قضايا وآراء

ورطة ابن سلمان والسيناريو المقبل بين الرياض وواشنطن

| تحسين الحلبي

يبدو أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أحرج وأحرق أوراقاً كثيرة كان يتوقع أن يلعب بها لترسيخ سلطته داخل العائلة المالكة السعودية وداخل ملعب الحليف الأميركي، فتوسع وتوحش في إجراءاته إلى أن اصطدم بفضيحة علنية في جريمة إخفاء جمال خاشقجي والتخلص منه في ساحة تختلف معه في مصالحها.
وإذا سلمنا ببعض الأخبار المتداولة حول ما جرى في القنصلية السعودية في اسطنبول وتحديداً حول اشتراك مجموعتين من وحدات خاصة سعودية في العملية داخل القنصلية، فإن استخدام هذا العدد في عملية تصفية الخاشقجي داخل القنصلية غير مسوغ عملياً إذ يكفي اثنين أو واحد لو كان الهدف قتله داخل القنصلية، ولذلك يرى البعض أن محمد بن سلمان خطط لخطفه ونقله من دون ضجة إلى الرياض وإجراء تدبير يظهر فيه عن طريق أي رواية مناسبة مثلما فعل بعدد من الأمراء في أول عهده، لأن وجود أكثر من عشرين عسكرياً سعودياً متخصصاً بمثل هذه المهمة يشير في أغلب الاحتمالات إلى عملية خطف، وخصوصاً أن أنباء تسربت في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية ذكرت أن شاهداً من داخل القنصلية سمع أصواتاً وما يشبه العراك بعد أن أصبح خاشقجي داخل القنصلية.
وإذا استذكرنا عملية قتل الفلسطيني محمود المبحوح أحد كوادر حماس في 19 كانون الثاني 2010 في فندق في دبي لحظة وصوله إلى غرفته قادماً من المطار، على يد «جهاز التجسس والمهام الخاصة السرية – الموساد» الإسرائيلي، نجد أن عدد الذين شاركوا في ملاحقته من المطار إلى غرفته 26 ضابط موساد بينهم نساء، وكشفت الأدلة فيما بعد أنهم أرادوا تخديره وخطفه وإخراجه من البلاد لنقله إلى تل أبيب لكنه قاوم الإثنين اللذين دخلا إلى غرفته فاضطرا إلى استخدام جهاز كهربائي بشكل متكرر أدى إلى مقتله، فانسحبا وانسحب معهما 24 من رجال الموساد من دون أن يفعلوا شيئاً، وظهر أن الهدف كان خطفه وفشلت عملية الخطف وتركا الجثة وكشف الجميع أنفسهم في كاميرات المطار والفندق رغم أنهم فروا.
يبدو أن ابن سلمان وضع خطة لاختطاف كل من يشكل خطراً على حكمه ممن يقيمون خارج السعودية ويخشون القدوم إليها، وخصوصاً شخصيات مثل جمال خاشقجي الذي عدّه ابن سلمان موالياً لبعض الأمراء المعارضين، وأهمهم محمد بن نايف الذي كان ولياً للعهد ثم أجبره على التنازل بالقوة في أول انقلاب صارخ يقوم به أمير سعودي على أمير آخر كان من المقرر أن يصبح حاكماً وملكاً.
وقد دفع ابن سلمان 500 مليار دولار للرئيس الأميركي دونالد ترامب مقابل موافقته على هذا الانقلاب، وهذا يعني أن ابن سلمان لن يجد أمامه بعد فضيحته في جريمة خاشقجي سوى تقديم المال للتخفيف من الأذى والاتهام الذي تعرض له منذ بداية تشرين أول الجاري والإعلان عن روايات عديدة صحفية وغير صحفية عن مقتل الخاشقجي.
لكن المعنيين بهذا الموضوع هذه المرة ليس الأميركيين وحدهم بل هناك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أيضاً، وهو متعطش للحصول على الثمن ما دامت الجريمة ارتكبت في أراضيه، وظهر أن وسائل إعلامية أميركية وأوروبية بدأت تعلن عن امتناعها عن المشاركة في المؤتمر العالمي «لمبادرة الاستثمار السعودية من أجل المستقبل – إف آي آي» المقررة في 23 تشرين الأول الجاري في الرياض وهي التي يرعاها محمد بن سلمان ويريد أن يجمع لها أوسع تغطية إعلامية، فقد أعلنت مؤسسة «بلومبيرغ» الاقتصادية والإعلامية الأميركية ومؤسسة «نيويورك تايمز» و«لوس أنجلوس تايمز» و«فوكس بيزنيس نيوز» وقناة «سي إن إن» الشهيرة عن رغبتها في الامتناع عن المشاركة بسبب فضيحة الخاشقجي.
وبدا أن ترامب وأردوغان سيضعان موضوع مكاسب كل منهما على طاولة المفاوضات والابتزاز، فقد ذكرت وسائل إعلام عديدة أن محكمة تركية قررت الإفراج عن القس الأميركي المعتقل في تركيا الذي وصل إلى واشنطن فجأة وهو الذي فرض عليه أردوغان إقامة جبرية ثم سجنه بعد ذلك لمحاكمته بدعم الإرهاب وفرض ترامب عقوبات على تركيا بسبب هذا القرار.
فربما اتفق أردوغان وترامب على تقاسم ما يمكن أن يحصلا عليه من الرياض لتخفيف مضاعفات ما جرى للخاشقجي عن ابن سلمان، وبالمقابل تسعى إسرائيل إلى المحافظة على ورقة ابن سلمان بين يديها هي أيضاً، فقد ذكر سيث فرنتسمان في صحيفة «جروزاليم بوست» الإسرائيلية في 12 تشرين الأول الجاري أن فضيحة ابن سلمان في مقتل الخاشقجي سوف تؤثر سلباً على دور السعودية الداعمة لإسرائيل ضد إيران، وهذا ما تخشاه تل أبيب وتعمل على إزالة أي ضرر من هذا النوع عليها، ومع ذلك سينتظر جميع المتضررين من هذه الفضيحة الآن رؤية السيناريو المعد لإخراج ابن سلمان من ورطته، علماً أن خاشقجي يعد من الصف السياسي الوهابي التقليدي نفسه المصطف مع واشنطن والغرب، وممن قدم خدمات كبيرة للمصالح الأميركية في المنطقة وخصوصاً ضد سورية وطهران والمقاومة، وربما يعد البعض في واشنطن والرياض الآن هذا السيناريو.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن