شؤون محلية

النظافة من الإيمان

| نبيل الملاح

يؤسفني أن أتحدث في موضوع يُفترض ألا يكون في بلدٍ له تاريخ عريق في الحضارة والرقي، وشعبه كان يضرب به المثل في سلوكه وأخلاقه.
لكن ما نراه في شوارعنا وفي أحيائنا وفي الأبنية التي نسكن فيها، من رمي الأوساخ في كل مكان، وعدم وضع القمامة في الحاويات المخصصة لها ضمن أكياس مغلقة، يدفعني للحديث عن هذا الموضوع.
ما زلت أذكر كيف كانت مدينة دمشق التي ولدت وعشت فيها في خمسينيات القرن الماضي، فشوارعها تزهو بنظافتها والأشجار المترنحة فيها، وحاراتها تجدها نظيفة أيضاً وخالية من القمامة، وكنت أرى أبناء الحارة يقومون بكنس الأوساخ من أمام منازلهم ورشها بالماء، وكنت أشاهد رجال الحي أو الحارة وهم يرفعون الأوساخ المتناثرة في الطريق، فكان أهل الحي والحارة يعتبرون حيهم وحارتهم جزءاً من بيوتهم، يحافظون على نظافتها كما يحافظون على نظافة بيوتهم ولم أكن أشاهد أحداً يبصق في الطريق، فكل شخص يحمل (محرمة) في جيبه يستعملها عند اللزوم.
وكذلك كان حال الريف، حيث كنا نخرج إلى الغوطة للتنزه والاستمتاع بطبيعتها الخلابة وأشجارها المثمرة، وكنا نجلس على الأرض التي كانت خالية من الأوساخ، وكنا بعد الانتهاء النزهة (السيران) نقوم بوضع بقايا الطعام والقمامة في أكياس نحملها ونضعها في المكان المخصص لها. ولابد لي هنا من الإشارة إلى ما لحق بالغوطة من تشويه وضرر تسببته الأبنية والمنشآت والمعامل التي أقيمت في الغوطة بعد اقتلاع الأشجار والبساتين، ومدى تأثير ذلك على البيئة.
لقد تعلمنا في بيوتنا وفي مدارسنا أن النظافة من الإيمان، وهي جزء لا يتجزأ من أخلاق الإنسان ووعيه.
لننظر اليوم إلى أحيائنا وشوارعنا وأبنيتنا السكنية، وكيف أصبحت، فالأوساخ تجدها في كل مكان، والقمامة توضع على أطراف الحاويات وأمام الأبنية، وغالباً ما يتم رميها من وعاء دون وضعها بأكياس مغلقة. وللأسف تجد ذلك أيضاً في الأحياء الراقية لكن بنسبة أقل، ويزيد الوضع سوءاً وقرفاً عندما تشاهد شخصاً يقوم بـ(تف ونف) في الطريق دون خجل واحترام للآخرين، وأذكر ما قاله لي أستاذنا الدكتور محمد العمادي إنه شاهد مرة أحد زملائه الوزراء يرمي محارم مستعملة من نافذة سيارته على الطريق.
أتيح لي أن أزور العديد من الدول الأجنبية شرقاً وغرباً التي شاهدت فيها ما وعيت عليه في بلدي سورية من نظافة واهتمام بالحي والشارع والطريق، وفي إحدى المرات كنت أدخن سيجارة في الطريق وعند الانتهاء رميت عقبها في الشارع؛ فيقترب مني شرطي ويطلب رفعها من الطريق ورميها في المكان المخصص لذلك.
إننا بحاجة إلى حملة توعية قوية لتعليم الناس أصول التعامل مع الطريق واحترام مشاعر الآخرين الذين لا يتقبلون التصرفات المقززةـ، والتقيد بوضع القمامة في أكياس مغلقة بعد فرزها وتصفيتها من السوائل ونقلها إلى الحاويات في الأوقات المحددة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى الجهود الكبيرة التي تبذلها مديرية النظافة بمحافظة دمشق؛ حيث تقوم بواجبها على أكمل وجه ضمن الإمكانات المتاحة لها، وأنا أعتبر هذه المديرية من الإدارات القليلة التي تؤدي عملها بجدِ وإصلاح، وعلينا تقدير ذلك وتقديم الشكر لعمال النظافة.
لا شك إن التوعية مرتبطة بالتربية التي تبدأ في البيت ومن ثم المدرسة، ولا بد أن تستمر في كل المراحل والمستويات، وأعتقد أن الإعلام بجميع وسائله المقروءة والمسموعة والمتلفزة يمكن أن يساهم بشكل فعال في هذه المسألة؛ من خلال البرامج الثقافية والتعليمية والتربوية، ومن خلال الأعمال الفنية الدرامية وغيرها، ومن خلال الإعلانات التي يمكن إعدادها وإخراجها بالتعاون مع أجهزة الإدارة المحلية والبيئة والصحة.
علينا جميعاً أن نعمل على نظافة بلدنا وجمالها، ونجعل منها ثقافة عامة ترتبط بالأخلاق والسلوك الإنساني المتحضر، وأن نرجع شعار «النظافة من الإيمان بالله والوطن».
باحث ووزير سابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن