قضايا وآراء

الخطاب السعودي بين التزييف والواقع

| مصطفى محمود النعسان

من يسمع التصريحات الرسمية السعودية يظن أنها الراعي للمصالح الفلسطينية والحامي لها والعامل على استعادتها وإرجاعها إلى أصحابها الشرعيين، فهذا وزير الخارجية عادل الجبير يظهر بين الحين والآخر بتصريحات مفادها أن السعودية هي حامية الحمى الفلسطيني والمدافع الأول عن القضية، فقد أكد مؤخراً أن بلاده ترفض أي إجراء من شأنه المساس بوضع القدس، وأكد أيضاً أن السعودية تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى والأساسية.
والحق أن هناك انفصام واضح وصريح بين التصريحات الرسمية السعودية وما يدور في الخفاء وأحياناً في العلن مما تجسده المملكة من سياسات تؤذي القضية الفلسطينية وتلحق بها أكبر الأضرار، ودليلنا على ذلك ما كشفته مصادر صحفية غربية من أن النظام السعودي يدرس شراء أسلحة وعتاد من الكيان الإسرائيلي في إطار خطوات متوالية بين الجانبين والتي أخذت أشكالاً عسكرية واقتصادية خلال السنوات الماضية.
في هذا الصدد نقل موقع القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي عن صحيفة «باسلر تسايتونغ» السويسرية قولها: إن السعودية تدرس شراء أسلحة وعتاد من إسرائيل وفي مقدمتها منظومة القبة الحديدية في إطار التحالف السري بينهما»، كما لا يخفى ما كشفته مصادر إسرائيلية عن لقاءات رسمية وغير رسمية تتم بين مسؤولين من النظام السعودي والكيان الإسرائيلي وأن العلاقات بين الطرفين تطورت جداً في عام 2015 ووصلت إلى مراحل متقدمة بعد الاجتماع الذي عقد بين رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي زار كيان الاحتلال على رأس وفد سعودي سراً في أيلول من العام الماضي، وكان ابن سلمان تحدث في نيسان الماضي في لقاء مع مجلة «ذي أتلانتيك» الأميركية عن وجود مصالح مشتركة بين نظامه والكيان الإسرائيلي.
ما تقدم يؤكد أن التصريحات التي تحملها أقوال الجبير بشأن القدس والقضية الفلسطينية ليست سوى للاستهلاك الداخلي والعربي والمتاجرة بالقضية ليس إلا، وإلا ما معنى كل هذه الحقائق والوقائع والبراهين وما معنى أن تصب كل الممارسات السعودية في إطار العمل على إنجاح صفقة القرن الأميركية التي تكفل تصفية القضية الفلسطينية وتعتبر أبو ديس عاصمة الدولة الفلسطينية بدلاً من القدس؟!
الغاية من التصريحات السعودية المزيفة التي تحمل الادعاء الصريح بشأن القضية الفلسطينية والقدس، هي محاولة امتصاص أي نقمة شعبية يمكن أن تنشأ من جراء السياسات السعودية ولاسيما فيما يتصل بما يتكشف عن علاقات النظام السعودي السرية مع الكيان الإسرائيلي والذي يعمل الأول جاهداً لإظهارها للعلن رويداً رويداً تفادياً لأي ردات فعل شعبية تتولد عن عنصر المفاجأة والصدمة، يمكن أن تضر بحاضر ومستقبل النظام السعودي، وفي الوقت نفسه يضمن هذا الأخير وفق رؤيته السياسية التي لا تتعدى أنوف كبار مسؤوليه، أن إرضاء واشنطن وتل أبيب من شأنه أن يضمن بقاء النظام ويساعد ويمكّن من انتقال سلس للسلطة إلى ابن سلمان الذي يرتمي في أحضان واشنطن وتل أبيب ويلبي مصالحهما وطموحاتهما وينفذ أجنداتهما في المنطقة، وقد حول المملكة إلى بقرة حلوب لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية، على حد تعبير الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وجعلها غثاء كغثاء السيل ضرره أكثر من نفعه، وهذا ما يتجلى في مجمل السياسات السعودية وليس فقط فيما يتصل بسياساتها تجاه القضية الفلسطينية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن