قضايا وآراء

هل اقتربت المنطقة من مشروع (مارشال) روسي- صيني؟!

تحسين الحلبي : 

بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة أعد وزير الخارجية الأميركي (جورج مارشال) خطة حملت اسم (مشروع مارشال) الاقتصادي لإعادة بناء أهم الدول الأوروبية التي دمرتها الحرب العالمية الثانية وخصصت واشنطن 13 مليار دولار لهذه الغاية أي بما يقدر الآن بـ130 مليار دولار.
ومنحت بريطانيا نسبة 26% منها و18% لفرنسا و11% لألمانيا الغربية و18% لبقية الدول الأوروبية وكان الهدف الاستراتيجي من مشروع (مارشال) هو إعادة القدرة الصناعية والاقتصادية لهذه الدول من أجل مجابهة (الاتحاد السوفييتي) الذي أصبح منافساً لواشنطن في قلب أوروبا هو ودول أوروبا الشرقية.
وفي يومنا هذا ازداد حديث الأميركيين عن مشروع مارشال أميركي اقتصادي للشرق الأوسط في أعقاب الحروب التي ولدتها واشنطن وتل أبيب في المنطقة منذ عام 2011 وما نتج عنها من دمار وتخريب منهجي وشبه شامل في عدد من الدول العربية، لكن أحداً لا يمكن أن يخفى عليه أن يحمل مشروع مارشال الحديث معظم أهدافه التي حملها عام 1948، فالتنافس بين الدول الكبرى أصبح يفرض نفسه الآن بين كتلة الصين وروسيا وحلفائهما وبين كتلة واشنطن وبريطانيا وكندا وحلفائها، التي تسعى إلى المحافظة على السيطرة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط وتوسيع دائرة مصالحها الاقتصادية والإستراتيجية فيها لمحاصرة المصالح الروسية والصينية وما تحمله من قدرة على فرض نظام عالمي متعدد الأقطاب ومتشارك في حل الأزمات الدولية.
وفي تحليل نشره البروفيسور (روبرت ميسون) في (تشرين الثاني 2014) في المجلة الأميركية (أوبين ديموكراس) يتحدث الكاتب الذي يعمل في الجامعة الأميركية في القاهرة عن بداية التطرق إلى هذا المشروع ويكشف في تحليل أن واشنطن ستعتمد على عدد من الدول النفطية وفي مقدمتها السعودية لتمويل معظم نفقات هذا المشروع وتسخير هذا التمويل للمصلحة الأميركية والشركات الأميركية التي تريد واشنطن أن تفرض التعاقد معها وعدم التعاقد مع شركات روسية وصينية أو من دول البريكس أو من إيران بشكل خاص.
ويقول ميسون: إن الصين وروسيا ستتطلعان إلى المشاركة في جميع مشاريع إعادة البناء في الدول التي ترتبط معها في علاقات سياسية وعسكرية متينة مثل سورية وإيران التي دفعت ثمناً من الحصار وكذلك العراق وبعض الدول العربية التي تحظى بهامش مناورة نسبية عن السياسة الأميركية مثل مصر واليمن والسودان، ولكن واشنطن لا تزال توظف كل حلفائها لمنع الاستقرار عن هذه الدول ما دامت تتمتع باستقلالية عن القرار الأميركي ولهذا السبب لا تزال ساحة بعض الدول العربية تحتل أهمية في جدول العمل التخريبي الذي تتبناه واشنطن وخصوصاً في اليمن وسورية والعراق لحرمانها من قرارها المستقل عن الهيمنة الأميركية، وهذا ما جعل الكثير من المختصين بالاقتصاد يعتقدون أن واشنطن ستدرك قريباً أنه لن يكون بمقدورها فرض (مشروع مارشال) على هذه الدول المستقلة من إيران إلى سورية والعراق واليمن والجزائر، وهو ما عجزت عنه تجاه دول أوروبا الشرقية عام 1948 حيث شكلت موسكو منظمة اقتصادية اشتراكية لدول أوروبا الشرقية مثل ألمانيا الشرقية وهنغاريا وبلغاريا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا ويوغسلافيا وجميع دول الاتحاد السوفييتي.
وبالمقابل ستتمتع دول البريكس ومنظمة دول شانغهاي بقدرة واضحة على دخول أسواق مصر والسودان وليبيا للمشاركة في مشاريع إعادة البناء ولا بد أن تعمل دول البريكس في النهاية على ضم دول مثل إيران وغيرها إلى دول (مجموعة شانغهاي للتعاون) فتنأى جميع الدول المناهضة للهيمنة الأميركية بنفسها عن الخضوع للشروط الأميركية الامبريالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن