ثقافة وفن

كيف سيتفاعل المثقف العربي مع مستقبل الثقافة في ظل العولمة؟

| د. رحيم هادي الشمخي

قديما برر ابن رشد حرق كتبه (لقلة جدواها وضنّ بها على من لا يعرف قدرها بعد موته)، أما هلال الصابئ الذي طلب منه أن يكتب تاريخ بني بويه قال «أباطيل ننمقها وأكاذيب نلفقها».
لا أحد ينكر أن المثقف العربي ما بعد عصر الاستعمار ثم عصر الانهزامات العربية بدأ يمثل دور الوصي على ثقافة المجتمع، وهو الأمر الذي فصله تدريجياً عن الواقع الاجتماعي وأفرغ مكانه، وهو فراغ استغلته فئات محددة من المجتمع، وبذلك امتلأ الفراغ الذي سببه انسحاب المثقف العربي من مكانه أو استقالته من وظيفته ليبرر ذلك بأنه (فقد الأمل) في أي إصلاح سياسي أو اجتماعي وفقد الأمل في (إيجابية المواطن العربي) الذي حطم طموحه النهضوي الفقر والظلم والفساد والبطالة والاضطهاد وسوء التعليم وغياب الحرية والديمقراطية ومثلما فعل ابن رشد عندما أحرق كتبه لأن المجتمع لا يستحقها، انسحب المثقف من هذا الوضع مترفعاً عنه لأن المجتمع لا يستحق وجوده، وظل يراقب المجتمعات العربية وضلوعه تتكسر تحت أثقال تلك الهموم، وترك الساحة للمثقفين الذين يتاجرون بهموم المجتمعات العربية تارة ويزيفون الوعي العربي (بأباطيل منمقة وأكاذيب ملفقة) تارة أخرى، من خلال زراعة اليأس داخل قلوب وعقول المجتمعات العربية وترويج مصطلحات بأنهم مجتمعات متخلفة لا يملكون مقومات النهضة والحرية.
أليس هذا ما قدمه لنا الأدب العربي خلال خمسين عاماً؟!. مجرد تكريس للنظرة السوداوية لأحوال المجتمعات العربية وعيوبه وفضح مستوراته وكشف عوراته، فأصبحت القصائد والروايات (تندب حظ المجتمعات العربية العاثر) وأن القادم ليس أفضل مما كان، ولم يدرك مثقفو العرب أن (اللحظة السيكولوجية) في حياة المجتمعات أمر حتمي مرتبط بلحظة التنوير التي يفجرها صراع (الوجود). وفي كلتا الحالتين كان على المجتمعات العربية أن تعتمد على نفسها للتخلص من ظلم أنظمتها الظالمة والمستبدة من خلال استثمار طاقة الشباب والتقنيات الاتصالية التي صنعت من العالم الافتراضي عالماً نضالياً، وبذلك خرج المثقفون من لحظة التبووء بالثورة والمحرض عليها، أما مشاركتهم فيها فهي (إجبارية) وليست (اختيارية). ولذا يبقى لهم هذا السؤال: كيف سيتفاعل المثقف العربي مع مستقبل الثقافة في ظل العولمة والشرق أوسطية؟!
أعتقد أنها وظيفة متعددة المهام أو الأدوار فوظيفته في وقت العولمة تختلف عن وقت الحروب والسلم والتحولات والتغييرات.
الاختلاف لا أقصد به (تغيير الجلد الثقافي) للمثقف، إنما التفاعل المستمر مع الحدث الاجتماعي وتوجيهه من جانب وقيادة الوعي النهضوي للمتلقي من جانب آخر، ودسترة مدونة التغيير، طبعاً لا أقصد الدسترة بمفهومها القانوني إنما بمفهومها الثقافي أي تحويلها إلى منظومة نسقية ينبني عليها الوعي الاجتماعي، فهو يمثل وظيفة دورين (مرسِل ومرسل إليه)، وتفعيل تلك الوظيفة تحتاج إلى (ذكاء ثقافي).
والعبارة السابقة لا تنقص من دور المثقف بل تزيد من مسؤوليته؛ لأن المثقف (آلة قياس) للمجتمع في ثوراته وحروبه وسلمه وتحولاته وتطوراته. في المبتدأ أعتقد أن الثقافة العربية تعيش الآن في ظل العولمة (أزمة) وفق تفكير أولي قابل للمراجعة والتيقن وحتى على المستوى التقني الأكاديمي رسخ الأدب بأنه (مرآة المجتمع) أو محاكاة للفعل الحاصل لا الفعل الاستحقاقي، لا صانع للمجتمع. وهذا استلاب مستمر لقيمة تأثير الثقافة في صناعة التغيير الاجتماعي والسياسي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن