قضايا وآراء

حرب تشرين.. مقدمات ونتائج

| يوسف جاد الحق

في أعقاب حرب عام 1967 التي سميت بالنكسة، تهويناً لوقع الصدمة على الجماهير العربية، في حين أنها كانت نكبة ثانية، تبين أن نتائجها وآثارها لم تكن أقل تدميراً وخسراناً عن النكبة الأولى عام 1948.
كان من أخطر تلك النتائج ما أدخلته على نفسية الفلسطيني والعربي من يأس وإحباط أفضى به إلى الاقتناع، بسبب من إعلام فاعل مغرض، بأن إسرائيل تملك جيشاً لا يقهر وأن لديها من أسباب القوة الخارقة ما مكنها من هزيمة الجيوش العربية مجتمعة. وقد عززت تصرفات العدو التي تلت تلك الحرب، الأفكار السلبية عندما ذهب إلى العربدة في الأجواء العربية بطيرانه، فيضرب حيث يشاء، يصول ويجول وكأنه أصبح مالكاً لنواصي الأمور في دنيا العرب.
غير أن هذه الحالة نفسها، وممارسات العدو ذاتها ما لبثت أن خلقت حافز الرفض لدى الجماهير العربية لكل ما حدث، فشرعت تعبر عن غضبتها بوسائل شتى تنذر بأن ثمة بركاناً يوشك أن ينفجر. كان من شأن هذا أن بادرت القيادتان العسكريتان في مصر وسورية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر بالاستجابة لهبة الغضب الجماهيري تلك بالإعداد لحرب قادمة تعيد إلى الأمة كرامتها وما اغتصب من أرضها، عربياً وفلسطينياً.
بدأت ظاهرة مؤتمرات القمة العربية التي عقد أولها في الخرطوم عام 1968 الذي خرج بلاءاته الثلاث «لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بالكيان الصهيوني»، كما ظهرت مقولات وشعارات «إزالة آثار العدوان»، «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» وما إليها. كما بدأت حرب الاستنزاف على الجبهتين السورية والمصرية إلى أن حلت ساعة الإيفاء بالوعد في السادس من عام 1973 بقيادة الرئيس حافظ الأسد والرئيس أنور السادات الذي خذل شريكه في منتصف الطريق إلى النصر النهائي المرتقب.
فاجأت تلك الحرب العظيمة العدو، والعالم كله، إذ أسفرت عن هزيمة ساحقة له كما غيرت الكثير مما كان سائداً حتى ذلك الحين. من ذلك:
استرداد العرب لكرامتهم وهيبتهم وتأكيد قدرتهم على تحقيق النصر كلما توافرت الإرادة والعزيمة.
إمكان إلحاق الهزيمة بالعدو وبطلان حكاية «الجيش الذي لا يقهر»، «والدولة خارقة القوة».
الأمل بالوصول إلى نصر نهائي يحرر فلسطين والأراضي العربية، فمن يهزم مرة قابل للهزيمة مرات، ولهزيمة نهائية.
عودة الثقة للجماهير بقيادتها في سورية ومصر خاصة.
غير أن ما حدث بعد ذلك، مما أجهض النتائج الإيجابية الرائعة تلك، هو جنوح السادات إلى ما يسمى بالسلام مع العدو خلافاً لما اتفق عليه مع الرئيس الأسد.
وقد كان لزيارته المنكودة غير المعقولة أو المنتظرة بعد ذلك النصر المبين، إلى إسرائيل وخطابه في الكنيست، وقع صادم بل قاتِل لدى الجماهير العربية. ثم تلا ذلك توقيعه على اتفاقية كامب ديفيد بتحريض، أو لنقل بتغرير من وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر يهودي الأصل والتوجه والسياسة، الذي غدا صديقاً للسادات، حميماً يناديه تدليلاً بالعزيز هنري!
عزل كيسنجر هذا مصر عن شقيقاتها العربيات وتحييدها عن أي صراع قادم بين العرب وإسرائيل، بل كان من شأن ما أقدم عليه السادات أن فتح الباب مشرعاً أمام التعامل مع العدو والابتعاد تدريجياً عن فكرة كونه عدواً للأمة بأسرها حيث جاءت إثر ذلك معاهدة وادي عربة مع الأردن، ثم اتفاقية أوسلو مع بعض الفلسطينيين، وكان من نتائج هذا كله ما تعيشه المنطقة اليوم، ولاسيما بعد أن ذهب بعض العرب، في السر حيناً والعلانية حيناً، إلى التحالف مع العدو للوقوف بوجه حلف المقاومة الذي ظهر وتعزز لمواجهة ما أقدم عليه السادات، الحلف الذي كان محوره ونقطة ارتكازه سورية بقيادة الرئيس الأسد وحلفه مع جمهورية إيران الإسلامية والمقاومة الجبارة التي ظهرت في لبنان والمقاومة الفلسطينية بانتفاضاتها المتعاقبة.
هذه المقاومة بما أنجزته حتى يومنا هذا، وبما تملك من عزم وإخلاص وتفانٍ في العمل للوصول إلى تحرير نهائي لفلسطين وإزالة إسرائيل من الوجود كهدف لها لا تحيد عنه، بل كعقيدة في الصدور، تتنامى في كل يوم هي الآن الأمل المرجو في الخلاص من كل ما هو جارٍ في أيامنا هذه مما عمل العدو على صنعه والتخطيط له منذ أمد بعيد، بالتواطؤ مع أعداء الأمة الأصليين القدامى، أميركا والغرب واليهودية العالمية، إضافة إلى الضالعين ممن كانوا يحسبون على هذه الأمة بأنهم من أبنائها فيما هم أعداء لها مقنَّعون. ولعل خطر هؤلاء لم يكن أقل أذى وتدميراً من العدو نفسه. والمثل العربي يقول «عدو داخل البيت أشد خطراً من ألف عدو خارجه». لقد اتخذ هؤلاء من العدو صديقاً وحليفاً، ومن أشقائهم في العروبة والإسلام والمواطنة وموقف النصير عدواً يحاربونه بالمال والسلاح والرجال، ولكن على من ستدور الدوائر في نهاية المطاف؟
النصر النهائي المرتقب، حتماً لن يكون إلا بالقوة والإرادة والعزيمة. وهي العناصر المتوافرة اليوم وغداً لحلف المقاومة، لأصحاب المعتقد السليم والنية الصادقة والعزيمة التي لا مفر منها. التحرير النهائي قادم، وهزيمة حلف الشيطان وأعداء الأمة محتمة.
هذه حتمية تاريخية لا يعتريها الشك ولا تخامر أصحابها الظنون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن