ثقافة وفن

مرض شائع..

| د. اسكندر لوقــا

ظاهرة «المربية الأجنبية» غدت، منذ زمن طويل نسبياً، من الأمراض الشائعة في بلادنا العربية عموماً وهي كأي مرض اجتماعي قابل للانتقال بالعدوى من مكان إلى آخر ومن دون عائق يذكر.
هذا المرض، من حيث المبدأ في تقديري، لا يختلف، في كثير أو قليل، عن أي مرض مدمّر، سواء على مستوى الفرد أم على مستوى الأسرة. وفي سياق تقبّل الإصابة به طوعاً من البعض تتضاعف خطورته وتداعياته على مستوى المجتمع نوعا وحجما، وإن حاول البعض تبرير تقبله لاعتبارات غالباً ما تكون واهية، كالقول بالواجبات المترتبة على سيدة المنزل التي تحول دون عنايتها بأطفالها فضلاً عن ذريعة أخرى تتعلق بكثرة أفراد العائلة أو تعدد الغرف داخل الشقة التي تسكنها العائلة وما إلى ذلك من مبررات.
إن الإصابة بمرض المربيات الأجنبيات حصراً يقارب – في اعتقادي– فتح أبواب منازلنا لدخلاء على تقاليدنا وثقافتنا، مهما كان اعتقاد البعض أن المربية الأجنبية يمكن أن تكون أقدر من المربية الأم على صياغة غد أجيالنا طبقا لما ورثناه عن أجدادنا وآبائنا من تراث وقيم.
وفي هذا السياق، كثيراً ما قرأنا عن مربيات كن سبباً في كارثة أدت إلى حالات طلاق أو ارتكاب جريمة ذهب ضحيتها أحد أفراد الأسرة التي كانت المربية الأجنبية تعمل لديها، فضلاً عن حالات تتعلق بسرقة حاجات الأسرة، خلال فترة العمل وغالبا في زمن قرب عودة المربية الأجنبية إلى وطنها.
إن جملة من الهواجس تراود أحدنا وهو يتساءل بموضوعية عن نوع الثقافة التي يكتسبها الطفل من إنسان لم يعش ظروف بلده ولم يختبر خيرها من شرها، ومن ثم إلى أي مدى يمكن أن تؤثر ثقافته المكتسبة نتيجة رعاية طرف أجنبي له في خدمة وطنه الأم؟
إن السعي لإعانة الزوجة العاملة تحديدا، باللجوء إلى مربية أجنبية، مهما كان مستواها الثقافي والاجتماعي، لا يبرر تخليها عن مزيد مما يترتب عليها من واجبات داخل منزلها، وإن يكن ذلك سيرتب عليها تحمّل المزيد من الجهد لأن شيئاً لا يمكن أن يعوّض على طفلها خسارته إذا ما شب ووجد نفسه في المستقبل غريبا في وطنه لانقطاع صلته بثقافة وطنه الأصلي على يد غريبة عنه.
قد تبدو هذه الظاهرة في نظر البعض طبيعية، ولكنها ليست كذلك خصوصاً عندما تكون العلاقة بين الطفل ومربيته الأجنبية قد نشأت وهو في بداية وعيه للحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن