قضايا وآراء

المواجهة المنضبطة

| سامر ضاحي

منذ سقوط الطائرة الروسية «إيليوشن 20» في 17 أيلول الحالي والعالم يترقب رد الفعل الروسي على المتسبب الرئيسي بإسقاطها، نظراً لحجم الغضب الذي أظهرته موسكو ولا سيما تجاه الاحتلال الإسرائيلي بعد تأكيدها الأحد بالبيانات أن الطائرات المعتدية الإسرائيلية المعتدية على السواحل السورية هي من اختبأت خلف الطائرة الروسية واستغلت هبوطها لتشن عدوانها واختبأت خلفها من أجل أن تقي نفسها من الدفاعات الجوية السورية.
ولعل إسرائيل كانت تخشى كثيراً من ردة الفعل الروسية فسعت مراراً لاتهام دمشق بالاستهداف المتعمد كي تزرع شرخاً بين العاصمتين الروسية والسورية وهو ما لم تنجح به، كما أن الروس لم يعيدوا النظر باتفاق أمن التحليقات بينهما فحسب بل امتد ذلك إلى إعلان تزويد دمشق ببطاريات دفاع جوي حديثة من طراز «إس 300»، ولكن هل انتهت القصة هنا؟!
رافق اتصال الرئيسين فلاديمير بوتين وبشار الأسد توجيهات من زعيم الكرملين لقواته المسلحة وخاصة الجوية منها بفرض إغلاق للمجال الجوي السوري منعاً لأي اعتداء على سورية، ولكن هل فقط إسرائيل المعنية بهذا القرار؟!
لا تنفك روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي عن تأكيد عودتها إلى ساحة التنافس الدولي مع الولايات المتحدة الأميركية واليوم لا تبدو العلاقات بين القوتين العالميتين على سجيتها الطبيعية إنما يعتريها الكثير من التناقضات والتشنجات، ولا اتفاق بينهما إلا على أمن التحليقات فيما يتعلق بالأزمة السورية على وجه الخصوص.
وليس من المصادفة أن يشهد الإقليم تصاعداً في التوترات بدءاً من ملف إدلب الشائك الذي نجح رعاة أستانا بتبريده مؤقتاً عبر اتفاق إدلب المعلن يوم الاثنين الماضي، مروراً بزحف الجيش العربي السوري ببطء نحو قاعدة التنف الأميركية على الحدود مع العراق وتكثف اللقاءات بين مسؤولين سوريين وعراقيين حول فتح المعابر بالتزامن مع تسريبات متضاربة حول نية واشنطن إغلاق قاعدتها في التنف، أضف إلى ذلك أن «إسرائيل» التي تعيش أزمة تتعلق بالملف الفلسطيني الداخلي والانتقادات المتزايدة لرئيس حكومتها بنيامين نتنياهو باتت بحاجة أكثر من أي وقت مضى لعدوان خارجي على سورية أو لبنان لتمحو صورة الطائرة الروسية من الذاكرة الإقليمية والعالمية.
كما أن عملية الأهواز الإرهابية التي قضت مضاجع الإيرانيين في يوم احتفالات انتصاراتهم، وتهديد إيران بمعاقبة من كان خلف الاعتداء شر عقاب يوحي بان حرارة الإقليم ستتصاعد خلال الأيام المقبلة، وإن كانت كل الأطراف حريصة اليوم على التهدئة إلى حين الانتهاء من اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل.
وبناء على ما سبق تبدو موسكو اليوم حريصة على مواجهة عقلانية مع واشنطن في سورية مع إدراكها أن غرب سورية ليس على أولويات إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبذات الوقت تدعم بصمت تقدم الجيش باتجاه التنف وهي غير مرتاحة لتضخيم الاحتلال الأميركي قواته وقواعده في شمال غرب سورية، لاسيما بعد نجاحها بصياغة تفاهمات في الجنوب السوري أفضت إلى استعادة الجيش لكامل درعا والقنيطرة دون مواجهة بين الجيش والاحتلال الإسرائيلي.
في المقابل لا يبدو أن واشنطن ستستسلم للخطة الروسية فهي ترى أن الوقت اليوم مناسب للتصعيد مع روسيا، وأن أمام ترامب فرصة العمر لشن سياسة هجومية على النفوذ الروسي في سورية، في ظل حالة من تخبط الولاءات الداخلية في المناطق الحدودية السورية، لاسيما استغلال الانعزال الكردي في المنطقة، والضغط أكثر على الولد التركي غير المطيع الذي يبدي رغبات أكثر من ذي مضى باللعب خارج حدائق الناتو.
ومع زوال مسوغات أي عدوان أميركي على سورية وإقرار اتفاق إدلب، فإن واشنطن لن تكون قادرة على تبرير إلا ما قد تشنه من اعتداءات على الجيش وحلفائه في البادية بزعم حماية قاعدتها لكنها بذات الوقت باتت تنظر إلى الـ«إس 300» بحذر فهو قادر على تغطية كل الأجواء السورية ولعل كلمة كل لا تنطبق على السواحل السورية بقدر ما تتناسب ونيات أميركا بفرض حظر جوي على شرق سورية.
من هنا يمكن القول إن واشنطن ستضطر في المرحلة المقبلة إلى الرضوخ إلى ما يمكن تسميته مواجهة منضبطة مع الروس بانتظار صياغة أي تفاهمات دولية أو إقليمية في سورية تقيها أي استخدام للصواريخ الروسية الجديدة.
من الناحية التركية فإن وصول «إس 300» سيدفع تركيا إلى التفكير ملياً بإنجاز تعهداتها في إدلب مع معرفتها أن هذه الصواريخ قد تنال من أي محاولة جوية تركية لإعاقة هجوم مقبل للجيش على إدلب في حال فشلت تركيا بتعهداتها، وهي الساعية بقوة لامتلاك «إس 400»، ومن جهة أخرى يبدو الأتراك سعيدين لوصول «إس 300» إلى سورية فهو ضامن مرحلي لتنفيس التضخم الأميركي الكردي على حدودها الجنوبية وهو ما يعني اتجاه تركيا أكثر للحوار مع موسكو لتعجيل صفقة ما من قبيل «إدلب مقابل الكرد» ولا سيما أن الملف الكردي لم يشهد أي تقدماً منذ قرابة عام حين فتحت دمشق ذراعيها للتحاور معهم.
على الجانب الإيراني، فإن أي قوة مضافة على الساحة السورية لحلفاء دمشق من شأنها دعم موقف إيران التفاوضي مع الولايات المتحدة حول الاتفاق النووي من جهة وحول المساعي الأميركية لقصقصة النفوذ الإيراني في سورية خدمة لإسرائيل، ومن شأن منع قيام حظر جوي أميركي في شرق البلاد أن يؤمن استمرار الإمدادات الجوية العسكرية الإيرانية للحليف السوري والتي تقض مضاجع الإسرائيليين، وتزيد من الضغط على بعض الدول العربية التي سارت بعيداً عن دمشق خلال الأزمة، لا بل عادتها.
مما سبق لا يتبقى أمام إسرائيل ومن خلفها واشنطن حين الرغبة بشن أي عدوان على سورية إلا استخدام أجواء دول عربية مجاورة كالعراق والأردن وهذا ما يضع عمان وبغداد أمام مسؤولياتهما بموجب اتفاق الدفاع العربي المشترك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن