من دفتر الوطن

محاولة للصراخ!

| عصام داري 

في مسرحية «صح النوم» للأخوين رحباني يكثر الحديث والطلبات بحضور الوالي «أنطوان كرباج» فيقول «زيدون المستشار» نصري شمس الدين: (لا بقى حدا يفتح تمو) لكن الوالي يقول بسخرية جميلة: (بالعكس يا زيدون تركن يفتحو تمون ويطبقوه.. ما نحنا سامحين بحرية الراي.. هن إلهن حق يصرّخو.. والسلطة إلها حق تسد دنيها).
ولأن الأمر كذلك وفق هذه الرؤية المسرحية الهزلية، فلا مانع من أن نصرخ بين ثانية وثانية، ما دامت السلطة ستسد آذانها، فلا هي ستسمع ما نقول ونكتب، ولا نحن سنتأذى من صوتنا العالي، مثل صوت «قرنفل» فيروز في المسرحية.
لكن السؤال الذي تبادر إلى ذهني استناداً إلى «مقولة» المسرحية الرحبانية هو: هل مهمة السلطة – أي سلطة – أن تلتزم الصمت وتسد أذانها عن الشكوى والصراخ وسيل الاحتجاجات على أخطاء وأغلاط تعرف أنها اقترفتها على رؤوس الأشهاد؟.
لا أرى أي مانع في ذلك، شريطة أن تلتزم تلك السلطة بالطرف الثاني من المعادلة، أن تترك عباد الله، أكانوا مواطنين عاديين، أم من حملة الأقلام والهموم والمتاعب، وتدعهم يصرّخون حتى تنبح حناجرهم، على الأقل سيصبح بمقدورهم أن يشيروا إلى الغلط، ومن ثم ينتظرون – إذا كتب لهم العمر الطويل – سلطة تفتح أذانها جيداً وتحاول أن تعالج مكامن الخطأ!.
الصحفي «يمشي الحيط – الحيط ويقول: يا رب السترة» – كما يقولون – لذا لا يجرؤ على قول كلمة بحق فاسد من العيار الخفيف، فكيف له أن يقترب من غيلان الفساد الذين امتدت أذرعهم إلى كل مؤسسات الدولة بقطاعيها الخاص والعام وصاروا إرهابيين بالسموكن!
وقد علمت مؤخراً أن السلطة التنفيذية في «سوري نام» الفيدرالية قررت محاربة صغار الفاسدين، وأعطت مهلة عدة أشهر أو سنوات كي يصحح هؤلاء أوضاعهم فإما أن ينضموا إلى نادي كبار الفاسدين، وإما في حال فشلهم، سيعاقبون بكف اليد والاكتفاء بما نهبوه من المال العام، ويا ويلي ما أفظعها من عقوبة!.
كما علمت – والعهدة على الراوي – أن سلطات تلك الجمهورية قررت عدم رفع أسعار الوقود بأنواعه في الشهرين المقبلين، وأن تعمل على تحسـين معيشة المواطن بأن تخفض أسعار الكافيار وأسماك السلمون والأناناس «الفريش» والأفوكاتو على مبدأ «خلِّ الشعب يشبع»!.
وفيما يخص العقارات فقد قررت تلك السلطة المهضومة أن تضع تسعيرة عادلة لبيع واستئجار البيوت والفلل والمحال بحيث لا يزيد سعر المتر المربع الجاهز للسكن على مليون، أو مليون ليرة «سورية نايمة»، ولا تزيد أجرة البيت في حي البحص الرمادي على ستين ألف ليرة!.
أخيراً أتمنى أن يكون كلامي برداً وسلاماً على قلب سلطات تلك الجمهورية البعيدة جغرافياً عن منطقتنا، والبعيدة كلياً عن هموم مواطنيها الذين سيعلنون قريباً حالة اليأس التام والجوع والفقر وأشياء أخرى لم تسمع عنها تلك السلطات على الإطلاق.
وأنا باعتباري مواطناً صالحاً في دولتي الجميلة أعلن تعاطفي التام مع مواطني جمهورية «سوري نام» الفيدرالية المتحدة، وأشكو أمري إلى الله! وعلينا أن نعترف بأننا نصرخ في واد عميق والسلطة تسد أذنيها!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن