زلزال الغاب.. ننطلق لننتصر
عبد المنعم علي عيسى :
منذ أن ارتسمت خرائط سيطرة جديدة في الشمال السوري بدءاً من إدلب 28/3/2015 بدعم تركي مباشر تعدى بكثير الدعم اللوجستي وهو ما سيكشف حجمه عاجلاً أم آجلاً أكان ذلك عبر «ويكيليكس» أحدهم أو بعد خسارة حزب العدالة والتنمية للسلطة في أنقرة التي لن تطول كما تقول العديد من المؤشرات، مُذاك كان واضحاً أن الجيش يعد لعملية واسعة تهدف إلى تغيير محاور القتال كخطوة أولى تمهيداً لتغيير خرائط السيطرة من جديد وهو ما جاءت به معركة «زلزال الغاب» التي انطلقت منذ نهاية تموز المنصرم وإن كان الإعلان عنها بالاسم قد جاء يوم 17/8/2015، وفيها استطاع الجيش خلال الأيام الأربعة الأولى من السيطرة على مرج الزهور وعلى محطة زيزون 30/7/2015 بعد ساعات قليلة من انتهاء عبد الإله المحيسني (رئيس مركز دعاة الجهاد) من خطابه الذي كان يوجهه إلى «المجاهدين» من قلب محطة زيزون نفسها، وتقول التقارير الميدانية (حتى الغربية منها بما فيها رويترز) إن خسائر جيش الفتح في هذه المعركة كانت فادحة وقد بلغت 180 قتيلاً منهم 110 من الأجانب المنتمين إلى جبهة النصرة وأحرار الشام والحزب الإسلامي التركستاني (الأيغور الصينيون) إضافة إلى مقاتلين تابعين لوحدة هندية- تقول التقارير نفسها- إنها جاءت من قطر إلى تركيا عبوراً نحو سورية.
تمثل جغرافيا سهل الغاب جسر وصل- أو قطع- (T) للشرق السوري مع غربه، كما تمثل امتداداً استثنائياً يشرف على مدن الشمال الشرقي (حلب- إدلب) ومدن الغرب الشمالي (حمص، حماة) ومدن الغرب (اللاذقية، طرطوس) ومن شأن عملية السيطرة على تلك الجغرافيا أن تؤدي إلى فصل شطري البلاد الشرقي والغربي عن بعضهما بعضاً ما يفسر احتدام الصراع القائم حالياً والذي سيستمر تبعاً لمجريات المعارك على الأرض.
كانت تلك هزيمة موصوفة تلحق بجيش الفتح منذ تأسيسه 25/3/2015 وقد كانت من الكبر حيث إنها أدت إلى بروز الخلافات فيما بين مكونات ذلك الجيش، وهو أمر من المتوقع أن يتصاعد في الأيام اللاحقة إذ لطالما لعبت النجاحات النسبية التي حققها في البدايات بدعم تركي مباشر دور (الصمغ اللاصق) فيما بين فصائله، ومكنت – ولو إلى حين- من تأجيل انفجار الخلاف فيما بين تلك الفصائل التي كانت تتنافس بالدرجة الأولى على غنائم إدلب قبل أي شيء آخر.
يقرأ الدور التركي المنكفئ نسبياً في الشمال السوري على أحد الوجهين التاليين: إما أن يكون هناك متغير تركي حقيقي في طريقه التعاطي مع جبهة النصرة بعد الاتفاق الأميركي- التركي الذي حدث بعد أسبوعين من اتفاق فيينا 14/7/2015، هذا المتغير بدا ملحاً في الآونة الأخيرة على خلفية «الزعل» الحاصل بين واشنطن وبين جبهة النصرة إثر اعتقال الأخيرة لمجموعات سورية تلقت تدريبات على أيدي CIA في تركيا لمرتين على التوالي في 29/7 و4/8 أو أن الأولوية التركية في هذه المرحلة باتت لمجابهة التمدد الكردي على محور جرابلس- منبج- الباب تزامناً مع العمل على احتواء داعش لإرضاء واشنطن التي كافأت أنقرة عبر قبولها بضرب الأكراد مقابل إعلان هذه الأخيرة عن دخولها الحرب ضد داعش.
ما تشير إليه معركة زلزال الغاب هو تلك الحيوية الفائقة التي أظهرتها وحدات الجيش المقاتلة ومعها القدرة على تجديد كوادره بالسرعة المطلوبة، في مشهد من شأنه أن يدفع بالسوريين نحو مزيد من الاطمئنان ومزيد من صوابية المسار.
مرة أخرى يثبت هذا الجيش أنه ملحمة الوطن التي لا تنتهي ولن تنتهي ما دامت جراح هذا الوطن تنزف وما دام المستثمرون يضاربون في بورصة الدماء السورية التي يؤشر سهمها إلى ارتفاع دائم على مدار السنوات الأربع المنصرمة.
بعيداً عن محاولات دي ميستورا والتي ستحتاج إلى وقت أطول لكي تتضح آفاقها، نرى من المهم أن نشير هنا إلى تصريح للسيد علي خامنئي ورد في خطبة عيد الفطر 17/7/2015 وقد جاء فيه أن «لا تغيير في السياسات الإيرانية في المنطقة» ما يعني أن ترجمات اتفاق فيينا سوف تحتاج لبعض الوقت حتى تأخذ طريقها إلى الملفات الإقليمية وبأن مسلسل المساومات لم يحسم كله بعد، ما يعني أيضاً أننا سنشهد تصعيداً كبيراً على مدار الأشهر المتبقية من عام 2015 سيكون أشبه بصراع كباش فيما بين الخمسة الكبار (روسيا، أميركا، إيران، تركيا، السعودية) المنغمسين في الأزمة السورية مع دور ثانوي لمصر لا يرقى لأن يخرج من تحت العباءة السعودية، مع الإشارة إلى أن تلك المرحلة ستشهد محطة مهمة في 1/11/2015 أي اليوم الذي ستجري فيه الانتخابات التركية التي تشير معطياتها الحالية إلى تراجع مؤكد لحزب العدالة والتنمية من دون أن يكون ذلك أمراً حتمياً، فأردوغان لن يتوانى عن فعل أي شيء للحصول على 325 مقعداً في البرلمان التركي الأمر الذي يعيد الأمور إلى سابق عهدها أي إلى ما قبل 7/6/2015.