ثقافة وفن

نحو إتقان الكتابة العلمية باللغة العربية … د. محمد مكّي الحسني: إدراك أهمية اللغة الوطنية من كرامة الأمة وواجب قومي

| سوسن صيداوي

«اللغة هوية الأمة، وأعظم مقومات وجودها ووطنها الروحي، والأمم الحية تحافظ على لغاتها لحفاظها على أوطانها، والعلاقة بين مكانة الأمة ومكانة لغتها وثيقة جداً، فاللغة هي أمة». الجملة قالها في تمهيده المؤلف د. محمد مكّي الحسني الذي يحمل عنوان: «نحو إتقان الكتابة العلمية باللغة العربية صادراً إلينا من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق، بالقطع الوسط وبعدد صفحات تبلغ مئتين وست وتسعين صفحة. البحث عبارة عن مجموعة من الحلقات، تضم كل واحدة منها عدداً من الفقرات وتتناول الحديث والشرح تحت عناوين: أهمية اللغة العربية وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها، أسباب تدني مستوى الأداء بالعربية لدى المتعلمين، سبل التمكن من اللغة العربية: كيف ترتقي بلغتك؟، والوسائل المساعدة. وللحديث أكثر نتوقف عند بعض النقاط.

أهمية اللغة للأمة وضرورة الاعتزاز بها والدفاع عنها
تحت هذا العنوان أشار الباحث إلى أن عبقرية اللغة العربية وخصائصها الفريدة، كتب عنها عشرات الكتب والدراسات والمقالات، وانحنى لعظمتها العرب والمستشرقون، ويتابع مستشهداً بقول أحدهم: «ليس على وجه الأرض لغة لها من الروعة والعظمة ما للّغة العربية، ولكن ليس على وجه الأرض أمة، تسعى بوعي أو بلا وعي، لتدمير لغتها كالأمة العربية». كما ذكر الباحث بأن اللغة العربية كانت في الماضي لغة عالمية -وبأنها اليوم- باعتراف العالم كله- اللغة الرسمية الدولية السادسة: في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة، وفي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو). متابعاً: إن بعض القيادات السياسية الواعية في كثير من الدول أدركت أهمية اللغة الوطنية، وإن تعزيزها هو مسألة كرامة، كرامة الأمة، أي واجب قومي. فعززت كوريا وفيتنام وفنلندا ورومانيا وغيرها، لغاتها الوطنية، وجعلت التعليم بها في جميع مراحله؛ بل أحيا الكيان الصهيوني لغة ميتة! استجاب المواطنون وخصوصاً المثقفين لرغبات قياداتهم، وآزروها وساعدوها على تطوير اللغة الوطنية وازدهارها وسيادتها.

إتقان الأجنبية إلى جانب العربية
أشار د. مكي الحسني إلى أن السعي لإتقان العربية لا يعني أبداً التخلي عن تعلّم اللغات الأجنبية الحية، بل من المهم جداً أن يتقن العالم العربي لغة أجنبية واحدة على الأقل! هذا ما يفعله علماء البلاد المتقدمة، والأحرى أن يفعله علماؤنا. وليس مقبولاً أن يسعى العربي لإتقان لغة أجنبية، فيبذل في سبيل ذلك كل جهد ممكن، وأن يمهل في الوقت نفسه لغته العربية!. متابعاً: «ليس مقبولاً أن يأخذ بالحزم في تعلّم الإنكليزية -مثلاً- وبالتضييع في تعلّم الأمة. تراه إذا خالف قاعدة وأخطأ التعبير بالإنكليزية، ونبّه على ذلك، أبدى أسفه وعبر عن احترامه وخضوعه للقاعدة، لأنه يتمنى أن يكون من المتقنين للإنكليزية فيتباهي بذلك».
أما إذا نبّه على خطأ بالعربية وقع فيه، فهو -في الأغلب- لا يبدي أسفه! وقد يقول لك غير مبال ولا شاعر بخطورة تقصيره (أنا لا أحسن العربية). ولا تلمس منه «غالباً» رغبة في إتقانها كرغبته في إتقان الإنكليزية، مؤكداً أن هذا الحال سيؤدي إلى التقاعس عن استدراك ما ينقص المرء من معلومات في العربية وهو سبب الظاهرة الخطيرة الواسعة الانتشار- وما سماه المؤلف -التسييب اللغوي- أو الإباحية اللغوية وهذا ما يرمي إليه أعداء العروبة.

لماذا تدنى مستوى الأداء
بالعربية لدى المتعلمين؟
تحت هذا العنوان شرح د. الحسني عن الأسباب التي أدت إلى تدني مستوى اللغة العربية عند المتعلمين، مشيراً إلى أنه في مطلع العصر الحديث كان المتعلمون قلة ومعظمهم جيد المعرفة بالعربية لكونهم كانوا يأخذون علمهم عن معلمين مقتدرين ومن الكتب التي كانت شائعة آنذاك ولكنها كانت مصوغة بلغة عربية جيدة أو سليمة على الأقل، ويتابع: ثم زادت نسبة المتعلمين، وخصوصاً في النصف الثاني من هذا القرن العشرين، زيادة كبيرة في معظم البلاد العربية. ورافق هذه الزيادة هبوط ملحوظ في مستوى التعليم والمعلمين والمتعلمين، والكتب التي يكتبونها ويقرؤونها. وأسهم في هذا الهبوط:
أولا: التوسع السريع جداً في التعليم الابتدائي والإعدادي في كثير من البلدان العربية، وإناطة التعليم في هاتين المرحلتين الحساستين، بأشخاص معظمهم غير مؤهل تأهيلاً يكفي للنهوض بهذه المهمة العظيمة الشأن لتكوين الناشئة.
ثانياً: انتشار ما صار يسمى (وسائل الإعلام): المقروءة (الصحف والمجلات) والمسموعة (محطات الإذاعة)، والمرئية (محطات التلفزة). ومن المؤلم أن هذه الوسائل كلها، تنشر فيما تنشر لغة العامة والخطأ اللغوي وترسخه. فيتأثر بها بحكم انتشارها الواسع، عشرات الملايين من المتعلمين وغيرهم. وقد يتخذونها قدوة لهم، علماً بأن القائمين على هذه الوسائل غير مؤهلين التأهيل الكافي، ويؤيد ما أقول إننا لم نكن نسمع قبل نحو40 سنة الأخطاء الفادحة الآتية -وأمثالها- والتي أشاعتها الصحف والإذاعات: سوف لن أحضر/والصواب لن أحضر، مبروك/ والصواب: مبارك، إن هكذا أشياء غير مقبولة/ والصواب: إن أشياء كهذه».

ما السبيل إلى التمكّن من العربية؟
هنا طالبَ الباحث بضرورة التمكّن من العربية السليمة وبعد ذلك على المرء أن يسعى للتضلع من الفصيحة، ثم الفصحى في المرحلة الأخيرة، متابعاً د. مكّي الحسني: من المهم أن ندرك جميعاً-في العصور الأخيرة- بأننا لا نملك سليقة لغوية سليمة للأسباب التي ذكرتها. ولهذا علينا اكتساب العربية السليمة مثلما نكتسب الإنكليزية السليمة. كيف؟. الجواب:
أولاً: عبر قراءة الكثير من النصوص الفصيحة قراءة متأنية متروية، مع إمعان النظر في المفردات والتراكيب لحفظها واستعمالها والقياس عليها. وحبذا تعويد أولادنا، منذ الصغر على قراءة هذه النصوص. أما السماع فنحن نفتقر إليه: إذ أين يمكنك في هذه الأيام أن تسمع لغة عربية عالية، يمكن الاقتباس منها؟
ثانياً: بالرجوع المتكرر إلى معجم لغوي جيد.
ثالثاً: بالاستعانة بكتاب جيد في قواعد العربية.
رابعاً: بالاطلاع على بعض معاجم الأخطاء الشائعة.

ما الوسائل المساعدة؟
هنا أوضح الباحث بأن إدمان القراءة الواعية للنصوص الفصيحة هو الأساس، مقترحاً البدء بالقرآن الكريم، ثم بأعمال كتّاب مجيدين معاصرين مثل:
– مصطفى صادق الرافعي (وحي القلم؛ كتاب المساكين؛ إعجاز القرآن).
– طه حسين (الوعد الحق؛ الأيام؛ على هامش السيرة).
– علي الطنطاوي (فكر ومباحث).
– ديوان أحمد شوقي.
وبعد ذلك يحسن الاطلاع على بعض أعمال القدامى مثل:
– ابن المقفع (الأدب الصغير؛ الأدب الكبير؛ كليلة ودمنة).
– الجاحظ (البيان والتبيين؛ الحيوان؛ البخلاء).
– ابن قتيبة (عيون الأخبار).
– سيرة ابن هشام.
– ديوان الفرزدق.
– أبو الفرج الأصبهاني (الأغاني).
وأيضاً اقترح الباحث القراءة بروية وإنعام شديدين، مع حفظ التراكيب والمفردات كما نفعل عند تعلم اللغة الإنكليزية، مع ضرورة الرجوع بالدرجة الأولى إلى المعجم الوسيط الصادر بطبعته الرابعة سنة2004، لكونه الأوضح والأدق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن