ثقافة وفن

أوصى ألا يقام له عزاء وأن تخرج جنازته من الأزهر … جميل راتب.. قطعت أسرته علاقتها به بسبب دراسته التمثيل فعمل «عتالاً» في سوق الخضر

| وائل العدس

رحل الممثل المصري الكبير جميل راتب في التاسع عشر من أيلول الحالي بعد مسيرة فنية طويلة بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي من خلال أعماله الفنية في المسرح والسينما والدراما المصرية.
تدهورت حالته الصحية بشكل كبير في الفترة الأخيرة، وأصبح غير قادر على المشي بعد معاناته مشاكل صحية بسبب آلام مبرحة في فقرات الظهر، وهشاشة بالعظام، رفض الاستجابة لتعليمات الأطباء بإجراء جراحة عاجلة بالعمود الفقري، لكنه وافق بعد إلحاح على اتباع العلاج الطبيعي.
في الأيام الأخيرة من حياته كشف هاني التهامي مدير أعماله آخر تطورات الحالة الصحية للفنان، قائلاً: إن الأمور مستقرة ولكن لابد أن يظل في المستشفى لرعايته نظراً لكبر سنه، وأوضح أن الفنان راتب فقد صوته، وأن الأطباء ليس في يدهم أي شيء لفعله بسبب كبر عمره.

الوصايا الثلاث
الوصايا التي أوصى بها راتب قبل وفاته ألا يقام له عزاء وأن تخرج جنازته من جامع الأزهر.
أما الوصية الثالثة أنه يتمنى إنشاء مكان يضم فيه كل صور أعماله الفنية، والجوائز التي حصل عليها، ليكون موجوداً بين جمهوره بعد وفاته.

ملامح لا تنسى
لن تنسى شاشة السينما أو التلفزيون تلك الملامح البريئة الطيبة والمعقدة والشريرة في آن واحد، فقد حفر راتب بتلك الملامح شخصياته التي جسدها في وعي المشاهد، كما لن ينسى الجمهور ابتسامته المتهكمة الساخرة التي تنقل تعقيد العالم من حولنا، وتنقل جدلية الشر الذي لا يخلو من مبادئ راسخة بداخله تعكس رحلة نشأة البطل الشرير، لذلك تميّز في إحياء تلك الأدوار التي تتميز بالتجسيد الغني والعميق الذي يغوص داخل الشخصية، ولا يكتفي بملامحها الخارجية فحسب.

بين الأمس واليوم
«لست سعيداً ولكنني راضٍ، فحياتي التي عشتها أحبها، لكن حياتي التي أعيشها الآن راض عنها»، هكذا عبر الفنان الراحل عن موقفه من الدنيا في زمن تكالبت عليه أمراض الشيخوخة، وتزاحمت من حوله أقراص الدواء، لكنه مع هذا كان قادراً على الضحك والإضحاك، لا يتردد في ذكر النكات.
تخبرك ملامحه أنه جميل حقاً، راض مرضي، فيلسوف كامن، له وجهة نظر في الحياة ويطبقها، له موقف من الصراعات والأزمات والاشتباكات، لكنه لا يحب الدخول في غمارها، رجل جميل من زمن جميل، جميلاً عاش وجميلاً مات.

مسيرة طويلة
ولد جميل راتب عام 1926 في القاهرة، من أبوين مصريين ومن أسرتين ثريتين، بعد إنهائه المرحلة الثانوية، درس الحقوق في القاهرة لعام واحد، ثم انتقل إلى باريس ليكمل دراسته.
تزوج من ممثلة فرنسية اعتزلت لاحقاً أثناء وجوده في باريس وانفصلا لاحقا مع الحفاظ على علاقة صداقة، وقدم خلال مسيرته الفنية 67 فيلماً سينمائياً.
حصل على جائزة أفضل ممثل لأدائه دور البطولة في فيلم «أنا الشرق» مع نخبة من النجوم في أربعينيات القرن الماضي، وبعد ذلك سافر إلى باريس ثانية، ودرس هناك فن المسرح وبدأ مسيرته الفنية.
لعب الممثل الراحل الكثير من أدوار الشر بسبب ملامح وجهه البارزة والحادة، ولم تقتصر أعماله على السينما المصرية فقط، بل شارك في عشرات الأفلام الأجنبية وخاصة الفرنسية، والعربية غير المصرية ونال جوائز عديدة على أدواره.
وكان نجاحه في السينما المصرية سبباً ودافعاً لطلب الفرنسيين والعرب العمل معهم.
شارك في أعمال سينمائية مميزة وحصل على العديد من الجوائز عن أدواره منها: «ليلة القدر» و«أنا الشرق» و«لورنس العرب» و«الكدّاب» و«سنة أولى حب» و«مسافر بلا طريق» و«عروس البحر» و«خلف أسوار الجامعة» و«ضيف على العشاء» و«حب في الزنزانة» و«كيدهن عظيم» و«أحضان الخوف» و«عمر المختار».
ولم تخلُ الدراما المصرية من مشاركته في أعمال غاية في الأهمية منها «أحلام الفتى الطائر» و«زينب والعرش» و«الجلاد والحب» و«رحلة المليون» و«غداً تتفتح الزهور» و«السرايا» و«سنبل بعد المليون» و«الراية البيضا» و«كلام رجالة» و«يوميات ونيس» و«ثمن الخوف» و«وجه القمر» و«فارس بلا جواد» و«حد السكين» و«مسألة مبدأ» و«وهج الصيف» و«طعم الأيام» و«همس الجذور» و«عايش في الغيبوبة».
قدم إلى جانب أعماله السينمائية والدرامية، عدة مسرحيات منها «عائلة ونيس» و«اليهودي التائه» و«زيارة السيدة العجوز» و«الأستاذ وشهرزاد» وغيرها.
تم تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي عام 2005، وتم تكريمه من نقابة المهن التمثيلية عن جميع أعماله عام 2015.
وفي عام 2016، حصل على تكريم من مهرجان القاهرة الدولي للمسرح المعاصر والتجريبي في دورته الـ33.
وفي عام 2017 كُرِّم في مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية في الدورة السابعة له.
وكان آخر تكريم له في العام الحالي من منظمة الأمم المتحدة للفنون خلال احتفالها بعيد الأب.

في فرنسا
أنهى مرحلة الدراسة الأولى في مصر، وكان عمره وقتها 19 عاماً، وتخرج في مدرسة الحقوق الفرنسية، وبعد عام من التحاقه بالمدرسة سافر لاستكمال دراسته الجامعية في فرنسا، بمنحة للدراسة في مدرسة السلك السياسي.
لم يلتحق بالمدرسة، وقرر دراسة التمثيل في السر بعيداً عن عائلته التي كانت ترفض عمله بالفن، وبسبب ذلك تم إيقاف المنحة التي كانت تبلغ 300 جنيها.
عندما علمت أسرته بالأمر قطعت علاقتها به، ولكي يستمر في دراسة التمثيل عمل في مهن كثيرة، منها «عتال» في سوق الخضر وكومبارس، ومترجم، ومساعد مخرج.
شاهده الكاتب الفرنسي، أندريه جيد، في «أوديب ملكاً» فنصحه بدراسة فن المسرح في باريس، وهو ما قام به بالفعل.
نشرت إحدى الجرائد الفرنسية في ذلك الوقت تقريراً يشيد بأدائه، وقالت في تقريرها: «عندما يؤدي راتب دوره على الخشبة في مسرحية الوريث فإنه يخطف أنظار الحضور بأدائه القوي وعينيه الحادتين».

الحوار الأخير
لم يندم راتب على أي عمل اشترك فيه، لكنه يرى أن هناك بعض الأعمال الضعيفة التي اضطر للمشاركة فيها، قائلاً في آخر حواراته: «لا يوجد عمل أندم عليه، ولكني قدمت بعض الأعمال الضعيفة خلال مسيرتي، وقبلت أفلاماً في بعض الأوقات لحاجتي للعمل، وبعد ذلك قدمت أعمالاً مهمة، ابتداءً من مشاركتي في فيلم «الصعود إلى الهاوية» الذي غيّر نظرة المنتجين والجمهور عن جميل راتب، ومن بعده قدمت أدواراً وشخصيات متنوعة، وكنت أبحث دائماً عن الشكل البعيد عن شخصيتي تماماً، وأستمتع به، وأتذكر مثلاً مسلسل «الراية البيضاء» الذي يعتبر من أنجح أعمالي لكن شخصية د. مفيد أبو الغار كانت قريبة مني جداً، ولم أجد صعوبة فيها».
يرى أن فيلم «لا عزاء للسيدات» من أهم المحطات مبرراً ذلك بـ«أنني وقفت فيه أمام فاتن حمامة، دوري فيه ليس من أهم الأدوار التي جسدتها، بل أهمية الفيلم تأتي من فرصة وقوفي أمام السيدة فاتن حمامة».
وجه في نهاية حياته رسالة إلى الممثلين قال فيها: «أقول لهم إن الثقافة مهمة للفنان، ويجب أن تهتموا بها، سواء في إطار عام أم فيما يتعلق بالسينما، وبصراحة معظم فناني الجيل ينعمون بالثقافة، لأن أفلامهم لها مضمون اجتماعي وإنساني وأحياناً سياسي، وبالتأكيد السينما وسيلة يتعرف من خلالها الجمهور على الحالة الثقافية في بلاده، ومن ثم يجب أن يكون صناعها على قدر من الاطلاع والمعرفة».

رثاء إلكتروني
سوزان نجم الدين: «وداعاً لأحد أبطال الزمن الجميل الذين أثروا الدراما العربية والعالمية بجواهر فنية لن ننساها… رحمك اللـه وأسكنك فسيح جنانه».
نادية لطفي: «صديقي الغالي وزميلي القدوة، الفنان المبدع ذو الشخصية الفريدة والقدوة الراقية لما يجب أن يكون عليه الفنان، أدباً وخلقاً، جميل راتب.. صحوت اليوم على خبر تملؤه الغيوم والظلام والأمطار بأنك رحلت إلى خالقك الكريم الرحمن الرحيم الغفور.. أسكنك اللـه فسيح جناته ولك الفاتحة على روحك الطاهرة».
شريهان: «في سلام وأمان ورحمة اللـه يا جميل.. حبيب وأب وصديق، فنان وإنسان مبدع، له مذاق خاص جداً، ليس له مثيل ولا شبيه ولن يأتي بعده جميل راتب، البقاء لله إنا لله وإنا إليه راجعون».
محمد صبحي: «أبي الحبيب وصديقي الحميم وفناني المفضل، النبيل الخلوق الراقي… لقد عرفتك إنساناً وفناناً وأعلم كم كنت تحبني بصدق وتحترم عملي.. إنك فنان عظيم، لم تأخذ حقك، ربما بذهابك يتذكرون تكريمك الحقيقي… وداعاً ومعك أطيب سيرة وأعظم تاريخ وأعظم إنجاز إنساني».
إلهام شاهين: كان ممثلاً متمكناً من أدواته، وفناناً قوياً للغاية، وفي مكان التصوير لا تشعر به من كثرة هدوئه، فهو هادئ الطباع ونادراً ما كنت أشاهده منفعلاً، فقد كان صبوراً جداً، ويحترم مواعيد التصوير الخاصة به، كان نموذجاً مشرفاً لفنان يحترم فنه ويحترم الآخرين، سنفتقده كثيراً لكن تبقى أعماله خالدة حتى بعد رحيله.
نبيل الحلفاوي: «رحم اللـه الفنان جميل راتب.. كان إنساناً جميلاً.. وانعكس جمال شخصيته على الشاشة أياً كان الدور الذي يؤديه.. كان يغطي مساحة فنية من الصعب حتى الآن أن يملأها غيره».
لطيفة التونسية: «فقدنا مدرسة كبيرة وفناناً كبيراً متميزاً في عطائه وفنه.. ألف رحمة على روحه».
نانسي عجرم: «خالص التعازي للشعب المصري والعربي في وفاة الفنان القدير ‎جميل راتب قيمة فنية كبيرة ومدرسة في التمثيل.. سنفتقدك كثيراً».
إليسا: «جميل راتب كان معلماً، لقد أثرى المكتبة العربية بأجمل الأدوار، وترك لنا تراثاً جميلاً من الفن».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن