ثقافة وفن

روائع القصائد الأندلسيّة في بحثٍ علمي…الدّر المنضود من أدب الفردوس المفقود… دراسات في الشعر الأندلسي

 عامر فؤاد عامر : 

يقدّم الكتاب في أربعة أجزاءٍ؛ مجموعة من أناشيد القصائد الأندلسيّة، وزّعتها الدكتورة «وسام قباني»، لتمنحنا صورة جليّة عن الأدب الأندلسي وعراقته، فكانت الاعتذاريات أولاً في «اللؤلؤة الأولى» وتحدّثت فيه عن موضوع فلسفة الدّاء والدّواء، ثم فنّ الاستعتاب و«اللؤلؤة الثانية» التي عالجت فيها موضوعاً خاصّاً في معجم الحماسة، أمّا «اللؤلؤة الثالثة» فموضوعها جاء في أزمة الذّات، ورمزيّة التشكيل البلاغي، وهو شعر الاستعطاف، و«اللؤلؤة الرابعة» والأخيرة من الشعر الأندلسي، فكانت في شعر المحنة، وجماليّات التشكيل اللغوي في شعر «ابن زيدون».

إضاءة لمواهب فذّة
تقول الدكتورة «وسام قباني» في مقدّمة الكتاب: «الدّر المنضود من أدب الفردوس المفقود»: «نشأت فكرة هذه الدراسة رغبةً في إضاءة جانبٍ من مواهب الأندلسيين الفذّة، وتقديراً لبدائعهم الشعريّة القيّمة، التي أغنت صرح شعرنا العربي العريق. فأرجو أن يقدّم البحث جديداً في عالم الدراسات الأندلسيّة، وأن يسهم في إماطة اللثام عن بعضٍ من كنوز هذا الشعر الغنّاء، الذي واكب الشعر المشرقيّ، ونافسه حبّاً في التميّز، وميلاً إلى الإبداع».

«اللؤلؤة الأولى»
الاعتذاريات أنموذجاً
يشرح هذا الجزء علاقة بين جفاف الطبّ وطلاوة الأدب، ويقول «الرهّاويّ» في كتابه «أدب الطبيب»: «كلّ فيلسوف طبيب، وكلّ طبيب فاضل فيلسوف، فالفيلسوف لا يقدر على إصلاح غير النفس، والطبيب الفاضل يقدر على إصلاح النفس والبدن جميعاً». ويأخذ هذا الجزء عدّة تفرعات الأولى كانت في توصيف الدّاء وانتجاع الدواء، ومنها الدّاء في القلب، وكثيراً ما تطرّق الشعراء إلى جروح القلب، وفي قول «محمد بن عيسى الصقلّي»:
مولاي يانور قلبي ونور كلّ القلوب
أما ترى ما بجسمي من رقة وشحوب؟
وما بداخل قلبي من لوعة ووجيب
فلم بخلت بوصلي وليس لي من ذنوب؟
وفي قسم الداء في الكبد، الذي تحدّث فيه أدبنا العربي، وعلاقة اللوعة، والحسرة بالكبد، وفي رحاب هذه الفكرة نأخذ ما أجاد به «الرصافي البلنسي»:
حباني على بعد المدى بتحيّةٍ أرى غصني رطب المهزّ بها نضرا
برائية لم أدر عند اجتلائها هي الدّر منظوماً أم الزهر مفترّاً
أعندكم أنّى نبيت لبعدكم وكلّ يدٍّ منّا على كبدٍ حرّى؟
ومما ذكره هذا الجزء أيضاً: الدّاء في الحشا، وداء النحول، وداء الوهن، والداء في الشراب والطعام، وداء الشيّب، وداء الموت، وداءٌ أعيا الأطباء. وكلّ تلك جاءت تحت مسمى الأدواء الجسمانيّة، أمّا في مسمى الأدواء النفسانيّة، فهناك داء الشوق، وداء الأرق، وداء القلق، وداء الكآبة، وداء الفقر، وداء الذنوب.
«اللؤلؤة الثانية»
وفنّ الاستعتاب نموذجاً
حرص الأندلسيّون على إجادة فنون القتال، للمحافظة على فردوسهم، وللاستعتاب مكان في هذا الميدان، قُدّم في ثلاثة محاور هي: صورة الجواد والسيف، وصورة السلاح، وصورة الحرب.
ومما ذكره «ابن زيدون» في شعره بعد أن طال مكوثه في السجن، ومنه يظهر نبرة استعتاب واضحة.

«اللؤلؤة الثالثة»
وفنّ الاستعطاف أنموذجاً
في هذا الجانب ارتباط واضح بشعريّة الماء، فقد أدرك الشاعر الأندلسي العلاقة القدسيّة بين الماء والحياة، ولذلك يقف البحث في هذا الجزء عند خمسة وجوهٍ هي:
مورد الماء، والبحر، والسيل، والسحاب، والغيث. ومن الأمثلة فيها قول «المعتمد بن عباد» في استعطاف أبيه بعد أن أصابه التقصير تجاهه:
أمعتضداً بالله دعوة آملٍ رجاك على بعدٍ، فأصبح ذا قرب
فأمّم مأمولاً، وأمّ مُيمّماً وحامت أمانيه على موردٍ عذب
موارد ما حلأن عنهن حائماً ولا غادرته غير مستعذب الشرب
وهأنا ظمآن لمنهل وردكم وحسبي موقوفٌ على وردكم حسبي

«اللؤلؤة الرابعة»
شعر المحنة أنموذجاً
في هذا الجزء يستقل شعر «ابن زيدون» وحده ميداناً للبحث، ولاسيما أنّ المحنة شغلت جانباً واسعاً من حياة هذا الشاعر، وبفضلها أبدع قصائده. وفي القصيدة التالية التي يسترضي بها «ولادة» مثال على محنته:
أتهجرني وتغصبني كتابي؟ وما في الحق غصبي واجتنابي
أيجمل أن أبيحك محض ودّي؟ وأنت تسومني سوء العذاب
أعِد – في عبدك المظلوم – رأياً تنال به الجزيل من الثّواب
غاية البحث
ينتهي الكتاب في خاتمة وضعتها الدكتورة «قباني» مرتكزةً فيها على نقاط عدّة، توضح فيها أهمية البحث الذي قدّمته في جانب مهمّ من حياة الأندلسيّين، وفي احتفائهم الخاصّ بثنائيّة «الدّاء والدّواء»، وفي البحث أيضاً توثيق لمهارة الشاعر الأندلسي في الاستعانة بطاقات المعجم الحربي، وكذلك في فنّ الاستيحاء من الصور المائيّة، وأيضاً بيّنت هذه الخاتمة عن الجودة الفنيّة، والمقدرة اللغويّة فيما يتعلق بالمحنة عند الشاعر «ابن زيدون»، وفي نهايتها تقول: «… آمل أن يسهم هذا الكتاب في إغناء مكتبتنا العربيّة ببحثٍ علميّ يرسم صورة بهيّة عن وجه مشرقٍ من وجوه أدبنا الأندلسي العريق، حين يسطّر عظماء الشعر روائعهم الخالدة بمداد الألم، وشعاع الأمل». ويذكر أن الكتاب هو العدد 130 من سلسلة آفاق ثقافيّة، الصادرة عن الهيئة العامة السوريّة للكتاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن