ثقافة وفن

«بتشوف بكرا»!

| إسماعيل مروة

مع الصباح تبدأ تراتيل فيروز، وتنداح آلامها الرقيقة بتشوف بكرا بتشوف، وترقص الروح لنداوة الصوت والشجن والمعنى، ويبقى الأمل معقوداً برؤية الغد، ولكن هذا الغد قد لا يأتي من ذاته، وقد لا يشهده المدعو للرؤية، قد ينطمر تحت حجر الأبدية، قد يتماهى مع شظية قادمة من بعيد أخطأت غايتها أو أصابتها، قد يغطيه رماد كثيف فيجعل المشهد مقززاً ومنفراً، وقد يغطيه الدم فيصبح مخيفاً.
ونادراً ما تعلوه ابتسامة أو زهرة لتحوله إلى إشراقة بوجود المرئي أو بغياب الشاهد!
كل قصائدنا مرتبط بالغد
وأفعالنا مرهونة بالسين وسوف
ووعودنا لا تبدأ أمس ولا الآن
حياتنا الوجدانية والاجتماعية مرهونة دوماً بما بعد ليل، بما بعد ظلام، بما بعد موت مؤقت هو الغفوة التي قد تستمر طويلاً طويلاً..
الغد، بكرا، مخلوق متكامل، يأتي بريئاً، نظيفاً، ونحن نثقل كاهله بأحلامنا وآمالنا، بهمومنا ومشكلاتنا، يأتي وهو غير قادر على النطق، ما يزال وليداً، ونطلب منه أن يحمل أوزاراً، وأن يملك الحلول لكل ما نعانيه في حياتنا!
ما نجبن عن فعله ندعه للغد
وما لا نملك القدرة عليه نتركه لأتباعنا
وما نمارسه من عهر وخوف نلوك الآخرين بألسنتنا لأنهم يمارسونه
الأمس يرهقنا بما حمل من قضايا
والأمس يتربص بنا، ويحاول أن يفرض نفسه علينا
يريدنا الأمس أن نحياه، لأننا لم نفعل شيئاً، وقد نقلنا آمالنا منه إلى الغد
ولأننا نريد لكل غد أن يكون بعده غد فإننا نقنع بالأمس، نهمل اليوم، ونعجز عن رسم الغد
نعيش في الماضي، ونلصق به خيباتنا
وحدنا نعيش في الماضي
نستنجد بالأجداد، نطلب منهم الحلول
نعلن عجزنا عن مجاراتهم من دون مناقشة
ولأننا نلوذ بهم، نمنحهم القداسة..!
وفي حاضرنا نعجز عن الفعل، فنتناول غير الفاعلين بألسنتنا، ونشتم الفاعلين وغاياتهم، ودوماً نملك البراءة لأنفسنا، فنحن أنقياء مثل الشاش، مبدعون لا نجارى، والآخر دوماً لا قيمة له ولجهده وعمره وحياته!
نجبن عن فعل شيء، ونترك للغد أن يوجد الحلول لنا.
نريد الحياة والمال والمكانة، ولكن لا نعمل لذلك، ويجب أن يأتينا كل شيء!
نتآمر على أوطاننا، ونصوغ المعلقات التي تذم المتآمرين علينا!
نمارس الكذب، ونصف صدق الآخرين بالكذب!
ولكن العاقبة ستفضح كل شيء.. لا أقول بما سيحدث وفق المعتقدات هنا في هذا المكان.. ولكن الغد سيفضحنا عندما يكون حاملاً النتيجة الصفرية لما قدمناه..!
لا بأس.. لا أحد يستطيع المحاسبة.. نكون قد رحلنا عن دنيانا..!
وبتشوف بكرا بتشوف!!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن