ثقافة وفن

«المثلث» كالسوريين يجب أن يجتمعوا عند خط اللقاء … وليد عكاوي لـ«الوطن»: فضّلت أن تكون الانطلاقة من دمشق وبعدها سيذهب المعرض إلى باريس ولندن

| سوسن صيداوي

في الاختلاف وفي التنويع، في الجديد والمبتكر، وفي الذهاب إلى العالمية لابد لنا من أن نحمل رسالتنا ونعبّر من هويتنا، فهنا نكون حققنا الغاية وما نقدمه مبرراً ومرحباً به رغم فرادته وغرابته عن النوعية المعتادة. عناصر اعتمدها فناننا التشكيلي وليد عكاوي مرتكزاً على خبرة تراكمية أكاديمية أولا، ومن ثم بصرية حصل عليها من طيب التذوق للفن التشكيلي عبر متابعته الخاصة لأعمال زوجته الفنانة التشكيلية جولييت مخلوف، واقتنائه قرابة ثلاثين عاما. اليوم وبعد عامين من التقاعد عن العمل في النشر والميديا يعود الفنان مصرّا على الانطلاق في تجربته الفنية التشكيلية من دمشق أولا، مفتتحا معرضه الذي أقيم في غاليري جورج كامل بدمشق، وسط ترحيب كبير من المختصين والنقاد والفنانين التشكيليين والمهتمين. أعماله جاءت في إطار الفن أو التصميم الجيومتري، في أشكال هندسية -مثلّثية- وخطوط وألوان، الأخيرة جمعت بين الرمادي المعبر عن الأزمة السورية إضافة إلى ألوان الطيف التي توحي بأمل مشرق بعد ظلام غيمة سوداء. لم يذهب الفنان إلى فرنسا أو بريطانيا بأعماله-رغم سهولة وإمكانية العرض المتاح له- بل حضر موجهاً رسالته إلى السوريين عبر مجسمه الذي اعتمده -المثلث- في أغلب الأعمال بطرح مبدأ البحث عن الخط الذي يجمع كل السوريين في نقطة لقاء واحدة.
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن الفنان وليد عكاوي من مواليد عام1955، وكان تخرج عام 1978 في كلية الفنون الجميلة قسم التصميم، غادر سورية عام 1984 عمل بداية في مجال الديكورات لينتقل بعدها للعمل في مجال الميديا والإعلام، تقاعد منذ عامين وتفرغ للعمل الفني التشكيلي.

إبداع لا سقف له

حضر افتتاح المعرض المهندس علي المبيض معاون وزير الثقافة الذي اعتبر أن تجربة الفنان فيها من الغرابة التي لم يعتدها بعد جمهور الفن التشكيلي السوري، ولكن فيها الكثير من الإضافات، وما نلاحظه اليوم من خلال اللوحات انعكاس خبرة تراكمية لديه، فاللوحات تمثل رؤية مختلفة وهي مبررة للفنان بأن ينظر بعينه، فما يراه كل واحد مختلف عما يراه الآخر من الفنانين، لذلك نجد أن اللوحات عبر تفرّع الخطوط والألوان كوّنت رؤية الفنان الجميلة والمتميزة والتي تفرّده عن الآخرين. وأحب أن أضيف إنه عند مشاهدة الأعمال نشعر بالدعوة للفرح والأمل، فكأن الخطوط فيها راقصة ولكنها محددة بشكل صحيح وفق تمازج وتدرّجات الألوان، ضمن سقف واسع ولا محدود، وفي النهاية من يرى الفنان وليد عكاوي يجد أن إبداعه لا سقف له».

من دمشق.. الانطلاق
خلال الافتتاح حدثنا الفنان وليد عكاوي عن رسالته وعن أعماله بالمجمل قائلاً: «هدفي الأساسي من المعرض تحقيق رؤية بصرية للمشاهد، فمن خلال المثلث الواضح في مجمل الأعمال-وهو خطان يلتقيان في نقطة واحدة-أنا أوجه رسالة للشعب السوري الحبيب بأننا كلنا يجب أن نجتمع في الخط الثالث الذي يحتاجه المثلث في تكوينه كي يصعب كسره، لأنه في النهاية شكل هندسي صعب الكسر. أما بالنسبة للألوان فيرى المشاهد أن فيها الكثير من ألوان الطيف، والذي يأتي بعد هطل مطر وإشراق شمس، وهذا ما أراه في سورية لكون المطر قد هطل وستشرق الشمس، وأريد أن يرى السوريون هذا الأمر وما سيأتي مشرق وهو ماض نحو التحسن، ومن ثم عبر هذه الألوان نفتح آفاقاً بعيدة عن الضبابية وبعيدة عن السواد، ولهذا السبب تمسكت باصرار وافتتحت المعرض في سورية، لا بمكان آخر. وبالمقابل هناك بين اللوحات المعروضة انكسارات كثيرة تمثل العذابات، كما في أعمال أخرى يجد المشاهد تبسيطا للّون أو بالعكس حيث يراه متشابكا، ولكنني بالمجمل أفضل الإشكال اللوني عبر ألوان صافية ومعينة تعطي انطباعا للناس بالأريحية التامة».
وعن إقامته في الإمارات ورغبته في أن ينطلق المعرض من العاصمة دمشق، يضيف وليد عكاوي حول قدرة الشارع السوري على تقييم الفن التشكيلي واحتوائه «بالبداية أنا مقتني أعمال، ومطلع على الحركة التشكيلية منذ ثلاثين عاماً-الحركة التشكيلية للموجدين وللذين غادروا-أنا خريج كلية الفنون الجميلة عام1978، وتفرغت للعمل في الميديا، ولكن منذ عامين قررت فجأة أن أعود للريشة والألوان، فكانت بالنسبة لي تجربة غير سهلة والذي ساعدني في هذا الموضوع هو وجود زوجتي الفنانة التشكيلية المعروفة جولييت مخلوف وتشجيعها الداعم لي، ومن ثم قررت أنني بعد كل ذلك الانقطاع سأطلق معرضي من هنا.. من سورية، فهنا أهلي وناسي، وهذا المعرض سيذهب بعدها إلى باريس ولندن-حيث تسهُل علي إقامته هناك-ولكنني فضّلت أن تكون الانطلاقة من هنا… من دمشق».
وعن إمكانية فرص الاستثمار في الفن التشكيلي السوري يتابع «أنا أستثمر في الفترة الحالية عبر اقتناء لوحات لفنانيين سوريين، واقتنائي اللوحات، لا يقتصر على أعمال الفنانيين المعروفين على العكس، فأنا بصراحة أقتني لوحات لفنانين شباب، كما أنني أفكر جدياً بأنني في فترة قريبة سأعود وأستقر بدمشق، فلدي الكثير من الأفكار التي سأتعاون بها مع ذوي الاختصاص من أصحاب الصالات وستعرفون عنها في حينها».
وعن تقييمه للحركة التشكيلية السورية يوضح: «الفن التشكيلي السوري جميل جداً ولكن ما ينقصه هو التسويق، بمعنى إذا نظرنا إلى دول الجوار، ما يتم صرفه على تسويق الأعمال يضاهي أسعارها، هذه الثقافة نحن نفتقر لها، هذا من جهة ومن جهة أخرى فكرة اقتناء اللوحات في المنزل هي فكرة لم نعتدها بعد، فما أقصده هنا هذه ثقافة تحتاج إلى تعويد الطفل منذ نعومة أظافره وهو في المدرسة رؤية اللوحات في الكتب المدرسية، إذاً هذا أمر تتم معالجته بالتربية والثقافة، وبالمقابل نحن لدينا أعمال لفنانين جدّ رائعة على الرغم من أنهم حديثو الخطا في المشوار التشكيلي، إذاً ما ينقصنا التسويق الجاد ودراسة الأسعار».
عن خطورة العالمية واختلافها السلبي المؤثر في الفنان يقول عكاوي: «في بعض الأحيان تؤثر العالمية بشكل سلبي في الفنان وهذا الأمر نتيجة اللاوعي لديه، أو رغبة منه في التسويق والبيع ما يفقده الكثير من المهنية، فالتسويق سلاح ذو حدين، فإما يرفع العمل ويكون مردوده جيداً كي يستطيع الفنان أن يستمر ويحمل الهوية التشكيلية السورية وإما العكس تماماً».
حول تفاؤله بالحركة التشكيلية السورية يؤكد الفنان التشكيلي وليد عكاوي «أنا متفائل بناء على انتهاء الأزمة السورية، فالأمور تسير نحو انفتاح تحتاج اليه سورية كما هي بحاجة إلى أمور جديدة نابعة من أعماق الإنسان، فسورية متقدمة بالكثير من الأمور، والسوريون يريدون الانفتاح والسعي للحداثة البعيدة عن السوداوية والجهل».
وعن حاله المتناوب بين الريشة والألوان وتعبير الكلمة يقول: «هذا الأمر يكون حسب حالتي ومزاجي، فالكلمة أكتبها عندما أحس بأنني بحاجة إليها، وكنت بالفعل التزمت القلم أكثر في الفترة الأليمة التي عاشتها سورية، لأنني إعلامي ورغبت في أن أدافع عن بلدي، بنشر ما يدور حقاً بعكس ما كان الغرب ويروج له، فكتبت ونشرت مقالاتي باللغة الإنكليزية، كي أنشر الحقيقة لكوني مقيماً في الإمارات وهو بلد منفتح إعلامياً بشكل كبير، وحتى التركيبة السكانية فيه تنطق وتتحدث باللغة الإنكليزية، وعلي أن أكتب للشريحة الأكبر. وبالمقابل الفن حالة وجدانية ولولا زوجتي جولييت مخلوف لما كنت رسمت».

جولييت مخلوف

«كانت أعمال الفنان وليد عكاوي متنوعة بين الميديا والنشر بمعنى أنه كان بعيداً عن الرسم، ولكن مع أوقات فراغه الطويلة بعد التقاعد، أحببت أن ينضم إليّ في الفن التشكيلي وأن نعمل معا، أنا دخلت عالم التصميم «الجيومتري» قبله عندما أقمت معرضا في عام2014 وكان موضوعي الهرم، ولكن الفنان عكاوي حالياً أضاف ألواناً أكثر مع مشاعر الفرح، كما أن تكوينه جميل جدا، وهذا الأمر يدل على أن لديه القدرة وهو يمتلك حب التعلّم من خلال استفساراته وأسئلته الكثيرة، إضافة إلى تقنياته التي يمتلكها كلها مكنته من التقدم».
وعن الشريحة التي يمكن أن تستهوي فن أو تصميم الجيومتري تقول الفنانة: «هذا الفن له نحو خمس سنوات وهو موجود في أوروبا وواضح جداً في العمارة، وصحيح أنه يعطي الفنان مدى واسعاً من الحرية ولكن بالمقابل إذا لم يكن له رسالة معينة فلن يتمكن من الوصول إلى المتلقين من الجمهور».
وعن الألوان تشير: «من تجربتي أقول إنني في معرضي عندما صممت الهرم، انطلقت من الرماديات لكوننا نعيش أزمة، حيث كان اللون الرمادي نوعاً من الحيادية حول الأحداث، وبالوقت نفسه يوصل رسالة، فاللون له دور ومعنى ويعبر عن مشاعرنا المتنوعة والمتناقضة أيضاً، وبالعودة لأعمال الفنان وليد عكاوي فإنه أيضاً تأثر بالحالة السورية واتجه نحو الرمادية ولكنه خرج منها سريعاً، موظفاً كل الألوان بطريقة مدروسة ومقدما إياها بدرجات صحيحة، ونلاحظ أن هناك ألواناً كثيرة ومتنوعة الدرجات، وبالمقابل أيضاً هناك ألوان قليلة وكثيرة الدرجات ومع هذا كله بعضه منسجم مع بعض».
وحول علاقتها الفنية بزوجها الفنان وليد عكاوي وتوجيها الانتقادات إليه أوضحت: «ما يميز علاقتنا الفنية أنه في الفترة التي كان فيها غائبا عن الفن كان دائماً مطلعا ومتابعا للحركة التشكيلية بالعموم، وكان دائماً يراني بالمرسم ويتابع الرسومات وبالفعل هذا الأمر انعكس عليه إيجابياً، وكما أسلفت عندما انتهى وتقاعد من عمل الميديا أنا شجعته وتجاوب مع الدعوة وهو اليوم بيننا في معرضه».

علاقات روحية
من جانبه تحدث الفنان التشكيلي أكسم طلاع عن قراءة الجمهور لهذا النوع من الفن معتبرا أن الفهم ليس بالصعب ما دامت أحاسيس الفنان ومشاعره وصلت عبر رسالته من أعماله، مضيفاً: «الفن الذي يجسده الفنان عكاوي في أعماله اسمه الفن اللاموضوعي، فالعمل فني محض ونجد فيه علاقات فنية وعلاقات هندسية وعلاقات سطوح، وفناننا أضاف رؤية جديدة للفن التشكيلي السوري من خلال معرض متكامل وطرح واحد متمكن منه وهو غني جداً حيث نلحظ علاقات كثيرة في العمل الواحد، الذي برأيي ليس فيه خلاصة علاقات هندسية بل يجمع علاقات روحية بين كل حيز وآخر، بحيث إن هناك منطق تأليف في طاقة لا حدود لها في الفن وفي فكر الفنان».

شكّل صدمة بصرية
عبر الفنان التشكيلي إسماعيل نصرة عن سعادته لحضور افتتاح المعرض بما قدمه الفنان من أعمال أثارت في نفسه الاستفزاز الإيجابي لكونه من عشاق الفن التجريدي، معتبرا أن الفنان نجح في صدمه وإدهاشه بصرياً، حيث يقول: «لقد حقق لي الفنان وليد عكاوي صدمة بصرية جديدة، فنحن لم نعتد بعد هذه النوعية من الفن، لكن فناننا له عمقه وثقافته الواضحة في هذا النوع من التصميم الفني سواء عبر دراسته الأكاديمية أم من خلال متابعته للوسط الفني التشكيلي، والأمر الواضح عمله على الشكل المثلث في الأعمال والخروج منه إلى اشتقاقات أخرى، وما أحب أن أشير إليه أن المتلقي هنا لم يعتد قراءة الفن التجريدي، وكم أتمنى أن نُكثر من هذه النوعية من الفنون لكونه من أرقى الفنون وليس أي فنان قادر على الرسم والإبداع هنا، أو أن يوصل الحالة الحسية سواء من خلال تجريد هندسي أو أي خط أو لون. إذاً الفنان وليد عكاوي حضر إلى دمشق بمعرض مهم جداً، ومعرفاً عن نفسه أكثر من خلاله التنويع والثقافة البصرية التي تحتاج إلى الإغناء بشكل مستمر، وفي النهاية أنا أشكره لافتتاحه المعرض أولاً في سورية ومن بعده إلى فرنسا وبريطانيا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن