ثقافة وفن

مقامات في الحب والحرب.. ترجمة لمجريات حقيقة … أنور الرحبي: المقامات تبدأ من بناء شكلي مسبق في الذاكرة وعليها تبين أن لا حياة بلا حب … جحجاح: الحب يمتد من دمشق إلى اللاذقية ونهر الفرات في دير الزور على ضفاف ممتلئة باللون والشغف

| سارة سلامة

تعمل صالة «ألف نون» عبر منظومتها إلى استضافة التجارب الغنية وها هي تجربة الفنان أنور الرحبي التي تمتد إلى أكثر من40 عاماً، تشكل اليوم نقلة نوعية تعبر عن حالة من العشق الصوفي المعتق بأثقال حرب مريرة من خلال المزاوجة بين الألوان الحارة والباردة، وجمع التضاد بين حرب وحب وتأثير كل ذلك ليكون عند كل مقام ليس مقالاً بل صورة وتعبير وحالة ورموز من أسرة ونافذة وعمارة تحمل في دقتها الكثير من التفاصيل ومع كل ذلك تبرز المرأة بمختلف تفاصيلها من خلال لوحته تعبر عن حالة بطولية تعيشها هنا، والمعرض الذي ضم 25 لوحة تشكيلية حافظ فيه الفنان الرحبي على تميز صوته التشكيلي الذي يحمل نكهة خاصة لبقائه ضمن بوتقة الذات الصوفية والشعرية اللونية والموضوعية التي تحمل ما في دواخلنا من مشاعر وأحاسيس، وفي أعماله روح المقام، مقام الأسرة اليومية، ومقام الزمن الصعب من الشارع المشغول بتعبه اليومي وبأعماله حبق الغياب من مقام الذكريات، والأنسنة المشغولة بالطوق الحياتي من جهتي العشق والسكون، يقدم الفنان مقامه الغافي على الأضرحة التي تطل من نوافذ النفحات.
ويلبس الرحبي أشكاله بألوان مختلفة تتجاور لمصلحة استحضار اللهجة الفراتية التي تشكل شتاء ألوانها، إنها قصائد ملونة لمقامات الحب والحرب والحياة وفي داخلها هوى الوديان ولغة الشمس والموليا، إنه عاشق الاكتشاف وامتلاك حقيقة المقام.

لا حياة من دون حب

وقال الفنان أنور الرحبي في تصريح خاص لـ«الوطن»: إن «هذه المقامات ليست آنية بل حالة وهي مقامات التوحيدية ومقامات الروح، لأنها تبدأ من بناء شكلي مسبق في الذاكرة وعليها نشدت باللون كثيراً من المعطيات، وهذه المعطيات هي الحركة والحياة والنافذة والطريق وما شابه ذلك، فالمقامات تبين لنا أنه لا حياة من دون حب وفي الحقيقة كل أسود يحتاج إلى أبيض وكل أبيض يحتاج إلى أسود، ونحن في سورية تعودنا ذلك ودائماً نخرج من هذه الأزمات، وأعمالي هي ترجمة لمجموعة سوالف حقيقة أكدتها من خلال عناوين مختلفة ومنها مقامات الروح والنافذة والجسد والوجه كلها تجتمع في غاية الجمال ولكن مهما جملتها تبقى الحياة أجمل».
وعن استخدامه اللون الأسود بين الرحبي أن: «الأسود يمثل جسد الفنان وإمكانياته وأميل إلى الخط العريض منه وهو حالة تعبير وأحياناً تعجم بالألوان وتنغمس بها ولكن يبقى الأسود حالة فرح بعكس ما يقولون، ففي أوروبا كثيراً ما ترتدي الفتاة في عرسها فستاناً أسود لأن السواد يشكل حالة للبدء في صيرورة الحياة والانتماء إليها بكل ألوانها، ورسالتي موجهة إلى كل إنسان بألا يراني فقط بعين واحدة بل يراني بعينين اثنتين ومن ثم لأؤكد الكثير من الحركات الإنسانية والدرامية التي تكلل دائماً بالحالة التي أقيم بها الزمان والمكان الذي أرسم به».
أزمنة مختلفة في اللوحة

وبدوره قال الفنان بديع جحجاح إن: «افتتاح الموسم الجديد لصالة (ألف نون) يعتمد على نوع من المفارقات والجدليات، وعندما نقول الجدل بين الحب والحرب نتحدث هنا عن الراء التي أسقطت من كلمة الحرب ليبقى الحب، والفنان الرحبي هو شريك حقيقي للفن التشكيلي عبر قيادته وشراكته في اتحاد الفنانين التشكيليين وتأثيره في جملة قوانين مهمة، إضافة إلى امتلاكه منهجاً خاصاً به هو عبارة عن الخط الأسود الذي يمثل الأمل والانتصار، فالحب اليوم يمتد كجسر من دمشق إلى اللاذقية ونهر الفرات في دير الزور على ضفاف ممتلئة باللون والشغف منتظرين النصر الكبير لسورية».
وأضاف جحجاح إن: «هذه العلاقة المهمة في احتضان اللون الأسود لمساحات ملونة فيها قصص وسرديات وحالات شعرية مؤنثة يتميز بها الرحبي حيث نرى في اللوحة أزمنة مختلفة وقد نلمح بعض القضايا لامرأة تطمح إلى السلام والأمن والحب وكل هذه القصص النثرية والشعر المسفوح على جبهات الحرب يصوغه الفنان الرحبي بمساحات من حقول أمل وقمح».
أما عن جديد صالة (ألف نون) فيبين جحجاح أن: «هناك خطة قوية لها علاقة بإطلاق الرمز الجديد تحت اسم المحبة وهو مشتق من المنظومة المسيحية المشرقية التي لها تأثير كبير في ثقافتنا الإنسانية».

أكثر نضجاً وغنى
ورأى الفنان محمد غنوم أن: «المعرض مهم في المسيرة الفنية للفنان الرحبي حيث نعلم جميعاً أنه من الفنانين المعطائين والمنتجين بشكل جيد، ولكن اليوم يحقق نقلة نوعية، وخاصة مع هذا العنوان الذي يحمل نوعاً من التضاد بين الحرب والحب وتجلى ذلك في ألوان الرحبي، كما نلاحظ أن الشخوص التي رسمها معبرة بشكل عميق التعبير عن هذا العنوان الذي يحمله المعرض، وحقيقة أهنئ الفنان الرحبي على هذه النقلة وعلى هذا الإنتاج المهم وخاصة في هذا الوقت وسورية تختتم أزمتها التي مرت عليها، ونشاهد أيضاً أن تكوين اللوحة أصبح أكثر نضجاً وغنى عما كان في السابق بسبب المتانة في توزيع الشخوص والمساحات، وهذا التناقض ما بين الحار والبارد يعكس أيضاً العنوان العريض لهذا المعرض مقامات في الحب والحرب».

بانوراما فنية تشكيلية
ومن جانبه أكد رئيس فرع دمشق لاتحاد الفنانين التشكيليين الدكتور نبيل رزوق أن: «الرحبي فنان يبحث دائماً في الأعمال الفنية، وأسلوبه الفني متطور دائماً لأنه يعتمد على البساطة والواقعية التعبيرية إضافة إلى غنى الألوان في أعماله، ونلاحظ أن المرأة هي العنصر الرئيسي وتكاد تكون بطلة أعماله الفنية إن كانت بالشكل الكامل أم من خلال البورتريه، وأيضاً هناك وجود للعمارة القديمة ودمشق القديمة، إضافة إلى الشخوص المعبرة والألوان كما يعتمد على الألوان الحارة واللون الأحمر الذي سيطر على أعماله الفنية، وأرى أن هذا المعرض بانوراما فنية تشكيلية متميزة، والرحبي فنان له تاريخ وماض في الحركة التشكيلية وحاصل على عدة جوائز وكنت في أحد التجمعات العربية الفنية في مسقط- عُمان، حيث قدم أعمالاً فنية متميزة وكان لي الشرف أن أكون ضمن لجنة التحكيم حيث حصل الرحبي على الجائزة الأولى بفن التصوير على مستوى الوطن العربي وكانت أعماله لافتة للنظر وهو في حالة بحث دائم ولا يقف عند نقطة معينة».

خلاصة تجربة
وعن رأيه في المعرض قال الفنان جمعة نزهان إن: «الرحبي من جيل سبقنا ونحن نحتذي به ونتأثر ونتابع عمله كمبدع، والمعرض هو خلاصة تجربة، والعنوان اليوم مهم لأنه يبين للجميع حالة الحب التي انتصرت على الحرب، وبشكل عام فإن الرحبي يعمل على موضوع التضاد والرسم باللون الأسود الذي يعبر به عن ملامح الموضوع أو الأشخاص والبيت والشجرة التي يرسمها، وتأتي الألوان التي توضح هذه الأشكال، والمقامات هي مقام الأسرة والشارع والبيت وبعدها تأتي التفاصيل الثانية التي يضع عليها المجهر أو التقريب وتتضح أشكالاً أخرى حاملة دلالات ومعاني أبعد للأشياء ويمكن أن نرى ذلك من وجه امرأة تحمل الكثير من الحب وتعابير الاستغراب والدهشة والحزن، وهناك الكثير من الرموز التي تساعد العمل عند أنور على الوضوح والشخصية والبيئة والفترة الطويلة من القراءة والتأمل بالطبيعة والمكان الذي كان يعيش به وذكرياته وأحياناً يستوردها من الحاضر أو من حوله».
يذكر أن الفنان التشكيلي أنور الرحبي من مواليد دير الزور 1957 درس الفن دراسة خاصة وشغل منصب أمين السر العام لاتحاد الفنانين التشكيليين في سورية وحصل على العديد من الجوائز في سورية وفي العالم منها الجائزة الأولى بينالي مسقط وميدالية كارل ماركس في ألمانيا كما شارك في معارض داخل وخارج سورية وأعماله مقتناة من وزارات الثقافة والخارجية والسياحة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن