عفاريت الزمان
| زياد حيدر
دمرت الشرطة في جزر المالديف، منذ أسبوعين، أول معرض في العالم متعلق بالمد والجزر في منتجع للعطلات بعد أن اعتبرته «مهيناً للإسلام».
رئيس المالديف عبد الله يمين، نفذ قراره بتدميرها، قبل انتهاء مدة حكمه بيوم واحد، بعد خسارته الانتخابات المحلية أمام مرشح آخر، عملا بمقولة «لو باقي بعمري يوم»، وبررت سلطاته تدمير هذه العمل الفني الفريد، بضغوط رجال دين الجزيرة، لكونه تجسيداً «للأصنام».
منحوتة «كورالاريوم» كانت عبارة عن «مساحة معرض شبه مغمورة بالمدّ والجزر»، لنحات بريطاني، يدعى جيسون تايلور، بنيت في تموز الماضي، وتم تفكيكها في غضون ساعات، بعدما استغرق بناؤها تسعة أشهر بتعاون بين فريق من المهندسين البحريين والغواصين وصانعي القوالب والحدادين.
وكانت فكرة العمل الذي تضمن منحوتات شكلية هجينة بين النبات والإنسان والحيوان، هو «رفع الوعي البيئي، وتجسيد حالة التوحد بين الطبيعة والإنسان»، ولاسيما في المالديف التي تعاني ضغوط السياح، وتهديد ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي سيجعل «إمكانية الحياة عليها مستحيلة»، بحلول منتصف القرن الحالي، وفقا لدراسة علمية نشرتها مجلة «ساينس أدفانس» الأميركية الربيع الماضي.
وكي نتآلف مع الحادثة، يجب تذكر اسطورة، يتغنى بها رجال الدين، كلما جاء الحديث عن كيفية إسلام جزر المالديف، وتتمثل في قصة تهديد العفريت الذي دفع سكان الجزيرة لاعتناق الإسلام، بعد أن جاء داعية مغربي مسلم، فأغرقه بدعواته، وأنهى قرونا من الإذعان لسطوته، وطلبه مطلع كل شهر لعذراء (كما في كل أساطير العالم) كتضحية، فيفض بكارتها (أيضاً كما في كل ثقافات العالم القديم) في مقام يضم أوثان الشعب التقليدية، ليجدها السكان في اليوم التالي مقتولة، كي لا يلمسها أحد من بعده.
وفيما تعود تلك القصة، لحكايات الرحالة الإسلامي ابن بطوطة(1304-1377م)، الذي يذكر له أيضاً الإشارة لتقاليد أخرى ظلت في الجزيرة بعد إسلامها، منها لباس النساء المتحرر من القيد الإسلامي، واتخاذ علاة القوم للجواري، وحكم امرأة سلطانة لها، وما إلى عادات القوم الأصليين التي ظلت رغم قبل أفول الوثنية ومعها العفريت.
والشيء بالشيء يذكر، لأن «أصنام» المد والجزر التي حطمتها قوات الرئيس الخاسر للانتخابات، هي بالنسبة لدعاة الدين ذات العفريت الذي كان يأتي في مركبه المضاء بالقناديل، من قلب البحر، كل شهر، لفض عذراء جديدة من أهل الجزيرة.
من جهة أخرى، يروق لعقل لا يبني قناعاته على الأساطير، أن يفكر بأن صانع الأسطورة هو ذاته وورثته، في ذلك الزمن، من كانوا يتسللون لبيت الأوثان، فيفضون العذراوات تحت جنح الظلام، ويقتلونهم، كما يروق لذات العقل أن يؤمن بأن ثمة صفقة كان يمكن أن تتم بين السلطتين الدينية والتنفيذية هناك، فديتها تحفة المد والجزر العصرية، التي شاءت حظوظ صناعها أن تأتي بين مد وجزر سياسي واقتصادي في الجزيرة.
يضاف إلى السابق أن جزر المالديف، وهي مجموعة جزر متناثرة تزيد على الألف، لا تربط بينها الجسور، وتشكل مقصدا للسياح الأثرياء فقط، الذين يباح لهم تجاهل عقيدة الدولة الإسلامية، بينما يجبر أهلها على تطبيقها بحذافيرها.
ورغم أن جزر المالديف، مهددة بالانقراض، وبعيدة جداً، ومعظمنا قد لا يكترث لها ربما، فإنها نموذج من نماذج هذا الشرق، الذي حتى إن ازدهر، يبقى محتكماً لأساطير غارقة في الزمن.