الأعراس
| زياد حيدر
منذ صغري وأنا أكره الأعراس، ربما علة نفسية، الأعراس بشكل عام ظلت حتى بلغ الشيب شعري، تشكل لي حالة تآمر اجتماعي مبطن، يتفق فيها الجميع، عليَّ التظاهر بالسعادة، لساعات من الزمن، ضمن إطار موازنة مالية، تكبر وتصغر حسب جيوب أصحابها.
في الأعراس، علينا أن نبدو سعداء، أن نظهر بأفضل حالاتنا، وأن نكون في مزاج احتفالي، علينا أن نقنع أنفسنا بأن مشاركتنا مهمة، لأننا مدعوون أحياناً أو لأننا مجبرون أحياناً أخرى.
سواء كانت الأعراس من تلك التي تجلس فيها خلف طاولة، أم تلك التي تقضي وقتك وقوفاً، عليك أن تتوقع في أي لحظة إحراجاً ما.
من تلك الإحراجات أن يدعوك شخص ما للدبكة، وأنت لا تجيد الدبكة، ورغم أنك تجازف بتحويل نفسك لأضحوكة، إلا أن الأصعب هو تجسيد الفرح، والسعادة، متموجاً مع المتموجين، من دون سيطرة، تنحني مع انحناءاتهم، وتميل رقبتك مع رقابهم، شمالاً أو يميناً. ويرغب البعض في استفزازك، أحياناً، عن نية طيبة، كي «تفك العقدة قليلاً» أو عن مكر للإحراج.
في الدبكة يخطر في بالك الاعتذار، ولكن التوقيت هو كل شيء، فبينما تدور الأجساد حول نقطة مركزية وسطى، ثمة مصورون، من كل المستويات، أطفال بهواتفهم الخلوية، نساء ورجال بكاميرات تقليدية، ومصور الفيديو الذي ينخ لنختنا، ويقف لوقفتنا.
تنجح أخيراً في الإفلات، لأنك أوقعت ساعتك، أو شيئاً ما، وتشبك يدي من قبلك وبعدك ببعضهما، وتصبح حراً أخيراً.
على طاولتك مجدداً أو وقوفاً عليك أن تقنع نفسك بأن وجودك حقيقي، وأنك ملحوظ، ولهذه الغاية جارك كان أذكى، فاختار نوع سيجار فاخر، وبدلة مميزة، وهدية معتبرة لصانعي العرس.
يلكزك مقربون أن عليك أن تكشف عن أسنانك، وتوزع الابتسامات، وترسل التحيات، للبعيد والقريب، فالفكرة هنا أن يلحظك الجميع سعيداً، وأن ترى بأن الجميع قد سجلوا حضورك، مدعوين، وداعين، مراقبين وفضوليين.
الجميع هنا يريد أن يرى الجميع، وأن يثبت مشاركته بشكل أو بآخر، لكن ما هو أكثر إزعاجاً، هو ذلك المرتبط بفكرة العرس ذاتها.
مالي ومال من قرر أن يحتفي بنفسه وبغيره؟ يقولون: يجب مشاركة الفرح والحزن، ولكن ماذا إن أصابك وسواس بأن هذا الفرح ليس بفرح حقيقي، وأن ذاك الحزن مشوب بأسئلة كبيرة تحتاج إلى إجابات؟
تعقيد لأمور بسيطة، بقدر بساطة احتفال يسمى عرساً، يعرف فيه الجميع، من يرتبط بمن، فالأسماء واضحة على بطاقات الدعوة، وثلاثية، ليس فيها من حرج، ولكن هذا لا يعني أن يكف المدعوون عن الثرثرة عن طبيعة هذا الارتباط، أو خلفياته، وكيف التمَّ الشامي على المغربي، وما إن كان هذا الارتباط سيدوم، أم لا، وإن نعم لمتى؟ وما المصالح المرتبطة بهذا الارتباط، وحجمها؟
أسئلة كثيرة، تسأل والعرس قائم، وكان تمّ تداولها قبل العرس أيضاً، وستستمر لبعده بأيام، فأجمل ما في العرس لكثيرين، هي الساعات أو الأيام التي بعده، حيث يتم التمعن في الأقاويل والصور والفيديوهات، وقراءتها، وتدقيق شخصياتها، وما إن كانت مشاركتها طوعية متحمسة، أم قسرية متحفظة.
لذا حين تتذكر هذا الأمر، تستوي في جلستك، أو وقفتك، فلا ضرورة لأن يسجل عليك موقف سلبي مجاني لا ضرورة له. من حقي أن أكره كل الأعراس، ولاسيما ذات الأسماء الكبيرة.