العربية المهانة!
| حسن م. يوسف
أستطيع القول إن عواطفي متناقضة تجاه مصطلح «إعادة الإعمار» فكلمة إعمار تبهجني حقاً لأنها تعني أن وطني بدأ يتعافى من عقابيل الحرب الظالمة التي شنتها الفاشية العالمية عليه، لكن كلمة «إعادة» تثير في داخلي مخاوف لا حدود لها، فإعادة الشيء تعني إرجاعه إلى حالته الأولى، وقد سبق لي في هذا الركن بالذات أن أعلنت بصريح العبارة أنني: «لا أريد أن تعود سورية كما كانت، بل أريدها أبهى وأقوى وأكثر عقلانية وعدالة. أريدها أن تستوعب الدرس الذي دفعت ثمنه مئات آلاف الشهداء من أبنائها، لأن إعادة سورية كما كانت قبل عام 2011 يعني إبقاء نقاط الضعف في بنيتها التي تسلل من خلالها الأعداء. فالعودة إلى حقل الألغام، قبل نزع ألغامه أو تعطيلها هو ضرب من الانتحار!».
على الرغم مما سبق أتابع باهتمام شديد مشاريع الإعمار التي بدأت تتكاثر في البلاد، وخاصة في محيط العاصمة دمشق.
أعترف لكم أنني بقيت فترة طويلة لا أعرف ماذا تعني (شركة قابضة) على وجه الدقة لذا أود أن أذكر القارئ العزيز بأن الشركة القابضة هي التي تمتلك الأسهم المتداولة لشركاتٍ أخرى، كما هو الحال بين الشام القابضة ومشروع «أمان بروبرتيز» و«اللاند مارك» و«ماروتا سيتي».
يصف أصحاب «ماروتا سيتي» مشروعهم بأنه «المدينة الجديدة التي سوف تسهم في بزوغ فجر جديد لدمشق العراقة والتاريخ وتضعها على خريطة الحداثة والعالمية». وبما أنني لا أفقه شيئاً في عالم الإعمار والعقارات لذا سأتجاوز هذا الجانب من الموضوع متمنياً للعاملين التوفيق في أعمالهم، إلا أنني أود أن أتوقف عند الأسماء التي اختاروها لمشاريعهم. لأن هذه الأسماء سوف تتكرر على ألسنة الملايين من إخوتي السوريين في قادم الأعوام. لذا فإن إلصاق مفردات وأسماء أجنبية بهذه المشاريع أمر يعنيني لأنه يمس كبرياء لغتنا العربية. فاللغة كما وصفها ابن خلدون هي «الوسيلة التي تترجم ما في ضمائرنا من معانٍ وأنها مرآة للعقل تعكس ما يحتويه، فإن هي تصدعت وضعفت أوهنت الجهد، وحرمت الدقة، ومنعت تسامي العقل والقلب».
واللغة على حد قول الشاعر الكبير محمود درويش «… هي هوية، لا بالمعنى الوطني أو القومي، وإنما هي هوية إنسانية، إننا لا نستطيع أن نُعَرِّف الوجود إلا إذا عثرنا على اللغة. اللغة تشير إلى الموجود، وحيث تكون اللغة يكون هناك تاريخ كما يقول هايدغر».
إن كلمة «Properties» الإنجليزية المدرجة مع كلمة «أمان» تضرب على العصب، فما العيب في اسم عقارات أمان، أو ممتلكات الأمان؟
لكن ما استوقفني أكثر هو اسم مشروع «ماروتا سيتي» أي مدينة ماروتا!
أول ما خطر ببالي هو اسم الملاك ماروت الذي ذكر مع رفيقه هاروت في سورة البقرة من القرآن الكريم، لكنني استبعدت الأمر فلجأت الى محرك البحث غوغل، وبعد بحث وتمحيص لم أجد أي «ماروتا» يذكر سوى بيبي ماروتا المدير التنفيذي السابق لفريق يوفنتوس الإيطالي لكرة القدم!
لا شك أن عهود الاستعمار العثماني والغربي قد سلبت منا جل كبريائنا الوطني ورسخت في لاوعي الكثير من أبناء شعبنا أن «الإفرنجي برنجي». غير أن هذا لا يبرر لنا على الإطلاق إلحاق كل هذا الكم من الإهانات بحق لغتنا التي هي من أجمل اللغات في تاريخ العالم.
حتى محلات الفلافل باتت تكتب لافتاتها بالأجنبي!
في الختام أود أن أشكر السيدة كارين كنايسل، وزيرة خارجية النمسا، التي افتتحت خطابها أمام الجمعية العامة للأمم لمتحدة يوم السبت 29 أيلول الماضي، بمقطع باللغة العربية، كي تذكرنا بأن العربية «لغة مهمة وجميلة وجزء مهم من الحضارة ».