ثقافة وفن

فايز زهر الدين استطاع أن يزرع في الظل … فادي عطية لـ«الوطن»: غادرنا بصمت.. كما عمل ومنح.. ولم يحب يوماً الظهور

| سوسن صيداوي

نغمات عوده الرنّان سيبقى إيقاعها حاضرا مع أثر روحه الطيب، وسيبقى ذكره بين كل من عرفه من أصدقاء أو طلبة، بعد أن مكّنهم من تعلّم شدّ آلتهم العود واحتضانها بقوة إلى صدورهم، متابعين العزف بالريشة على الوتر نغما يطرب النفوس ويشجيها. إنه الموسيقي وعازف العود فايز زهر الدين، الذي غادر دنيانا هذه في الـ31 من آب الماضي. رحل بعد أن كان له الفضل الكبير في تأسيس صف العود في معهد صلحي الوادي للموسيقا، متلمذاً بعده شبّانا أصبحوا اليوم أساتذة أسماؤهم انتشرت في الأوساط المحلية والعربية إلى العالمية. ملّكهم سرّ الرسالة من بعده للمحافظة على الموسيقا العربية الشرقية الأصيلة. في حضرة الوداع، الكلمة تخرج مثقلة بالحزن ولكنها تعبّر عن الامتنان والمحبة بمناقب الراحل فايز زهر الدين.
«الـوطن» التقت مجموعة ممن عرفوا الموسيقي الراحل فقالوا كلمتهم في وداعه.

يزرع في الظل
في مبادرة من معهد صلحي الوادي قامت الإدارة بتعريف إحدى قاعات المعهد باسم الراحل الموسيقي فايز زهر الدين، من هذه القاعة مرّ العديد من الطلبة، الذين حفروا على جدرانها ذكريات كانت مفعمة بالكثير من الشجون والعواطف مع المواقف، لخصّها الطلبة العازفون من خلال تعرّفهم على آلة العود، وإبداعهم في العزف عليها مقتدين بمعلمهم، الذي طالما بادل هذه الآلة الخشبية بكل العطاء، وحول هذه النقطة مع الإضافة إلى المزيد يتابع فادي عطية مدير معهد صلحي الوادي «الراحل فايز زهر الدين» كان له الفضل الكبير في تأسيس صف العود في معهد صلحي الوادي للموسيقا، مع وضع اللبنة الأساسية بالتدريس الأكاديمي لآلة العود، من خلال تأليف منهج علمي غني بأساليب العزف المتنوعة، مقدما للطلاب تقنيات أفادتهم وساعدتهم بشكل كبير على فهم الموسيقا العربية الأصيلة». وحول شخص الأستاذ زهر الدين وأسلوبه في التعامل مع طلبته وكل من يعمل معه أو كل من يصادفه سواء أكان قريباً أم غريباً يضيف عطية «إنّ الراحل موسيقي كبير، ولقد استطاع أن يكوّن نفسه بنفسه، كما تمكّن من بناء قدرته الموسيقية العالية التي كان لها بالغ التأثير على العديد من عازفي العود وخاصة في سورية. فايز زهر الدين من عائلة بسيطة، قبله لم يكن فيها من موسيقيين. لقد قام الراحل بتأسيس صف العود في معهد صلحي الوادي، فهو حجر الزاوية في هذا الصف، ومنه انطلقت أسماء مهمة لمن أصبحوا من بعده أساتذة لأسمائهم الشأن الكبير ومنهم على سبيل الذكر: جوان قره جولي وهيثم أمين وعصام رافع والكثيرون. أما على الصعيد الشخصي فلقد كان الأستاذ زهر الدين دائماً في قمة الهدوء، ومعطاء من دون حدود أو حتى مقابل، ويمكنني أن أصفه بأنه الرجل الذي استطاع أن يزرع في الظل، لأنه يعمل بصمت، ويمنح بصمت كبير، كما أنه لا يحب الظهور. هذا إضافة إلى كونه يتمتع بشخصية ذات شعبية كبيرة ومقربة من الجميع، فهو شخصية موسيقية لها أثرها البالغ في كل من يلتقيها. وفي النهاية أحب أن أضيف إنه برحيل الموسيقي فايز زهر الدين، خسرت الحركة الموسيقية السورية على العموم، ومعهد صلحي الوادي على الخصوص إنساناً موسيقياً مرهفاً، بكل ما تعنيه الإنسانية من مبادئ وخلق».

كلمة الوتر
باعتبارها تعزف على آلة القانون وهي آلة وترية كالعود وهي اليوم رئيسة قسم الآلات الشرقية في معهد صلحي الوادي، عازفة القانون ديمة موازيني ذكرت من مناقب الراحل زهر الدين التالي «الأستاذ فايز زهر الدين، كان الداعم الأساسي في بناء صف العود في معهد صلحي الوادي، وبتخريج أهم العازفين السوريين على الآلة. إنه مدرس قدير لقد أنشأ جيلاً كبيراً من المشهورين في العزف على العود، كما كُرّم أثناء حياته في المعهد بتخصيص قاعة دراسية حملت اسمه، وأيضاً تجدر الإشارة إلى أنه كان رئيس قسم الآلات الشرقية سابقاً، ومثالاً للموسيقي المحترف. أما على الصعيد الشخصي فلقد كان صاحب القلب الطيب، والمتميز بتعامله مع الأطفال، فمن حيث التدريس شخصيته المحببة كان يغلب عليها الحنان عن قسوة التدريب».
كلمة طالب

من جانبه عبّر الموسيقي وعازف العود هيثم أمين عن حزنه الكبير لرحيل أستاذه فايز زهر الدين الذي تتلمذ على يديه مدة عام معتبرا إياه رجلاً نادر التكرار، قائلاً: «كان للأستاذ فايز زهر الدين التأثير البالغ عليّ في تمكّني من آلة العود خلال تعليمي لمدة عام كامل. في الحقيقة هو من أنبل الأشخاص الذين التقيتهم في حياتي، لأنه كان شخصاً يتمتع بالهدوء الكبير، وشخصيته جدّ متزنة وبعيدة عن كل المشاكل، فأمر نادر أن يكون بينه وبين أي شخص صدام أو نزاع، بل على العكس هو رجل متمسك بأجمل الأفكار والأساليب التي يستطيع من خلالها أن يعلّم الطلاب العزف. إذاً فايز زهر الدين كان موسيقيا متميزا في عمله، ومدربا مثاليا».

كلمة الصديق الصدوق
ربما الأصعب على الصديق أن يذكر مناقب صديقه بعد أن غيبه الموت، فيصل الجمّال من أصدقاء الراحل المقربين، كشف لنا بكلمات معبرة عن عمق حزنه البالغ لغياب راحلنا حين قال «فايز زهر الدين صديق الشباب والطفولة والكهولة، رحمة اللـه لك، لقد كنت مثالا للعطاء ومن دون أي مقابل, فناناً مملوءاً بالمشاعر والأحاسيس، كنت مثالا أعلى لطلابك الذين درستهم الموسيقا. تخرج على يدك كبار الموسيقيين السوريين ومنهم اليوم جوان قره جولي، وعدنان فتح الله. كلهم أصبحوا مشاهير، على حين أنت بقيت في الظل لأنك رجل لا يحب الظهور. المهارات التي كنت تمتلكها جعلت من اسمك مخلدا على إحدى قاعات المعهد.. أنت مستحق أن تكرّم بعد وفاتك، وإنني أرجو من الجهات المعنية عموماً ومعهد صلحي الوادي خصوصاً أن يكرّم فايز زهر الدين في محافظته السويداء، حيث شجع فيها وساهم في افتتاح معهد فريد الأطرش».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن