شؤون محلية

التحكيم لحل المنازعات

| نبيل الملاح

سأتحدث في هذا المقال عن أحد المواضيع المهمة المتصلة بحل المنازعات المدنية والاقتصادية والتجارية، ألا وهو موضوع التحكيم باعتباره (قضاء خاصاً) ينشأ بشكل اتفاقي.
صدر القانون رقم (4) لعام 2008 متضمناً الأحكام الناظمة للتحكيم كأسلوب اتفاقي قانوني لحل النزاعات التي تنشأ نتيجة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أم غير عقدية، ونصت المادة (49) على أن تصدر أحكام التحكيم مبرمة غير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن وجواز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً لشروط وحالات محددة نص عليها القانون.
لقد جاء هذا القانون ملبياً لضرورة فرضها التطور الاقتصادي والتجاري من جهة وواقع القضاء من جهة أخرى وعدم قدرته على البت بالنزاعات القائمة بالسرعة المطلوبة، حيث تستغرق الدعوى المرفوعة عدة سنوات وفي كثير من الأحيان سنوات طويلة.
وتضمن هذا القانون الأحكام الميسرة لإنجاز التحكيم بيسر وسهولة، فأعطى طرفي التحكيم حرية تحديد القانون الذي يتوجب على هيئة التحكيم تطبيقه على موضوع النزاع، وعدم جواز عزل المحكم أو المحكمين إلا باتفاق جميع الخصوم، ومعاقبة كل من يعتدي على محكم خلال ممارسته التحكيم أو بسببها بالعقوبة التي يعاقب بها فيما لو كان الاعتداء على قاض، وحق طرفي التحكيم في الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم اتباعها وإخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منطقة أو مركز دائم للتحكيم في سورية أو خارجها، وأن تجتمع في أي مكان تراه مناسباً للقيام بإجراء من إجراءات التحكيم، كسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الاطلاع على مستندات أو معاينة بضاعة أو أموال.
ونصت المادة /53/ على أن أحكام المحكمين الصادرة وفق أحكام هذا القانون تتمتع بحجية الأمر المقضي به وتكون ملزمة وقابلة للتنفيذ تلقائياً من قبل الأطراف أو بصفة إجبارية إذا رفض المحكوم عليه تنفيذها طوعاً بعد إكسابها صيغة التنفيذ.
كما تضمن هذا القانون الأحكام الناظمة لإحداث مراكز تحكيم دائمة تعمل وفقاً لأحكامه والأنظمة التي تضعها، وأن تتولى إدارة التفتيش القضائي في وزارة العدل تفتيش مراكز التحكيم ورفع تقارير سنوية بشأنها إلى وزير العدل.
وفي ضوء هذه الأحكام، تم تأسيس عدد من مراكز التحكيم في مختلف المحافظات ضمن إطار التحكيم المؤسسي الذي انتشرت هيئاته ومراكزه الدائمة في جميع أنحاء العالم في أعقاب الحرب العالمية الأولى لفض المنازعات وفقاً لقواعد وإجراءات موضوعة بشكل مسبق لآلية عمل هذه الهيئات والمراكز، ومن أهم المؤسسات التحكيمية في الوقت الراهن المحكمة الدولية للتحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس ومحكمة التحكيم الدولي في لندن والمركز الدولي لفض المنازعات الناشئة عن الاستثمار بواشنطن.
إلا أن مراكز التحكيم المحدثة وفقاً للقانون /4/ لم تأخذ دورها بعد لأسباب تتعلق بعدم الإعلان والتسويق لهذه المراكز بشكل جيد، وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة لدعمها من قبل مؤسسات الدولة والسلطة القضائية، فما زال مجلس الدولة يحتكر التحكيم في جميع القضايا المتعلقة بمؤسسات الدولة وإدارتها، وما زال القضاء يحصر التحكيم بقضاته والمحامين المعنيين.
إن معظم قضايا التحكيم تتعلق بمنازعات تجارية بين أفراد وشركات، وهذا يتطلب اختيار المحكمين من القضاة الذين مارسوا العمل في المحاكم التجارية والخبراء الماليين الذين يتمتعون بالعلم والخبرة في الأمور المالية والتجارية والأعراف السائدة، مع الإشارة إلى أن الاستعانة بخبير حسابي لإجراء خبرة فنية في قضية تحكيم تجاري، لا يفي بالغرض.
أختم بالقول: لا بد من دعم التحكيم باعتباره «قضاء خاصاً» لتخفيف العبء عن القضاء العادي والإداري وقضاتهما، ودعم مراكز التحكيم التي تضمن سلامة التحكيم وإجراءاته ضمن إطار التحكيم المؤسس.

باحث ووزير سابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن