ثقافة وفن

لولا الجانب الإنساني لكانت اللوحة بلا روح … خالد النجاد بايز لـ«الوطن»: أسعى إلى إيجاد هويتي الخاصة في الواقعية عبر أعمالي المرسومة بالمقلوب

| سوسن صيداوي

الإنسانية مع الواقعية، إن عشنا من دون تفاؤل، أو عدم التفكير بحدود الأمل اللامحدودة، فلن يكون هناك يوم جديد ولا إنسان جديد ضمن سلسلة هذه الحياة التي ستستمر بغض النظر عن طريقتنا بالتفكير، لهذا وفي هذا الوقت الحرج والذي منه نخرج من حرب مدمرة على كل الصعد، دعوة، لنكون إنسانيين من الواقع.
هذه نظرته ولم تتغير من خلال خربشاته التي كان يرسمها ولا يفهم معناها لأنه كان يجمع حفنة من سني العمر، يمضي اليوم الفنان خالد النجاد بايز مع-خربشاته الطفولية- راسماً لنفسه خطاً ومكوناً بصمته التي ميزته بين المتابعين للفن التشكيلي والرائدين له. وفي هذه الفترة افتتح معرضه في صالة غاليري جورج كامل بدمشق-بغياب الفنان- لكن ضمن حفاوة وترحيب كبيرين بتجاربه التي تزداد تطوراً وإدهاشاً، مع تمنيات مفعمة بالحماس بأن يسعى ويحث الخطا محققاً ما سمّاه الفنان الشاب مدرسته الواقعية الخاصة، «الوطن» كانت في الافتتاح وتواصلت مع الفنان وإليكم بالنقاط، مع آراء لأساتذة في الفن التشكيلي السوري.

الكلمة لـلفنان

بداية الفنان خالد النجاد بايز يحدثنا عن الألوان التي استخدمها في الأعمال فيقول: «في اللوحات كنت استخدمت الألوان الزيتية والإكريليك، الإكريليك كبداية للوحة وتأسيس اللون، وثم لوضع الألوان الأساسية، بعدها انتقلت إلى إعطاء الأشكال والأشخاص الواقعية من خلال الألوان الزيتية، عبر التفاصيل أو الشعور بماهية الأشياء المرسومة التي لا يمكن للإكريليك أن يعطينا إياها».
وعن الجانب الإنساني الذي صوره الفنان النجاد وانتبه إليه الزوار تابع حديثه: «نعم… أنا أحاول دائماً إظهار نوع من الإنسانية في لوحاتي، وبالفعل ذلك ليس عن طريق لوحة واحدة، بل الفكرة تكون موجودة في المعرض ككل، ولكن كل لوحة تتطرق إلى زاوية أو إلى نقطة معينة من الموضوع الكلي الذي يتكلم عنه المعرض، وبرأيي لولا الجانب الإنساني لكانت اللوحة بلا روح، لأن الأخير هو روح اللوحة، ومن دونه تبقى اللوحة ناقصة وبعيدة عن الاكتمال، أيضاً المتلقي يشعر نوعاً ما ومن خلال الجانب الإنساني بقربه من اللوحة وتعلّقه بها».
وحول قدرته على تكوين بصمته الخاصة والتي أصبحت تميزه من بين الفنان على الرغم من صغر سنه يضيف: «إنّ أهم ما يمكن أن يقدمه الفنان- وخاصة في عصرنا- هو إعطاء فنه لمسة من شخصيته، وبالتالي أين القيمة الفنية للأعمال إن لم تكن تحمل بصمة الفنان، بالطبع هذا الشيء مهم جداً في الواقعية لكونها أقدم مدرسة في الفن، وجميع من رسم أو تعلم الرسم أو أصبح اسماً لامعاً في الفن، لابدّ له من المرور في المرحلة الواقعية، لهذا من الصعب جداً إيجاد هوية أو أسلوب يميّز في الفن الواقعي، ولكنه ليس مستحيلاً، وإذا وجد الفنان لونه الخاص أو هويته الخاصة في الواقعية وخاصة الواقعية المفرطة، فهذا بحد ذاته تحدٍّ كبير، وعندها يستطيع الناقدون والفنانون تمييز أعمال الفنان مباشرة من بين الأعمال الحديثة أو المعاصرة، لأنه-و برأيي-يكون قد خرج بواقعيته إلى بعد واقعي جديد خاص فيه، وفي النهاية هذه النقطة بالذات التي أحاول إظهارها عن طريق رسم أعمالي الفنية بالشكل المقلوب، وبالطبع الفكرة غريبة ويصعب فهمها على الناظر إلى اللوحة بتمعن، ولكن بالنهاية سوف يحب الشكل ويتمتع برؤية عالم مقلوب كلّه رأسا على عقب».
وفي كلمته الأخيرة لسوريته البلد والوطن يقول: «كنت أتمنى لو أن أكون حاضراً في افتتاح معرضي ومشاركة الناس لفرحتي الكبيرة، ولكن وبالرغم من كل الظروف والمشاكل والحرب التي أنهكت البلد، سنعود كي نزرع الورد من جديد».

رؤية من بعد متابعة
من بين الحضور سُعد الفنان التشكيلي وليد الآغا بما رأى من أعمال استطاعت أن تدهشه كما باقي الحضور، معتبراً الأمر ليس بغريب لكونه تلقى هذه الدهشة سابقاً من خلال متابعة أعمال الفنان، حيث يقول: «بداية أحب أن أشير إلى نقطة مهمة جداً وهي أن اللوحة تقاس بما يفكر به الفنان، وما يريد أن يوصله للمتلقي ومدى تملّكه لأدواته، ومن بعدها تأتي مساحة العمل سواء أكان كبيراً في الحجم أم صغيراً، إذاً المساحة لا تعني شيئاً، عندما يكون الحسّ الفني عند الرسام واضحاً وهو في الأساس يسعى من خلال ما يطور به شخصيته كي يُغني نفسه ويكون بالنتيجة إنساناً حقيقياً بكل الحالات التي يعيشها. وفي المواضيع أن المرأة موجودة في أعماله وكذلك الطفل والرجل، فالإنسان حاضر بكل الأعمال، إذا استطاع الفنان خالد النجاد أن يعيش كل تلك الحالات ويختصرها عبر الأعمال، بل يبدع في أعمال بمنتهى الرمزية الجميلة. وأحب أن أضيف بأن الفنان خالد وبالرغم من أنه شاب، إلا أنه متملّك لكل أدواته ويتمتع بقدرة فنية عالية، والمعرض بشكل عام له حضوره عبر الدهشة التي حققها للزوار، كما استطاع الفنان أن يدهشنا بآلية الطرح، لكونه استطاع أن يكوّن بصمته الخاصة والواضحة. وأيضاً أحب أن أشير إلى أنني كنت على اطلاع ببعض أعماله من قبل، ولكن اليوم بحضوري للمعرض ورؤيتي المباشرة للأعمال أقول: إن خالد استطاع أن يحقق لي الدهشة، وفي النهاية المعرض جميل ومدهش ومشغول بحب كبير، وإن شاء اللـه فسنرى له عطاءات جديدة ومدهشة في معارض قادمة على الأكيد».

من التقديم… كلمة
في كلمة عن الفنان كان الفنان التشكيلي د. باسم دحدوح قد ذكرها وطُبعت في البروشور الذي وُزع أثناء افتتاح المعرض حيث يقول: «في وقت الحروب، يتم الإصغاء فقط لصوت المدافع، حيث لا يهتم الناس في العالم أجمع إلا بأصوات وصور الحروب، وفي خضم ما نحن فيه من أزمات وأزمات.. واحتراب، نجد أنفسنا في هذا المعرض نتنفس شيئاً من الطيب يشعل بدواخلنا توقاً نحو الجمال».
معرض يردّنا ولو لحين إلى إنسانيتنا ويضعنا أمام تساؤل كبير.. مع وقع طبول الحروب.. هل هناك فسحة ومتسع للحب والجمال؟
يستضيف غاليري كامل للفن المعاصر بدمشق، معرضاً للفنان السوري خالد النجاد… فنان.. شاب مجتهد.. متملك من أدواته التصويرية في محاكاة الواقع وتجاوزه، ولديه رؤية حداثوية تحتضنها بانضباط مهارات أكاديمية، رصينة.
إن لوحاته في أغلبيتها تحمل وجهة نظر واضحة ومشروعة في الخروج عن المألوف فتخيلنا لوحاته على أعمال باسيليتز، التي كانت دائماً تحمل طابع (المختلف) وقد أضافت إلينا اكتساب خبرة جديدة في تلقي العمل الفني، برؤية متغيرة، في محاولة لتخليص أنظارنا من سطوة الموضوع أو المضمون، وذلك من خلال تقديم أعماله بشكل مقلوب. وهكذا يجعلنا هذا الرسام نفكر بقلب رؤوسنا لرؤية أعماله واستيعابها.
علّنا نقف أمامها على أرض صلبة، في محاولة لاستيعاب مهاراته التصويرية التي لامست الهيبريلالية.
إن عمله يقوم على مواجهة الواقع بعقلية المراقب والمتلمس لجميع التفاصيل في العالم الواقعي. ومحاولة لدمج العالم الافتراضي لواقع متخيل مع الهيبريالي، وما يقدمه لنا الفنان خالد، ما هو إلا شهادة على هذا الاندماج بين عالمين. معرض جدير بالمشاهدة.. وننتظر من الفنان المزيد والمزيد من فسحات الأمل المرتجى لجمال نكاد نفتقده.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن