من دفتر الوطن

المجتمع النزق

| عبد الفتاح العوض 

ماذا يحدث في مجتمعنا؟
في كل المراحل السابقة كان «الغزل» هو عنوان الحديث عن المجتمع السوري.
وقد أتقنا مديح أنفسنا كثيراً.
لكن الآن علينا أن نواجه حقائق جديدة في المجتمع السوري، ثمة ظواهر لا تخفى على أحد لأنها تعلن عن نفسها عارية من كل شيء، لعل أبرز هذه الظواهر أننا لم نعد مجتمعاً متزناً ولا متوازناً.
ومن أمارات ذلك اللغة العصبية والنزقة التي نتحاور بها، والتي تنم عن عدم احترام الآخر أي آخر، ثم مدى التجريح الذي يتضمنه خطاب بعضنا لبعض والهبوط إلى أدنى مستوى من الاحترام.
وأخطر من ذلك هو حالة عدم الإيمان بأي شيء، كفرنا بالأديان، وكفرنا بالعروبة، وكفرنا بالقيم العليا.
هذه الحالة تترافق عادة مع ما يطلق عليه في علم النفس اضطراب ما بعد الصدمة، حيث يصل الإنسان إلى عدم اليقين بالقضايا الوجودية، وتصبح المبادئ محل شك.
إنه اضطراب بالمعاني الوجودية مثل الإيمان والحياة والموت والمستقبل، فقد اهتز إيماننا بكل شيء تقريباً.
ثم إننا في هذه المرحلة نبدو كما لو نقول: لا، لكل شيء، فكل ما يمكن القيام به محل إشارات استفهام وعدم ثقة بأغلبية ما حولنا ومن حولنا.
كل ما سبق ليس إلا توصيفاً، لا يحمل أي صيغة تبرير وكذلك لا يقصد منه لوم المجتمع.
لكنها ظاهرة مجتمعية لا ينبغي السكوت عنها.. ولعل تفسيرها المتوفر والمنطقي أننا عشنا مرحلة صعبة تمثلت في كل هذه السنوات من الحرب على سورية، وظهر في المجتمع شروخات كبيرة إما أنها كانت مغطاة بقشور من المظاهر وإما أنها نتجت عن زلزال الحرب وما رافقه من مصائب شديدة.
لاعتبارات كثيرة، نجد أن الحرب هي التي خلخلت البنيان المجتمعي في سورية، ولكننا على يقين أن سنوات صعبة وقاسية مرّت على المجتمع السوري وهو الآن ما زال في مرحلة كشف الأضرار ولم يبدأ بعد المعالجة.
وفي حال كهذه، على المجتمع أن يبحث عن حل كي لا يزداد الوضع سوءاً، وأول ذلك أن يكون هناك قادة رأي يستطيعون بشكل أو بآخر أن يقدموا قدوة حسنة لا أن يشاركوا في الصراخ مع الآخرين.
إننا بحاجة إلى هيئات اجتماعية غايتها نشر ثقافة التسامح بدل الانتقام، والمحبة بدل الكراهية، والاحترام بدل الاحتقار.
من المهم أن ندرك أننا لسنا أول مجتمع يعيش حرباً، وأن الآخرين مرّوا بما نمر به، لكن الأكثر أهمية أن نستطيع أن نخرج من الحرب بحالة أفضل مما كنا فيه قبلها.
المجتمع كله مطالب بالمشاركة في عملية «الاستشفاء» النفسي وأولى الخطوات لذلك أن نتوقف عن التكفير والتخوين والتجريح..
أشعر أحياناً أن ما نقوم به الآن هو طريقنا «للوم» أنفسنا بجلد المجتمع كله وأفكاره وثقافته ومبادئه.
إننا نعبر عن لوم أنفسنا على ما قمنا به بمزيد من الكراهية، وهذا يزيد الأمور سوءاً. إننا نسخر من أنفسنا بعنف.
إن العلاج يبدأ بفهم وإدراك تصرفاتنا والعمل على تغييرها.. دعونا لا نتأخر بالعلاج كي لا نذهب أكثر نحو الهاوية!

أقوال:
– إنما غضبي في نعليّ فإذا سمعت ما أكره أخذتهما ومضيت.
– اكتب رسائل الغضب إلى أعدائك، ولكن لا ترسلها إليهم.
– ينبغي أن نعطي بعض الوقت للوقت.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن