من دفتر الوطن

الخوف على الكتاب

| حسن م. يوسف

في مثل هذه الأيام قبل خمسة وأربعين عاماً أصبح اسم الكاتب الاستقصائي الأميركي بوب ودورد متداولاً في كل مكان بسبب تحقيق ووترغيت الذي نشره مع زميله كارل برنستين في جريدة «واشنطن بوست»، مما أدى لتفجير أكبر فضيحة في تاريخ أميركا، نجم عنها استقالة ريتشارد نيكسون ومكافأة الكاتبين بجائزة بوليتزر عام 1973.
صحيح أن بريق اسم ودورد قد خف مع الزمن لكنه تمكن من الحفاظ على سمعته الطيبة ما جعل صحيفة رولينغ ستون تصفه بأنه «واحد من أكثر الصحفيين المحترمين في التاريخ الأميركي». لكن ودورد استعاد بريقه في 11 أيلول الماضي عندما نشر كتابه «الخوف: ترامب في البيت الأبيض». إذ جاء في الأخبار أنه تم بيع 750000 نسخة من الكتاب في اليوم الأول لصدوره!
لن أكتب في هذه العجالة عن كتاب «الخوف» لأنني لم أتمكن من قراءته بعد، إلا أنني سأحدثكم عن خوفي على الكتاب في بلادنا الذي تطبع منه 1000 نسخة فقط.
جاء في «تاريخ الكتاب» الذي صدر في جزأين قبل ربع قرن ضمن منشورات «عالم المعرفة» الكويتية، للبروفسور الكرواتي ألكسندر ستيبتشفيتش الأستاذ في جامعة زغرب، أن «أوروبا كانت تستورد من دمشق أفخر أنواع الورق الذي اشتهر حينئذ بكل أوروبا باسم «الورق الدمشقي» Charta Damascena.
غصت مع الأستاذ ستيبتشفيتش في البحث عن مغزى تطور الكتاب عبر التاريخ، وتوقفت عند تتبعه لمكانة الكتاب كمؤشر للحكم على أي مجتمع لمعرفة مدى تخلفه وتطوره الثقافي.
أول حقيقة يقررها ستيبتشفيتش هي أن السومريين أقاموا حضارة ممتازة «تشربت منها كل الحضارات الكبرى»، فهم الذين أبدعوا الكتابة التصويرية ثم طوروها إلى «نظام كتابي تطغى عليه السمات الصوتية». ويستنتج الباحث أن «السومريين هم الذين خصوا الكتاب بالدور الذي ارتبط به حتى هذه الأيام. أي أن يكون الحافظ للإنجازات الإنسانية الثقافية والتكنولوجية وأن يخدم عدداً من الأهداف الرسمية والتعليمية وغير ذلك من الغايات اليومية».
يرى الباحث أن «البابليين طوروا كل ما خلفه السومريون»، ما دفع عالم الآثار الألماني غولدوي الذي قام بالتنقيب في العاصمة بابل، لأن يطلق على البابليين لقب «أحباء الكتابة».
لأن «عدد الرقم الطينية البابلية التي تم اكتشافها حتى الآن، يتجاوز ستمئة ألف رقيم تتضمن مختلف الموضوعات».
ويولي الباحث اهتماماً خاصاً للمكتبة التي تم اكتشافها في إيبلا – تل مرديخ ويصفها بأنها:» أقدم مكتبة تم اكتشافها حتى الآن في الشرق الأوسط».
كذلك يتوقف الباحث عند المكتشفات الأثرية في أوغاريت: «التي تعتبر ذات أهمية خاصة». لأنه كان قد تجمع في أوغاريت» جزء كبير مما أبدع خلال آلاف السنين في الشرق الأوسط». ويستنتج الباحث أن الكتاب كان مُقدَّراً جداً في الشرائح العليا للمجتمع الأوغاريتي، وأن «أوغاريت كان لها مكان مُشَرِّف في تاريخ الكتابة والكتاب والمكتبات».
كذلك يتوقف الباحث عند مكتبة الحاكم الآشوري المثقف آشور بانيبال، إذ أثبتت الرقم التي اكتشفت فيها أنه كان أول من «جمع في مكان واحد كل ما أبدعته الأجيال السابقة في الشرق الأوسط في حقل الأدب والمعرفة».
جاء في أحد النصوص المصرية القديمة: «لقد مات الإنسان وتحولت جثته إلى مسحوق وأصبح كل معاصريه تحت التراب، إلا أن الكتاب هو الذي ينقل ذكراه من فم إلى فم. إن الكتابة أنفع من البيت المبني ومن الصومعة في الغرب ومن القلعة الحصينة ومن النصب في المعبد».
وقد نصح أحد الآباء المصريين قبل خمسة آلاف عام، ابنَه، بأن يحب الكتاب كأمه. لقد كان الكتاب ابن منطقتنا ونتاج أجدادنا فما بالنا نعامله كضيف ثقيل غريب!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن