الأولى

لكي لا تتناثروا…!

| نبيه البرجي

من يقول لذلك النوع من العرب، عرب الغياب الكبير والغيبوبة الكبرى… متى ترفضون أن تكونوا الحجارة على رقعة الشطرنج؟
يا للغباء حين تتقاطع لعبة القبائل مع لعبة الأمم! معاهد بحث أوروبية، وأخرى أميركية، تتحدث عن تفاعلات في منتهى الحساسية ترصد الآن في الدول العربية التي طالما اعتمدت، في أمنها الإستراتيجي، على الولايات المتحدة.
باحثون كبار يدعون إلى النظر ملياً في المسار الميداني للأحداث في سورية. يقولون، ليست قواعد الاشتباك هي التي تتغير. إنها قواعد اللعبة. بطبيعة الحال، هذا له انعكاساته على كل زوايا المشهد في الشرق الأوسط.
باراك أوباما قال لهم «المشكلة فيكم». حتى في القرون الوسطى لم تكن مثل تلك الظواهر الهجينة في هيكلية السلطة. تريليونات الدولارات ذهبت إلى الخزائن الأميركية.
احدى الدول الثرية دفعت لأعضاء في الكونغرس ما يربو على مليار ونصف مليار دولار على امتداد السنوات السبع المنصرمة. لا للتأثير في سياسات هؤلاء، وإنما لإقامة شبكة أمان في تلة الكابيتول بعدما تردد عن خطة لإحداث تغييرات دراماتيكية في بعض الأنظمة الحليفة لتكون أكثر قابلية، ولو في الشكل، للتفاعل مع ديناميات القرن.
هكذا لم ترتجف أصابع أحدهم، وهو يوقع عقوداً (أو صفقات) بنصف تريليون دولار، دون أن يأخذ في الحسبان الاختلال الأخلاقي، والاختلال السيكولوجي، في شخصية المهرج.
النتيجة مراقصة الهباء. دونالد ترامب يتعاطى مع «أولياء الأمر» كما الدمى التي تتدحرج على غير هدى في الأروقة الأميركية.
لا بل إن ثمة ما يتناهى إلى آذانهم، ويثير الهلع لديهم. الرئيس الأميركي بدأ يشتكي من هشاشة الحلفاء. الطامة الكبرى حين يشتكي من «انتهازيتهم» في موضوع النفط. ما أن يغرّد، ويصغي إلى نصيحة جون بولتون بأن التلويح «للعصاة» بالعصا لم يعد يجدي، حتى يجثوا بين قدميه.
التغيير ضروري. ألم تفعل ذلك واشنطن مع أعتى حلفائها؟ الأدلة لا تحصى. الأوروبيون يقولون إن التململ من إستراتيجية «نهش الكلاب» التي تنفذها الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط، لم يعد يقتصر على المجتمعات. في ما يشبه «أنين الدجاج» تشتكي الأنظمة من الإهانات المتلاحقة التي يوجهها ترامب إليهم أمام الملأ.
لا خيار آخر سوى المضي في فلسفة التبعية. هذا ما يجعل دبلوماسيين أميركيين، وأوروبيين، مخضرمين، يلاحظون أن الأمور لا يمكن أن تستمر بالإيقاع الحالي. هم من يتحدثون عن الانفجار الذي بات حتمياً في القصور التي «كما لو أنها مستودعات الديناصورات».
أكثر من ذلك، ما يتردد في الغرف المقفلة من أن البيت الأبيض الذي وضع، مع عواصم عربية، تصورات محددة حول السيناريو الذي ينبغي اعتماده لتنفيذ «صفقة القرن»، لم يعد يأبه حتى بالاعتراضات الشكلية من تلك العواصم.
هذه تشعر بأن ترامب دفعها إلى الزاوية، وربما دفعها إلى ما هو أكثر فظاعة بكثير، من دون مراعاة الحساسيات لدى الشركاء في مواقف، وخطوات، تنعكس عليهم بطريقة يمكن أن تزعزع عروشهم.
ريتشارد هاس، الدبلوماسي المخضرم، أشار إلى «دبلوماسية الثيران» التي ينتهجها البيت الأبيض. لاحظ أنه «يحطم أصدقاءه الواحد تلو الآخر، ثم يمشي فوق جثثهم» من أجل تحقيق الصفقة.
ندرك تماماً أن الثلاثي هنري كيسنجر ودنيس روس واليوت أبرامز كانوا يراهنون على استخدام سورية بوابة احتفالية إلى الصفقة. كلياً سقط الرهان ودول عربية مهددة بأن تدفع الثمن الباهظ. متى يفترض أن تتنبه إلى أن الخطر يدق على الباب، لتتفلت من اللعب داخل الشقوق، وتمد اليد إلى دمشق؟
دمشق التي هي بيتنا، وهي ضميرنا في القضايا الكبرى، لا مناص من مدّ اليد إليها لتشكيل حزام واق، وفولاذي. هذا إذا كانوا يرصدون من يحاولون، من الكبار، غسل أيديهم من كل ما ارتكبت أيديهم، وما يقال في المحافل الأميركية والإسرائيلية على السواء حول تغيير الخرائط، وتغيير الصيغ، لدى الأنظمة الحليفة.
نقول لهم: «لكي لا تتناثروا…»!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن