ثقافة وفن

في الأيقونة السورية «وطن» ننطلق من الميثيولوجيا … سامي نوفل لـ«الوطن»: معظم العرض حركي نذهب به إلى الشكل الملحمي بخطواته المدروسة

| سوسن صيداوي- «ت: طارق السعدوني»

(قَدر السوريين أن يعيدوا تنظيم العالم كلما وصل للخراب) عبارة قالها الإله (بعل) السوري في يوم ما، إذاً هذه هي قيمتنا الحقيقية، ومنها علينا أن نحسن التصرف في مواجهة كل الأزمات والحروب التي عاصرت سوريتنا منذ العصور الغارقة في القدم وحتى اللحظة، فما تعيشه سورية في الوقت الحاضر ما هو إلا تاريخ يعيد نفسه لكونها الحضارة.
وبالعودة إلى العبارة أعلاه سنخبركم بأكبر قدر من التفاصيل-لمن فاتته فرصة حضور العرض-عن المشروع الوطني (الأيقونة السورية) في عرضه المسرحي (وطـن)، المركزي الذي أقيم برعاية قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي بالتعاون مع نقابة الفنانين بدار الأسد للثقافة والفنون.
العرض سهرة وطنية ممتعة يمتد إلى نحو الساعة وعشر دقائق، ويقوم على مستويين: مستوى الميثيولوجيا أو الأساطير، ومستوى يحاكي الواقع بشخصيات تسير بالحدث المفروض، ضمن قوالب بسيطة تثيرها مواقف فيها النكتة والقليل من المبالغة، كي يكون العرض في النهاية بعيداً عن جمود التاريخ، ضمن لوحات راقصة متنوعة، فالعرض ملحمي يعتمد على الحركة- يقوم بها سبعون شخصية- البعيدة عن الافتعال والتي لها غايتها.
بقي أن نذكر لكم هنا أن الأيقونة السورية (وطـن): رؤية وإخراج سامي نوفل، تأليف عدنان أزروني، سينوغرافيا نزار البلال وريم الشمالي، التأليف الموسيقي سعد الحسيني، مساعد مخرج غزل حنون، وفي التمثيل: نادين، وفاء موصلي، أمانة والي، سعيد عبد السلام، محمد خاوندي، علي القاسم، جمال العلي، عامر العلي، جيانا عنيد، روعة شيخاني، محمد طرابلسي وأنس مرتضى. الراقصون فرقة ميرا للمسرح الراقص، فرقة أجيال للأداء الحركي بإدارة مجد أحمد وباسل حمدان. وإليكم المزيد.

تفاصيل عرض إخراجية

بداية حدثنا مخرج العرض سامي نوفل عن هدف المشروع حيث يقول «التجربة ضمن فعاليات المشروع الوطني للأيقونة السورية، تقدمه نقابة الفنانين تحت رعاية حزب البعث العربي الاشتراكي، العرض اسمه (وطـن) ويعتمد على العمل مع الأطفال، بغرض تنمية شخصياتهم، باعتبار أننا خرجنا من الحرب منتصرين بهذا الشكل. إذا بدأنا من المدارس، وفيما بعد دمجنا الأطفال ضمن آلية نقل العمل من المسرح المدرسي إلى المسرح المحترف، معتمدين على ثلاث فئات عمرية: أطفال ويافعين وشباب، وكلّهم من محافظة دمشق لأننا نعمل على الافتتاح المركزي ومن بعده ستبدأ المحافظات بالعمل.
أما بالنسبة لقصة العرض وتفاصيله وطريقة صياغته تابع المخرج نوفل قائلاً: «من الأسطورة أو الميثيولوجيا ننطلق في العرض (وطـن)، وأشير إلى أنه خلال السنوات الماضية في العروض المسرحية، كان هناك مفردات تم استهلاكها، على حين نحن سنتعامل مع المفردات نفسها ولكن بطريقة مختلفة. وبالنسبة إلى قصة العرض تقع أحداثها في مكان واحد هو متحف في مدينة سورية- قد تكون أي مدينة- يدلف إليها مجموعة من الزوار تحت شرط أن هناك كارثة طبيعية سوف تهدّد المكان، ونحن أشرنا إليها بأنها سيل أسود، بالطبع هذه رؤيتي لطرح الموضوع بعيداً عن المسلحين والمجموعات الإرهابية المسلحة وغيره، بالعودة للقصة… يعيش في المتحف رجل في العقد السابع من العمر تقريباً، ومعه حفيده، بلحظة مجنونة تُطلق صفارة الإنذار، في تلك الأثناء يكون في الطريق هناك شاب عسكري، يرى لفيفاً من الناس بالقرب من باب المتحف فيدفعهم للدخول إليه، بعدها ينغلق الباب ولم يعد بالإمكان فتحه. حارس المتحف بينه وبين المكان كيمياء، لهذا يقرر بأن هذا اللفيف يصبح جزء من حكاية كان بدأ بسردها على حفيده، ومن ثم يستمر حصار هؤلاء الناس، وهنا ننتقل في العرض إلى المستوى الثاني، حيث تبدأ التماثيل بالتحرك وبالحديث مع الناس، ونعود إلى حقبة ما قبل الإنسان القديم لنصل إلى الميثيولوجيا، وخلال العرض نطرح الخلاف الذي تم في الميثولوجيا السورية، الخلاف بين الإله (بعل) والإله (يم)، حيث يُفتتح العرض بمقولة (لا داعي لأن نخاف من أي كارثة فقدر السوريون أن ينظّموا العالم كلّه)، وانطلاقا من هذه الجملة التي اعتبرها رسالة العرض، نستعرض جانبا من الفوضى والمياه البدئية التي واجهها (بعل) وانتصر بالنهاية عليها. هذه هي حكاية المسرحية، ويذهب العرض إلى الشكل الملحمي، من حيث الخطوة المدروسة والوضع الثابت والواضح للممثلين والراقصين، فالعمل بنسبة 60% يعتمد على الجانب الحركي، لهذا اعتمدنا على تجمّعين: تجمّع (أجيال) الذي يقوده باسل حمدان ومجد أحمد بالإشراف والتدريب، وعلى تجمع (رؤية) فرقة ميرا للمسرح الراقص التي تضم مجموعة من راقصي الباليه المحترفين ومنهم مازالوا يدرسون في المعهد العالي باختصاص الرقص. في هذا المشروع سنكون أمام عرض حركي بعد انقطاع طويل بسبب الأزمة الثقافية التي مررنا بها. وأحب أن أشير إلى أن هناك تعاوناً من جميع العاملين في العرض، كون لدى الكل حالة شغف لطرح موضوع الرقص أو الحركة ضمن قالب درامي حقيقي، وهذا كله لم يقلل منه الضغط الكبير والجهد المبذول في جلسات العمل والبروفات التي دامت أكثر من 12ساعة يوميا، لمشروع يتطلب ستة أشهر من التحضير- حسب كلام الأساتذة النجوم المشاركين- لعرض فيه الاستعراض الحركي مبرر. بقي أن أشكر الأساتذة النجوم المشاركين في الجانب الدرامي، وهم مشكورون لتعاونهم معي-بشكل خاص-لإنجاز هذه التجربة وأنا المبتعد عن المسرح لنحو سبع سنوات. وأختم بأن دور الإله (يم) أنا قمت بتأديته صوتيا، أما الجانب الحركي قام بأدائه محمد طرابلسي، العرض سهرة وطنية ممتعة، تعتمد على مستويين مستوى الحكايات والميثيولوجيا ومستوى الواقع على طرح الشخصيات بقالبها وببساطتها مع النكتة أحياناً وذهبنا قليلاً باتجاه المبالغة لأننا أمام سهرة لا نريدها أن تكون درس تاريخ لمدة ساعة وعشر دقائق تقريبا، العرض يضم سبعين شخصية، وبالفعل مشاركة الأطفال مربكة وصعبة ولكن بالنهاية العمل معهم أمر ممتع».

حارس المتحف
من جانبه تحدث الممثل علي القاسم عن دوره «دوري بالعرض هو دور حارس المتحف الذي وعلى الرغم من السيل الأسود الجارف وعلى الرغم من كل المصائب يبقى حارساً للمتحف بتاريخه البعيد، فهذا(الرمز)هو إلى الآن يدخل وينظف التماثيل التي لها علاقة بأشكال الآلهة. يمثل العرض المجتمع السوري الكبير، والحارس نذر نفسه وحياته لأجل خدمة المتحف بتماثيله، وهو يركز طوال العرض على فكرة للناس التي دخلت المتحف كي تحتمي به كمكان، بأنّ الذي يحميها ليس المكان والجدران، بل من سيحميها هو الفكر والثقافة والإيمان بهذه الرموز وهذا التاريخ. فالحارس متبن لكل الرموز من قبل التاريخ وإلى ما بعده وحتى إلى المستقبل، وحكايتنا مع بعضنا ستحمينا من السيل الحالي-المقصود به الحروب- ومن كلّ السيول التي مرّت وستمر وتنتهي لأننا أشخاص خُلقنا من الحضارة. العرض فيه رؤية درامية وحركية، وهو ليس سهلاً أبداً، فكل حركة لها معنى وموظفة بالشكل الصحيح ولها غايتها وضرورتها ضمن الرؤية الإخراجية، وهو في النهاية موجه للجميع من الصغار إلى كبار السن، أي العرض لكل السوريين».

للفعاليات ضرورة
من جابنها أكدت الفنانة وفاء موصللي ضرورة إقامة فعاليات ثقافية وفنية وأدبية كهذه، متابعة «نحن لدينا عطش لفعاليات كهذه منذ سنين الحرب، والأهم بهذا المشروع لأن الأيقونة سورية وجاءت باسم (وطـن)، وتروي للجمهور كيف أن سورية هي منظمة للكون، في إشارة من العرض تدفعنا إلى الأمل وأنه علينا ألا نيئس. أنا أمثل في العرض شخصية (عنات) وهي آلهة الصيد، وهي تمثل المرأة السورية التي بداخلها القوة وتظهر قوتها في اللحظة المناسبة، وهذه الشخصية تعكس الواقع الذي عشناه في الأزمة لحال نسائنا السوريات اللواتي لبّوا نداء الواجب بكل مضامين الحياة وحتى في الميدان، ونحن ممتنون لهنّ وللجيش العربي السوري وخاصة أن من أبطال العمل عنصراً بالجيش. إذاً الفعالية جدّ مهمة لأنها تجمع كل أشكال الفرجة من تمثيل ورقص وغناء وموسيقا، ونحن بحاجة كثيراً لهذا النوع من العروض لأن مسارحنا اقتصرت على التمثيل الكلاسيكي بينما هنا كل الألوان تجتمع مع بعضها فالجهود كلّها متضافرة هنا، فالمخرج سامي نوفل عمل لساعات طويلة لأنه متبن الموضوع، إضافة إلى جمال كل ما يقدمه باقي الزملاء».

صعوبة المسرح الحركي
من جانبها أجابت الفنانة أمانة والي عن سؤالنا لها حول صعوبة المسرح الحركي ومشاركة الأطفال في العرض قائلة «بصراحة أنا متابعة للمسرح الراقص، ولكنني لم أعمل به مطلقاً، فهذه أول مرة، والأمر بالنسبة لي صعب ومعقد، لأن علينا أن نحسب حساب حركتنا مع الآخرين وأن نتماهى معهم، إذاً حركتنا مدروسة لأنا لسنا أحراراً بالمسافة فهي محددة جدا، ما يتطلب منا تركيب التمثيل مع الحركة بتطابق تام ومقصود ولمصلحة الرقص والموسيقا، فهذه الأمور كلّها مجتمعة تحتاج إلى جهد مضاعف، وبقيت لفترة طويلة متوجسة ومتوترة ولكن الأمر الذي يريحني أني أمثل الجانب الواقعي وفي النهاية أخرج من العرض كممثلة. أما بالنسبة لوجود الأطفال بيننا لا أرى الأمر صعبا، لأن الطفل مطواع وقادر على التعلّم بطريقة سريعة ومن السهل السيطرة عليه، وأرى أننا قادرون على تطويعهم لكوننا ذوي الخبرة على المسرح. أتمنى أن نكون وفقنا ونال العرض استحسان الجمهور، لأن فيه الكثير من الحماسة والكل عمل بمجهود كبير، وحقيقة بنجاحه نحن نخطو خطوة للأمام».

النهاية هي بداية شيء
على حين تحدث الفنان عامر العلي عن أهمية العرض بالنسبة له كفنان، وضرورته لتذكير الأجيال الحالية بالأصل الحضاري الذي تنتمي له، متابعاً «يهمني مشروع الأيقونة السورية لأنني مؤمن به من جهة ولإيماني من جهة أخرى بصديقي المخرج سامي نوفل المتمكن والمدرك لكل ما يقوم به، إضافة إلى أن العرض بحد ذاته وطني بالدرجة الأولى وله علاقة بتاريخنا وأصولنا، فالأجيال الحالية نسيت إلى أين تنتمي، ومن خلال العرض سنذكرها بأصلها وبأننا لسنا أشخاصاً عاديين بل نحن من سلالة حضارات، وعلينا أن نعطي الأمل لهذا الجيل بأن ما أصاب سورية ليس نهاية الكون كما يرى البعض، بل النهاية هي بداية شيء، وعلينا أن ندرك أننا على مدار التاريخ عانينا الحروب ولكننا خرجنا بشكل أفضل، والعرض يسلّط الضوء على هذه الفكرة بعيداً عن السياسية والدين، مكتفيا بالتاريخ، وفي النهاية هو ليس عرضاً خشبياً، لن يمل منه الجمهور لأن فيه استعراضاً وكوميديا وتراجيديا وكذلك فيه نوعان من الأداء ونوعان من المسرح، وعلى خشبة واحدة. وأخيراً كل من عمل في العرض عمل إيماناً به، وبكل من يعمل به، من دون التفكير بأي جهد مبذول أو بأي مقابل مادي، بل من خلال العرض نحن كفنانين نخدم بلدنا بطريقتنا وهذا واجبنا».

في الحركة
بين لنا الكريوغراف محمد طرابلسي الذي أدى دور الإله (يم) وهو مسؤول عن فرقة ميرا للمسرح الراقص التي تؤدي جانباً من العرض، أن الأخير تميّز عن كل ما سبقه من أعمال المسرح الحركي مضيفاً «عرض (وطـن) كتجربة هو من الأعمال التي طغت على كل ما تمّ تقديمه من عروض حركية، سواء من حيث الفكرة أو من حيث الإخراج وحتى في النظام الحركي الجديد ومن ناحية الألفة الموجودة بين كادر العمل والفنانين والراقصين، وعندما تمّ الحديث عن الأيقونة قررنا أن نقدم أنواع رقص جديدة عما تم تقديمه من عروض راقصة حركية متجهين نحو الرقص العالمي، سواء في الرقص النقري أم الرقص المعاصر والحديث، وبالتعاون مع المخرج ومن خلال رؤيته، قمنا بشرح أفكارنا للموسيقي إيقاعيا كي نذهب إلى أسلوب جديد حتى عند الموسيقي نفسه، فهذه الأمور عملنا عليها كثيرا. وأخيراً الفرقة تضم ثلاثين راقصاً وراقصة هم من خريجي المعهد العالي، وطلاب المعهد العالي للفنون المسرحية- قسم الرقص- وخريجي الجامعات من محبي هذا المجال».

ضرورة التعبير بالحركة
من جانبه أخبرنا الكريوغراف جمال تركماني أن المسرح الراقص يبث الحماسة ويفرح القلب ويعطي هالة طاقة للجمهور وحان الوقت كي يتم التعبير على المسرح من خلال الحركة والرقص لا فقط التمثيل، قائلاً: «أنا أرى الرقص لغة أخرى ويمكننا التعبير من خلال حركاتنا الراقصة كما نعبر باللون وبالكلمة وبأي لغة تعبيرية أخرى، وأرى الرقص لغة واليوم أصبحنا قادرين على قراءة الجسد بطريقة صحيحة، وحتى الجمهور العادي أصبح قادرا على قراءة لغة الجسد الراقص، فالعرض يشكل نقلة جيدة وحاولنا من خلال رؤية المخرج سامي نوفل أن يكون العرض كتلة متكاملة، كما عبرنا عن الحرب بين الإله (بعل) والإله (يم) برقصة مترجمين بعض الكلمات المنطوقة إلى حركة، وعملنا كثيراً على التواصل بين الفنانين والراقصين كي نخلق روحا لطيفة وممتعة في النهاية تروق للمشاهد».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن