ثقافة وفن

الضرب التأديبي للأطفال أسلوب تربية أم علاج؟

| ثناء السالم

يرفض بعض الباحثين مصطلح الضرب التأديبي ويجد فيه كل معاني العنف وإرهاب الطفل والتأثير سلباً فيه. إذاً ماذا نفعل إن جرّبنا كل وسائل ما قبل الضرب ولم تُجدِ نفعاً في بعض المواقف؟ ماذا نفعل؟ نقف متفرّجين أمام عصيان الطفل أو نضرب ضرباً مؤلماً بعض الشيء على اليدين أو الرجلين؟
عندما استمعت إلى بعض الآراء الرافضة للضرب رفضا تامّاً شعرت بالخجل لأنّي ألجأ إليه عندما أعيد الملاحظة أكثر من مرّة من دون حصول استجابة. وعندما عاندتني ابنتي قائلة عاقبي كما تشائين، احرميني من المصروف من اللعب في الشارع، اضربيني لا يهم، توجّهتُ إليها وفي نيّتي الضرب فتغيّرت مواقفها. قد يجد البعض في الضرب ثغرة عند الأهل أما أنا فأجد أن الموضوع يعود إلى طبيعة الطفل لذا سامحوني إن قلت أنا مع الضرب التأديبي وعلى مبدأ المثل القائل (رحم اللـه من بكّاني لا من ضحّكني). ويقول المثل أيضاً اسأل مجرّباً ولا تسأل خبيراً ونحن سنسأل الاثنين معاً ولكم حرية الاختيار في المناسب لكم:
أ. محسن سلامة: (مدرّس أول لغة عربية، متقاعد) بصدق أمة الضّرب أمّة الجهل، الجهل بفهم عالم الطفولة الغني بالأحاسيس والخيال العجيب، أمة تجهل هذا المخلوق المهيّأ للإبداع لن تعرف التقدّم والازدهار، المعلّم الكلاسيكي التقليدي الذي لم تدغدغ أحلامه عندما كان طفلاً معلّم خلاّق سيبقى لا يفهم سوى لغة قتل الإبداع قتل خيول الطموح عند الطفل رجل المستقبل وقائد المستقبل.
الأهل الجهلاء لن يعرفوا سوى لغة الضرب في الأول والآخر. أنا والله لم أضرب ابناً لي، لأن احترام الابن للآباء يجعل الأبناء أكثر انصياعاً، والضرب يجعله يخفي سلوكه، ويتعلّم الازدواجية، كله يعود إلى ذكاء الأهل أو جهلهم واستنفاد الفرص، وجود ثغرة في شخصيّة الأهل. الأهل الذين لم يعيشوا طفولة صحيحة هم آباء جهلة في تربية أولادهم بحسن نيّة، لا تصدّقي الإناء ينضح بما فيه. عند الآباء الأسوياء سيكون هناك بيت راق هادئ لا تسمع همسة أو كلمة نابية ولكن هذه قلة لأنّنا لم نتربَّ «صح»، لذلك سنكون آباء جهلة بعالم الطفل العجيب وخلق بيئة منزلية للإبداع. الثقة بين الآباء والأبناء حيث تربّوا صح في طفولتهم. والحمد لله أولادي كانوا أكثر ممّا أريد والله العظيم خلال أربعين عاماً لم أؤنّب واحداً منهم ولم أجد حاجة إلى توجيههم. البيت مدرسة سلوك وليس مدرسة وعظ. الطفل عندما تحترمينه يكبر قبل أوانه. الأولاد أهم من الجيران والأصدقاء، هذا الشعار يجعل المرء أباً ناجحاً لا يحتاج إلى ضرب أولاده.
حيّان عاصي (صحفي): أي موضوع بالحياة يقارن بالواقع الحالي وليس بالمنطق العام، اليوم لا يمكننا تطبيق الموضوع لعدّة أسباب أوّلها وجود الاستثناءات وعدم تهيئة الجيل الحالي على فكرة الضرب حالة تأديبية وبالوقت نفسه مجتمعنا غير قابل وليس مهيأ للتعامل بأسلوب راق وحضاري. البديل في الوقت الحالي غير موجود لأن مجتمعنا منقسم. النظريات تطبّق على مجتمع متساو بالفكر وبالمستوى المعيشي والبيئة، ومجتمعنا متفتت ومتفكّك ومنقسم لطبقات متناقضة، ولو أردنا تطبيق أيّ نظرية تختلف النيات عند المشرّعين والمنفّذين للنظريّة نفسها.
ياسين محمّد: لست مع الضرب أقول: التربية للبيت والتعليم للمدرسة عندما يتكاملان لا يوجد ما يستدعي الضرب. لا يمكن لطفل مهزوم من الدّاخل يتعرّض للضّرب أن يبدع.
إيفا إسبر(مدرّسة لغة إنكليزية): أنا ضدّ الضرب، لكنّي في بعض المرّات القليلة أضرب ضرباً خفيفاً باليد.
علي يوسف: (المكتب الإعلامي في مديرية التربية) أنا شخصيّاً ضد الضرب ومن الناحية التربوية هو طريقة فاشلة ومرفوضة، وتكون النتائج عكسية غالباً.
شادية شيباني:(مدرّسة تربية موسيقيّة): لست معه، كمرحلة أولى الحوار ثم الترغيب والترهيب وثالثاً الثواب والعقاب، المكافأة والحرمان.
حسام قعقاع (ممثل ومخرج مسرحي): طبعاً لا إلا في حالات نادرة مثلاً لمّا يقوم بأمر قد يؤذيه كاللعب بالكهرباء أو تفاصيل خطيرة أخرى وقتها قد أضربه على يديه بداعي الحرص.
سوسن رسلان: (أمينة سرّ معلوماتية): لست مع الضرب ولا أؤيّد فكرة الضرب. أحس أنه يولّد التمرّد ونوعاً من «الجكر» وردّة الفعل.
علاّم محمد: (ناشط حربي) أنا معه عند استنفاد الفرص، أحياناً يعطي نتيجة ولكن ليس الضرب بشكل إجرامي على يديه أو رجليه، وعند بعض الأطفال لا يعطي نتيجة. فعلى الطفل أن يعرف أن هناك عقوبة إن أخطأ. بصراحة أشعر بالتخبّط العاطفي فأندم بعد أن أضرب.
زينة زنك: (مترجمة) بصراحة لست مع الضرب قط، ولكن بصراحة أحياناً أضطر لمّا يكون في الموضوع قلة ذوق ومحاولة واضحة للتقليل من الاحترام وكسر الكلمة، أحاول أن أكون لطيفة قدر الإمكان لكن أحياناً تشعرين إن لم يُضرب الولد تذهب الهيبة. وأنظر إلى نماذج حولي لا يضربون أولادهم تحت أي ظرف وألاحظ أن هؤلاء الأطفال لا يقيمون وزناً للبالغين. لذا أضرب بأماكن غير مؤذية وبعد دقائق أشرح له لم اضطررت إلى ضربه، ولكن للأسف أشعر أن شخصية طفلي وشعوره قد تغيّرا، لكن ما باليد حيلة.
حيدر ديب (مدير مدرسة ومدرّس لغة عربية): الضرب التأديبي كعقوبة للطفل لا يمكن استبعاده من وسائل تقويم الطفل، ولكن ليس لأي طفل، وإنّما كعلاج أخير بعد استنفاد كل الوسائل التربوية من التنبيه والتحذير إلى الزجر والمنع والحرمان… إلخ. وطبعاً عند الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها الطفل متعمّداً مكرّراً ذلك، فربّما كان الضّرب التّأديبي ضابطاً لسلوك ذلك الطفل وقد يكون لمرة واحدة مثلاً.
كان هناك درس في المرحلة الإعداديّة على ما أذكر للمربّي الرّوسي العالمي ماكارنكو فتحدّث عن التربية والنظام كسلوك نربّي الطفل ليتعوّد النّظام وترك العادات الشائنة كقلة الانضباط ونكش الأنف ومحاولة التخريب.. إلخ، فقال: تبدأ التربية بالتحبيب والترغيب فإذا لم ينفع نلجأ إلى الزجر والتوبيخ بطريقة تربوية وإلاّ فإلى القسوة حتى ينتظم سلوكه.
حنان عاصي: (طالبة في المعهد الوطني للإدارة العامة): أنا مع الثواب والعقاب، إن لم ينجح فلا بد من الضرب من دون أن نضرب بأمكنة مؤذية. طبعاً الأمر يختلف من طفل لآخر. طفل يجب أن تضربه وآخر لا يُعامل بالضرب.
إحسان عبيد (إعلامي سابقاً): ارتفعت في بريطانيا مؤخراً دعوات لإباحة الضرب في المدارس، لكنّني أعتقد أن الضّرب بكل نواحيه حالة قمعية، تجعل شخصيّة الطفل مستلبة وانقيادية وضبابية بحيث لا يدري كيف يتصرّف لينال الثناء. هل هذا السلوك مرضيّ عنه أو لا وسينشأ بعده ما يسمّى حبّ الخوف للأب الظالم مستقبلاً(التملّق المغلّف بالحب)، فالحب الذي يظهره هو حب الخوف.. كثيرون كانوا يفدون صدّام حسين بحياتهم إظهاراً لحبهم له، ولكنّه حب الخوف منه.
شهلة ديوب (مدقّقة لغوية): في عالم متجدّد متطوّر في كل ثانية كعالم الأطفال، قد نجد أنفسنا حائرين في البحث عن طريقة للوصول إلى إنسان قويم ذي خلق متّزن. فيما يخص الضرب التأديبي أجد نفسي غير راغبة به مطلقاً، لكن هذا لا يلغي لجوئي إليه، أعتقد أن لكلّ موقف طريقة وأسلوباً للوصول إلى الحل. في تعاملي مع أطفالي ألجأ إلى أسلوب الثواب والعقاب وأجده مجدياً. وفي أشدّ الحالات وهي نادرة قد ألجأ إلى تنبيهة خفيفة مبتعدة عن الوجه لما له من آثار نفسية.
فاديا ديوب بكالوريا (ربة منزل): برأيي الضرب خطأ ولو كان بقصد التأديب لأن فيه اضطهاداً للطفل لأنه مخلوق ضعيف غير قادر على الدفاع عن نفسه أبداً، وسيتعوّد الضرب ولن يعود ليتألم نفسياً ولا جسدياً. الأفضل نهدّد الطفل بالضرب ونعطيه فرصة يحكي الذي لديه ونسامحه بعد أن نشرح له غلطه، وعند تكرار الخطأ نزعل منه مدة زمنية ونسامحه لأن هؤلاء الأطفال سيأتي وقت ويكبرون ويغلطون ولن يسمحوا لنا بضربهم لأنهم صاروا قادرين على الدفاع عن أنفسهم بأكثر من وسيلة. وبرأيي من لم تؤثر فيه الكلمة فلن يتأثر بمليون كف، والفرق كبير بين الطفل الذي لا يتصرف كي لا تزعل أمّه وبين آخر لا يتصرّف خوفاً من العقاب. الضرب لا يعلّم الولد إلا التناحة والقسوة والكذب والابتعاد عنا، لمّا كبروا أنا شخصياً أندم لأنّي كنت أضرب أولادي لأنّي اكتشفت أنه لم يعط أي نتيجة إيجابية نهائياً لكنّي لم أكن أعرف هذا الأمر. والآن آخر أولادي رغم شقاوته بالي معه طويل، وأشعر أنه سيكون الأفضل صادق لا يخفي عنّي شيئاً، تهمّه الكلمة ولطيف. وبالنهاية لمّا يقوم الطفل بأمر ويزعجنا يكون قصده تمتيع ذاته لا إزعاجنا.
وختاماً لن أغيّر رأيي أنا مع الضرب التأديبي لمّا لا تنفع السبل ويضيق أمامنا الطريق، نضربه ليحس بخطئه لكيلا يكرّر سلوكاً سبق أن نبّهناه عليه مرّات عديدة. نضربه ضرباً خفيفاً ونبيّن له السبب مثلا مللت وأنا أقول لابنتي لا تطرقي الجرس طرقات متتالية من دون أن أ صل إلى نتيجة حتى أكلت كفّاً علي يدها فغيّرت سلوكها.
وفي النهاية أيّها القرّاء الأعزّاء الرأي يعود لكم، وأنتم أصحاب القرار.
د. حسن شحود رئيس قسم اللغة العربية في جامعة طرطوس: أعتقد أنّنا لمّا نعاقب الطفل نكون قد حاسبناه على إساءة، لكن لمّا نحاسبه ننبهه ونعطيه فكرة جيّدة عن حاله عن طريق المدح البسيط مع التدليل على الخطأ، هنا سيحاول أن يثبت أنه معنا حق أن نثق به وألاّ نعاقبه، وبذلك هو سيحاول تحسين سلوكه ونحن نكون قد حصلنا على الأفضل ووطّدنا علاقتنا بالطفل. والعقاب العنيف للطفل يخلق فجوة بينه وبين الآخرين ويجعله يُحس أنه منبوذ وغير محبوب ويصير تلقائياً عدائياً لأنه يريد الدفاع عن نفسه. والطفل مخلوق لطيف قابل للتعلّم والتغير مهما كانت طباعه صعبة، وإذا قابلنا الخطأ بالعنف فسنعوّده على مواجهة المشاكل في المستقبل بطريقة عدوانية أيضاً. أنا ضد العنف ولا مرّة حاولت التعامل مع أولادي بالضرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن