية على العودة إلى البلاد.
أما مسرح المعرض في يومه الخامس فخصص للمغني الذي سطع نجمه خلال الحرب بهاء اليوسف الذي بات المطرب الشعبي الأول في سورية وسخّر حفلاته للإشادة بالجيش والدولة وشتم الأعداء، حيث احتشد الآلاف في ساحة المسرح بانتظاره وما إن خرج على المسرح الذي امتلأ بالضباب الصناعي حتى حياه الجمهور وطلب منه تصفيقاً حاراً للجيش، مع ترديد الأغلبية من الحاضرين هتافات وشعارات بأن الجيش ضمانة استمرار المعرض وأنه سيحرر إدلب قريباً.
مع تراجع المظاهر العسكرية لهذا العام عما كانت عليه في العام الماضي في عموم المعرض لوحظ تقدم دور وحدات قوى الأمن الداخلي والفرق التطوعية، فشباب «الأمانة السورية للتنمية» وفريقا «ساعد» و«عمّرها» وغيرها من الفرق التطوعية يشاركون جنباً إلى جنب مع الشرطة في التنظيم بدءاً من توزيع البطاقات وتفتيش الداخلين ومهمة الحفاظ على نظافة المساحات الخضراء.
ويقول مسؤول فريق عمرها لـ«الوطن»: نعاني من الازدحام وعدم التعاون من قبل بعض الزوار الذين لا يحترمون المساحات الخضراء وبعضهم يترك بعض النفايات لنقوم نحن بإزالتها بالتعاون مع عمال النظافة.
تقول الإحصائيات اليومية الصادرة عن إدارة المعرض إن عدد الزوار اليومي يصل إلى أكثر من 100 ألف زائر يومياً، وفي يومه الخامس زاد عن 270 ألف زائر.
ونظراً لتوسيع مساحة المعرض من 74 ألف متر مربع إلى 80 ألف متر مربع هذا العام لا يمكن لأي زائر التجول في كافة الأجنحة في اليوم الواحد.
في رحلة العودة، يعود دور البطولة لسائقي الحافلات من جديد، ويزيد حجم التدافع للصعود، فتنقل كل حافلة ما لا يقل عن 70 فرداً إلى عدة نقاط خصصت في العاصمة لهذا الأمر.
وفي إحدى الحافلات المخصصة لعودة المتطوعين يصعد عازفا غيتار، وسط ضجيج يسببه الركاب على حين لا يبدي السائق «أبو سعيد» أي امتعاض ويقول: «في النهاية يتفقون وينقلب الضجيج إلى موسيقا تسر الجميع».
بالفعل يبدأ الشباب بترديد أغانٍ تراثية جلها لفيروز والرحابنة وصباح فخري وغيرهم من الفنانين الذين أطلقوا كثيراً من تلك الأغاني على خشبة مسرح المعرض في سنوات ماضية قبل أن ينتقل مقره إلى مدينة المعرض الجديدة.
لا تبدي حواجز الجيش في طريق العودة عند دخول العاصمة دمشق أي امتعاض من الموسيقا، فرغم الإرهاق الناجم عن عمليات التفتيش يقف الجنود مبتسمين للشباب والشابات الذين يقطعون أهازيجهم لينشدوا الشعار الذي بات معروفاً ومتعارفاً عليه «الله محيي الجيش».
ويقول «أبو سعيد» قبيل التوجه إلى منزله وقد بلغت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل : «لولا تضحيات هؤلاء الجنود ما كنا لننعم بالأمان»، ويضيف: نأمل أن تنتهي معركة إدلب بسرعة فاليوم لا مهمات لنا بنقل المسلحين إلى مكان آخر فإدلب هي نهايتهم أو يعودوا إلى رشدهم. ثم يلقي التحية ويقفل الحافلة فثمة عائلة بانتظاره في البيت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن