شؤون محلية

سورية للأغنياء أم للفقراء

| نبيل الملاح

لوحظ في الآونة الأخيرة التركيز على المهرجانات والاحتفالات والحفلات الفنية والثقافية والسياحية والترويجية، بشكل لافت للنظر، وكأننا نعيش حالة رخاء ورفاه؛ أتمنى أن نصل إليها في يوم من الأيام..
إن الأزمة التي مرت وتمر بسورية أدت إلى ترتيب أعباء كبيرة وكبيرة جداً على الدولة، وفي الوقت نفسه أدت إلى تراجع دخل المواطنين في مقابل ارتفاع تكاليف المعيشة بما يزيد أضعافاً مضاعفة على الدخل، ويشكل هؤلاء أغلبية الشعب السوري، وهم صابرون محتسبون ينتظرون تحسن الأحوال للخروج من ضيق العيش والحرمان من الغذاء والعلاج واللباس اللازم لاستمرار حياتهم بالحد الأدنى، وهؤلاء بالتأكيد لا يحلمون بالذهاب إلى المتنزهات والمطاعم والمولات؛ ولا حتى إلى الحدائق لعدم قدرتهم على تحمل أجور النقل وألعاب الأطفال.
وكلنا يشاهد المتسولين الذين يكثر عددهم يوماً بعد يوم في كل مكان وفي المناطق والشوارع كافة، وفي الوقت نفسه نشاهد السيارات الفارهة التي يزيد عددها بشكل ملحوظ، وكذلك المطاعم والمقاهي الفخمة التي لا تقل وجبة الغداء أو العشاء فيها عن عشرة آلاف ليرة سورية للشخص الواحد، وهي غالباً ما تكون ممتلئة بروادها.
فمن هؤلاء؟ ومن أين جاؤوا بهذه الأموال التي يصرفونها بترف مستفز؟ أعتقد جازماً أن هؤلاء ليسوا من طبقة الأغنياء في سورية الذين عملوا في التجارة والصناعة وساهموا في دعم الاقتصاد السوري والتزموا قوانين الدولة وأنظمتها؛ وإن كان بعضهم ليسوا كذلك.
إن معظم هؤلاء هم من الفاسدين والمفسدين وأثرياء الحرب الذين جمعوا ثروات ضخمة بطرق غير مشروعة وبدؤوا العمل في إقامة مشاريع استثمارية كبيرة، ويسعون بكل الوسائل والسبل لإطالة أمد الأزمة وإعاقة مشاريع الإصلاح ومكافحة الفساد إدراكاً منهم أن المضي قدماً في هذه المشاريع سيؤدي حتماً إلى محاسبتهم واسترداد الأموال التي نهبوها.
لقد استوقفني مقال للكاتب عصام داري بعنوان: «تشكيل حكومة!» الذي دعا فيه إلى تشكيل حكومة صغيرة العدد كبيرة الفعل من رئيس الوزراء و12 وزارة، يأتي في مقدمتها «وزارة الأخلاق ومكافحة الفساد» وفي آخرها «وزارة الرفاه الاجتماعي» ووزارة واحدة للحربية والداخلية والأمن العام، وتعمل هذه الحكومة على ضغط النفقات وتوفير المال اللازم لزيادة الرواتب والأجور من خلال مصادرة أموال الفاسدين.
ولأهمية ما تضمنه هذا المقال، فسأبدي بعض الملاحظات والأفكار:
1- إن واقع عمل الوزارات والمؤسسات والإدارات، يجعل مسؤوليات الوزير كبيرة ومتشعبة وتتطلب وقتاً وجهداً كبيراً من الوزير، وعوضاً عن تقليص عدد الوزارات، يمكن إعادة النظر بالكثير من الهيئات والمؤسسات التي أحدثت وأثبتت التجربة عدم جدواها.
2- إن إحداث وزارة لمكافحة الفساد يعني أن هذه الوزارة تعمل ضمن إطار الحكومة وتلتزم بتوجيهات وقرارات مجلس الوزراء، والأصح بل الصحيح أن يتم إحداث هيئة لمكافحة الفساد ترتبط برئيس الجمهورية.
3- لا يجوز ضمن إطار الدولة المدنية الديمقراطية دمج وزارة الدفاع ووزارة الداخلية بوزارة واحدة، والأصح أن تبقى وزارة الداخلية وأجهزتها ضمن إطار مدني وقانوني.
4- إن ضغط النفقات يمكن أن يتم من خلال مكافحة الفساد أولاً، ومن خلال ضبط الإنفاق المنفلت في وزارتي الثقافة والإعلام والمؤسسات التابعة لهما، والحد من إقامة المهرجانات والتظاهرات التي تأتي في وقت غير مناسب وتكبد الدولة نفقات باهظة؛ الأولى تخصيصها لمساعدة المحتاجين ومشافي الدولة.
لابد من وضع رؤية إستراتيجية واضحة لمستقبل سورية ما بعد الأزمة، وتحديد الأولويات في ضوء الواقع والإمكانات المتاحة، وإعطاء الأولوية لمعيشة الناس وذوي الدخل المحدود، وإعادة بناء مؤسسات الدولة بناء سليماً يجعل الجميع تحت سلطة القانون والمحاسبة، ويحافظ على كرامة المواطن ورفاهه وإن تحقيق هذه الأولوية يتطلب دفع عجلة الإنتاج وإعادة تنشيط الاقتصاد من خلال توفير المناخ والبيئة اللازمة لذلك، ووضع الخطط والبرامج التي تؤدي إلى زيادة الدخل القومي وتوزيعه توزيعاً عادلاً.
يجب أن تكون سورية للجميع، وللفقراء قبل الأغنياء، ولا يجوز أبداً استمرار وترسيخ المظاهر التي تحدثت عنها، ولابد في هذه المرحلة بالذات من منع كل ما يؤذي مشاعر الناس الذين يعيشون حياة صعبة وقاسية ويرون أمام أعينهم هؤلاء الأثرياء الجدد والفاسدين، يعيشون حياة مترفة، ولا يراعون مشاعر الناس الفقراء الذين يشكلون أغلبية الشعب السوري.
وعلينا جميعاً تقديم الرؤى والأفكار للنهوض بسورية والوصول إلى مستقبل واعد، وهذا يتطلب، وفي هذه المرحلة بالذات، الاستعانة بأصحاب العلم والخبرة والتجربة من رجال الدولة المتقاعدين.
ستبقى سورية لكل أهلها، للفقراء، وللأغنياء الشرفاء فقط، ويخطئ من يراهن على غير ذلك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن