ثقافة وفن

سوق مدحت باشا أطول الأسواق الدمشقية وأكثر جمالاً

| منير كيال

يمكن القول إن سوق مدحت باشا، أطول أسواق مدينة دمشق القديمة، فهو يشطر مدينة دمشق القديمة شرقاً بغرب، ويوصل بين الباب الشرقي وباب الجابية لمدينة دمشق ويعرف باسم الطريق المستقيم.
كان عن يمين ويسار هذا السوق رواق بعرض 6.8 أمتار، فيستخدم أحد الرواقين من يتجه شرقاً ويستخدم الرواق الآخر من يتجه غرباً، كما يتخذ هذان الرواقان للبيع والشراء. أما القسم الأوسط من الطريق المستقيم فهو لقضاء الناس حاجاتهم، كما كان هذا الطريق يتباعد عند قوس النصر، الذي لا يزال قائماً بمحلة الخراب من مدينة دمشق، فضلاً عن ذلك فقد كان هذا الطريق المستقيم يتعامد مع طريق آخر يقطع مدينة دمشق من الشمال إلى الجنوب.
يعود إنشاء سوق مدحت باشا، إلى زمن الرومان سنة 64 ق.م وقد جعلوا على جانبي هذا السوق صفين من الأعمدة التي من الطراز الكورنتي وذلك على غرار ما كان لجميع مدنهم.
وقد عرف الجانب الغربي من هذا السوق باسم سوق جقمق زمن المماليك، وذلك نسبة إلى نائب السلطنة المملوكي جقمق، وهو الذي تنسب له المدرسة الجقمقية وخان جقمق بسوق مدحت باشا.
أما إطلاق تسمية مدحت باشا على هذا السوق، فهو نسبة إلى الوالي العثماني مدحت باشا، الذي قام بتوسيع السوق، بعد أن قام بإحراق العديد من الدور، التي كانت بموقع التوسعة، ثم قام الوالي العثماني ناظم باشا بتغطية السوق بالحديد والتوتياء سنة 1890 م حماية له من الحريق، بعد أن كان السقف من الخشب زمن المماليك.
لكن ذلك لم يمنع من احتراق سوق مدحت باشا سنة 1925 م بفعل قصف القوات الفرنسية المستعمرة لسورية خلال قصفها منطقة سيدي عامود خلال الثورة السورية الكبرى، فاحترقت سيدي عامود وأصبح اسمها الحريقة.
وقد كان يطلق على السوق زمن المماليك سوق جقمق نسبة لخان جقمق الذي بهذا السوق.
ومن جهة أخرى، فإن كلاً من سوق مدحت باشا وسوق الحميدية، أقرب إلى التوازي بالاتجاه من الشرق إلى الغرب، إلا أن سوق مدحت باشا أكثر طولاً من سوق الحميدية، وتمتد هذه الزيادة من مكان تفرع سوق البزورية عن سوق مدحت باشا وحتى الباب الشرقي. وهي المنطقة غير المغطاة من سوق مدحت باشا.
ونجد بسوق مدحت باشا مشيدات تعود إلى العصر المملوكي، ومشيدات تعود إلى العصر العثماني، ونذكر من مشيدات العصر المملوكي، جامع سيدي هشام الذي يتميز بمئذنته البديعة، وإطلالها على سوق الصدف، وخان الدكة وخان جقمق.
أما مشيدات العصر العثماني، فكان منها: خان سليمان باشا، وخان الزيت الكائن بين خان الدكّة، وخان جقمق المملوكيين، وقد تميزت هذه الخانات، بأبوابها المشرعة وأقواسها البديعة.
يتفرع عن سوق مدحت باشا تفرعات عدة، منها ما كان بالجانب الشمالي من هذا السوق، ومنها ما كان بالجانب الجنوبي منه.
فمن التفرعات التي بالجانب الشمالي من سوق مدحت باشا ما كان منها يوصل إلى الحريقة، كتفرع نزلة حمام القاضي. ثم تفرع سوق الحرير والخياطين الموصلين إلى بداية سوق الحميدية الشرقية وبالاتجاه شرقاً نصل إلى تفرع البزورية، ثم التفرع إلى مكتب عنبر، وهو بزقاق المنكنة من حي الخراب. وتسمية مكتب عنبر هي نسبة لدار يوسف عنبر، وهو أحد أثرياء مدينة دمشق، وقد شيد الطابق الأول من هذه الدار سنة 1867 م، ثم استملكت الدار لدين عليه، وبعد ذلك تحول البناء إلى مدرسة سنة 1886 م، عرفت باسم مكتب عنبر، وكان لهذه المدرسة شأن بالحركة الثقافية والنضوج القومي بأوائل القرن العشرين، ثم تحول البناء إلى مدرسة للفنون النسوية، ثم جعلته وزارة الثقافة قصراً للثقافة.
وبعد تفرع مكتب عنبر سوق مدحت باشا نصل إلى تفرع يوصلنا إلى حارة الخمارات المؤدية إلى حي القيمرية، وبعد ذلك لا تجد تفرعاً بالجانب الشمالي لسوق مدحت باشا إلا التفرع الذي عند القشلة، وهو التفرع المؤدي إلى باب توما.
ونجد إلى الشرق من تفرع سوق البزورية موقعاً بسوق مدحت باشا يعرف باسم مئذنة الشحم، وقد كانت تسميتها نسبة إلى مئذنة الشحم وذلك لما يصنع بها من صناعة يدخل بتركيبها الشحم، كالصابون والشمع وهذا الموقع بالغرب من مسجد صغير يعود إلى العهد المملوكي. وبقبّة الشحم قبة أو مئذنة هي أعلى موقع بمدينة دمشق القديمة وهذا الموقع هو المعروف باسم تلة السمّاكة التي تعتبر شاهداً على تشكل مدينة دمشق منذ آلاف السنين.
وعلى الجانب الجنوبي من سوق مدحت باشا تفرعات نذكر منها تفرع سوق عند البداية الغربية لسوق مدحت باشا نذكر منها: سوق النسوان عند باب الجابية، وهو يوازي سوق مدحت باشا، بامتداده من الغرب إلى الشرق بين سوق السكرية وسوق القطن، وعن هذا السوق يتفرع سوق البالة عند مدخل زقاق البرغل.
ونجد بهذا الجانب الجنوبي من سوق مدحت باشا تفرعاً يقابل سوق البزورية، وهو تفرع الدقاقين الموصل عبر شارع حسن الخراط إلى الباب الصغير أو باب الحديد الذي يفصل بين قسمي حي الشاغور البراني والجواني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن