الإعلام بالصدمة
| زياد حيدر
من البدهي إن أرادت شركة نقل أن تشغل خط سير جديداً بين نقطة وأخرى، أن تقوم بالإعلان عن الشروع ببدء تسيير الخط قبل تاريخ ذلك بأسابيع عدة، وبذلك تحقق غايتها التسويقية، وتنبه الزبائن القائمين والمحتملين لخط السير الجديد، وتضع نفسها في إطار دراسة حجم الإقبال الممكن على الخط، قبل العمل على تسييره بمدة، فتحقق ما تصبو إليه من ربح وإفادة من هذه الخطوة التي يفترض أنها من ضمن إستراتيجيتها السنوية.
لكن والعكس صحيح، إن عملت إدارة الشركة على عنصر المفاجأة، فقامت بشكل صادم بتسيير هذا الخط بدءاً من اليوم الساعة الخامسة صباحاً مثلاً، من دون تمهيد مسبق أو تجهيز آليات ووسائل حجز، ومن دون دراسة احتمالات وجدوى هذا الخط، والفائدة المرجوة منه، لحصدت نتائج عكسية، علماً أنه في الفوضى المنظمة القائمة لدينا، كل شيء ممكن، ولكن العلم يقول: إن الإعلان التمهيدي، وطرق أبواب وسائل الإعلام، هو من أسس نجاح المؤسسات في الحفاظ على زبائنها وتنمية أعدادهم.
من ناحيتنا، وعلى طريقة الثمانينيات، ما زلنا نفضل الطريقة الثانية في التسويق، والإعلام.
الحرص على الزبون، وهو هنا المواطن، يأتي في آخر القائمة، فالمواطن كما في الثمانينيات مساق، لا رأي له، وحين أصبح لهذا المواطن رأي يستطيع البوح في وسائل الإعلام منذ عشرين عاماً، جاء هذا التطور في سياق ترك المجتمع يتنفس، أكثر منه كإستراتيجية تتيح للمواطن التأثير في صنع القرار، وحتى لما طرحت الحكومات السابقة ابتكارات في مجال تعزيز مشاركة آراء المواطنين في مشاريع القرارات، لم تستمر طويلاً، علماً أن إلقاء اللوم على الحرب ليس في مكانه، لأننا هنا نتحدث عن منهج تفكير يفترض ألا يتأثر بالظروف الطارئة، لأنه بالأساس لا يضع المواطن بالحسبان، والنظرة للعلاقة بين المسؤول وبينه عبر الوسيط الإعلامي، هي علاقة باتجاه واحد، لم يكسرها سوى وسائل التواصل الاجتماعي التي تشكل حقيقة وزارة «أو وزارات إعلام الناس».
لماذا هذا الرأي؟ لأن جملة من قرارات الشهر الفائت تثبت أننا مكانك راوح في سياسة «الإعلام بالصدمة»، ذي الاتجاه الواحد من فوق لتحت، والعائد للقرن الفائت إن لم يكن قبل.
قرار إعادة المسافرين من الحدود والمعابر الدولية، للحصول على أذونات شعبة التجنيد، وفرض تعبئة الوقود بالبطاقة الذكية قبله، وفرض براءات الذمة عن تجديد التأمين الإلزامي للسيارات، وأجزم أن ثمة قرارات أخرى فاتتني هنا، جاءت في السياق ذاته، الممنهج بعقلية نفذ فوراً ثم اعترض.
ولتأكيد أن هذا المنهج مستمر، يخرج مسؤولون بتصريحات تبرر الازدحامات على المعابر والمباني الحكومية وآلات الصرف الإلكتروني بمسوغات مثل «أزمة مفتعلة» و«ازدحام غير مبرر» و«غياب ثقافة التعامل المالي الإلكتروني» وكلها تلقي اللوم على المواطن، الذي يعود من الحدود «راغباً» لا مجبراً ومهزوماً، ويقف في طوابير محطات الوقود لساعات «لتضييع وقت الفراغ أساساً» و«يلجأ لصرف راتبه الكامل من آلة الصرف، لأنه لا يمتلك ثقافة الدفع الإلكتروني ولاسيما في دكاكين الحميدية ومحال سوق الشعلان».
أما تحقيق الوفرة لخزينة الدولة، فهذا يتربع على قوائم التبريرات، علماً أن أكثر من وزارة ومؤسسة تقول حين تحاصر بمهرجان فني سخيف ترعاه رسمياً، أو سيارات مستوردة رغم المنع، بالجواب الشفاف «لا علم لنا بهذا».