قضايا وآراء

في «اتفاق إدلب»

| عمار عبد الغني

يمكن القول إن «اتفاق إدلب» بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان قد جنب المحافظة عملية عسكرية واسعة النطاق، لكن الاتفاق في الوقت ذاته، لن يوقف بعض العمليات التي يمكن وصفها بالمحدودة لاستئصال الجماعات الإرهابية الرافضة لأي اتفاقات تسوية أو مصالحة مع الدولة السورية. ما يعني أن نصف الأزمة قد حلت بانتظار التزام أردوغان بتعهداته، ويبدو أن الجانب الروسي قد أخذ بعين الاعتبار مراوغة أردوغان وجاء تحديد يوم 15 الشهر القادم لتنفيذ إنشاء منطقة منزوعة السلاح في إدلب امتحاناً لمصداقية رئيس النظام التركي. ونرجح أن يلتزم هذا الأخير باتفاقه مع بوتين هذه المرة في ضوء محدودية خياراته بعد اتساع دائرة خلافاته مع الولايات المتحدة الأميركية وفتور علاقاته مع الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد تهديده أوروبا بموجة نزوح كبيرة إذا ما حدثت معركة إدلب ومقابلتها من الجانب الأوروبي بعدم اهتمام، لهذا سيحاول الرئيس التركي مقابل ضغطه على الميليشيات المسلحة التي تأتمر بأمره أن يبقي له موطئ قدم في سورية، بذريعة محاربة ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية التي يعتبرها أردوغان تنظيماً إرهابياً، وذلك في إطار محاولاته ليبقي على ورقة ضغط في يده عندما يحين موعد التسويات الكبرى.
ولأن الوضع في إدلب معقد جداً وليس الرئيس التركي وحده من يمسك بخيوط اللعبة، فإن أردوغان لم يتقدم خطوة من تلقاء نفسه كما يحاول الظهور، بل يمكن اعتباره متحدثاً رسمياً باسم محور الحرب على سورية، حيث أن المحافظة باتت تجمّعاً أخيراً لميليشيات آل ـسعود وآل ثاني وأجهزة استخبارات غربية خاصة أميركية وفرنسية وبريطانية، بالإضافة إلى تنظيمات إرهابية أصبحت خارج سيطرة الجميع، وبالتالي لا يمكن التوصل إلى أية تفاهمات إلا بموافقة الجميع وتبقى المجموعات الإرهابية التي لا تريد أية تسوية ومصرة على الاستمرار في القتال ولا يمكن بأي حال إنهاؤها، إلا عبر عمليات عسكرية لاستئصالها كمقدمة لإعادة الحياة الطبيعية إلى عموم المحافظة التي تحملت العبء الأكبر من الممارسات الإجرامية للمجموعات الإرهابية.
بالعموم، فإن الاتفاق حول إدلب يصب في مصلحة سورية والحليف الروسي اللذين طرحا منذ البداية مبدأ فصل ما تسمى «المعارضة المعتدلة» عن المجموعات الإرهابية، ونرى أن الاتفاق في حال تم تنفيذه سيكون خطوة أولى يمكن البناء عليها للوصول إلى حل شامل لوضع المحافظة المعقّد، خاصة في ظل وجود مقاتلين أجانب لابد من بحث طريقة إخراجهم مع دول أوروبية وأخرى آسيوية.
ذلك يعني أن «اتفاق إدلب» جاء مكملاً لمسار أستانا الذي تم من خلاله تحرير حلب وغوطة دمشق والمنطقة الجنوبية من الإرهاب، إما عبر اتفاقات التسوية أو من خلال العمليات العسكرية، ولكن خصوصية إدلب تأتي كونها آخر معقل يسيطر عليه الإرهابيون ولا خيار أمامهم اليوم سوى العودة إلى بلدان المنشأ أو القتل على الأراضي السورية، وبالتالي فإن ما بعد 15 تشرين الأول ليس كما قبله، فأي تنظيم إرهابي لا يتم تفكيكه وإلقاء سلاحه ستجري مكافحته بعمل عسكري والتي نرجح أنها آتية لا محالة لإنهاء أزمة المحافظة.
وعليه، فإن الوضع في إدلب في طريقه للحل إن لم يكن عن طريق الدبلوماسية فسيكون عن طريق العمليات العسكرية التي يعد تحقيق النصر فيها مسألة وقت لا أكثر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن