قضايا وآراء

حكومة تكنوقراط توافقية.. أم حكومة النافذة الإلكترونية؟

| أحمد ضيف الله

عُقب انتخاب برهم صالح رئيساً لجمهورية العراق في جلسة مجلس النواب المنعقدة في الـ2 من تشرن الأول الحالي، وبعد نحو أقل من ساعتين على أدائه اليمين الدستورية، قام رئيس الجمهورية الجديد بتسليم عادل عبد المهدي قرار تكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة، الذي كان قد وصل إلى المجلس النيابي أثناء الجولة الثانية لانتخاب برهم صالح ما أثار توقعات تكليفه، ووفقاً للدستور، أمام عادل عبد المهدي 30 يوماً لتشكيل وزارته، وعرضها مع برنامج حكومته على المجلس النيابي للموافقة عليهما اعتباراً من تاريخ تكليفه.
انتسب عادل عبد المهدي في بدايات حياته السياسية إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، ثم أصبح شيوعياً ماوياً، ليستقر ولاؤه السياسي بالانتماء إلى المجلس الإسلامي الأعلى بقيادة رجل الدين الراحل محمد باقر الحكيم، حتى إعلانه «تجميد» نشاطه، بحسب ما قاله في مقالة على صفحته بـ«فيسبوك» في الـ16 من تموز 2017: «لقد قدمت مذكرة داخلية لرئيس المجلس السيد عمار الحكيم في أيار 2015 بتجميد جميع نشاطاتي التنظيمية في المجلس الأعلى..»، التي تلا مقالته في الـ24 من تموز 2017 إعلان عمار الحكيم انشقاقه عن المجلس الأعلى مشكلاً «تيار الحكمة الوطني»، وسبق أن شغل عبد المهدي منصب وزير المالية في حكومة إياد علاوي عام 2004، ومنصب نائب رئيس جمهورية العراق عام 2005 الذي استقال منه عام 2011، ووزيراً للنفط عام 2014 الذي استقال منه عام 2016، وهو لم يشترك في الانتخابات النيابية الأخيرة.
لقد تجاوزت الكتلتان الأكبر في المجلس النيابي، وهما «تحالف الإصلاح والإعمار» المدعومة من مقتدى الصدر، و«تحالف البناء» بقيادة هادي العامري ونوري المالكي، خلافاتهما بشأن الكتلة النيابية الأكبر، والتقاليد النيابية التي تقضي بأن تقوم الكتلة النيابية الأكبر بتقديم مرشحها لرئيس الجمهورية لتكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة، واتفقتا على تقديم عادل عبد المهدي كـ«مرشح تسوية مستقل» لرئاسة الحكومة المقبلة، حيث قال مقتدى الصدر في تغريدة له على «تويتر»: إن «العراق أكبر من الكتلة الأكبر».
ليل الـ8 من تشرين الأول الجاري، دعا رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، في بيان له كل «مَن يجد في نفسه الكفاءة من أهل الخبرة والاختصاص والتجربة العملية ويرغب في ترشيح نفسه لمنصب وزاري، يمكنه فعل ذلك عن طريق الموقع الإلكتروني المعلن»، خلال مدة 3 أيام، ويطلب الموقع من المتقدم، تسجيل بياناته الشخصية، وتوجهاته السياسية واسم حزبه إن وجد، والوزارة التي يرغب في الترشح لقيادتها، إضافة إلى بيان مؤهلاته الجامعية أو ما يعادلها، والوظائف التي عمل بها خلال السنوات الماضية، وعلى المتقدم أيضاً أن يكتب ضمن مساحة خصصت لذلك، رؤيته «لأهم المشكلات التي يواجهها القطاع المستهدف أو الوزارة والحلول العملية المقترحة للتنفيذ»، إضافة إلى رؤيته «لمواصفات وسلوكيات القائد الناجح وكيفية إدارة الفرق بطريقة فعالة، مع أمثلة حقيقية»، مع الإشارة إلى «أهم المؤهلات القيادية والتخصصية لديه والتي تميزه عن غيره لاستحقاق المنصب».
في الـ12 منه، أعلن مكتب رئيس الوزراء المكلف، أنه «تم إغلاق البوابة الإلكترونية الخاصة بشأن الترشح لمنصب وزير في الموعد المحدد»، مبيناً أن «عدد الترشيحات المكتملة بلغت 15184»، موضحاً أنه «تم إجراء التحليل الأولي وفق المعايير وتم اختيار أفضل 601 مترشح»، وبأن «لجنة الخبراء بدأت بدراسة الطلبات الـ601 لتحديد أفضل المترشحين لدعوتهم للمقابلات».
لقد أثارت خطوة رئيس الحكومة المُكلف هذه انتقادات حادة في أوساط سياسية وإعلامية، حيث عدّها كثيرون خطوة غير عملية ولن تحقق الهدف المطلوب، وخصوصاً خلال الوقت المتبقي عن إعلان الحكومة وفق الدستور، بالنظر إلى الرقم الكبير للمترشحين، وخصوصاً مع غموض آلية تحديد أفضل المترشحين وتدقيق بياناتهم، إلا إذا كان هناك اتفاق مسبق مع بعض الأحزاب لتمرير شخصيات متفق عليها بهذه الطريقة، بوصفها مدخلاً للمستقلين والتكنوقراط.
ورغم أن الظروف الحالية في العراق تُعد مساعدة لإنجاح تشكيل حكومة عبد المهدي، حيث يشهد العراق تحسناً أمنياً ملحوظاً، مع تضاعف عائدات النفط المالية، إضافة إلى حالة الإجماع والدعم السياسي اللتين حصل عليهما عبد المهدي من أغلبية الكتل النيابية، إلا أن العديد من التحديات والصعوبات ستواجه رئيس الوزراء المكلف في مهمة تشكيل حكومته، وستكون شاقة، سواء اتخذ مسار تشكيل حكومة «تكنوقراط من المستقلين» عبر نافذته الإلكترونية، أم حكومة توافقية من التكنوقراط المستقلين المحسوبين على الأحزاب، وفي هذه الحالة هي شكل مُحسن من حكومة المحاصصة وفقاً للثقل الانتخابي لكل كتلة أو تحالف انتخابي.
وأياً كان الرأي أو الموقف من خطوة الرئيس المُكلف هذه، فإن العراق نظام نيابي، وإنه من الصعب الخروج عن السياقات السياسية للأحزاب وبرامجها الانتخابية، التي تريد أن تحقق ما وعدت به جماهيرها، ومن ثم لا بد من مشاركة الأحزاب حسب استحقاقها الانتخابي، حتى تكون شريكة رئيس الوزراء بالنجاح والفشل.
وفي ظل تقارب عدد نواب الكتل النيابية الفائزة بالانتخابات النيابية الأخيرة، أو التحالفات التي أعقبت ذلك، فإنه لا يمكن أن تنجح فرضية حكومة تكنوقراط مستقلة عبر النافذة الإلكترونية، في ظل وجود مجلس نيابي مكون من أحزاب لديها مقاعد، وهو ما يجعل مهمة رئيس الوزراء في غاية الصعوبة، علماً أن مرشح التكنوقراط المستقل لن يسلم من الضغوط التي ستمارس عليه من الأحزاب التي تدير تلك الوزارات وتمتلك مناصب عليا فيها وتسيطر عليها منذ سنوات، وخاصة إذا لم تتوافق رؤية الوزير التكنوقراط مع رؤية هذا الحزب أو ذاك المسيطر على الوزارة، وبالنهاية ستجد حكومة التكنوقراط المستقلة نفسها في مواجهة الأغلبية من نواب المجلس النيابي ككتلة معارضة، ومن ثم سحب الثقة منها.
فإذا كان مقتدى الصدر، قد أوعز من خلال تغريدته في الـ4 من تشرين الأول الحالي، «بعدم ترشيح أي وزير لأي وزارة من جهتنا مهما كان»، فإن بيار طاهر النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني طالب في تصريح صحفي له في الـ13 منه، أنه «بحسب الاستحقاق الانتخابي والسياسي فإن الحزب الديمقراطي الكردستاني يستحق ثلاث وزارات في حكومة عادل عبد المهدي»، مؤكداً أن «من حق الحزب وزارة سيادية، إضافة إلى وزارتين خدميتين، وهذا ما سنطالب به».
وفيما تطالب القوى النيابية السنيّة وفق تصريحات بعض نوابها بالحصول على وزارات «الدفاع والعدل والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الاجتماعية والعمل»، اعتبر النائب عن المحور الوطني حسن خلف علو الجبوري في حديث لـ«السومرية نيوز» في الـ16 من تشرين الأول الجاري، أن «هذه الطريقة غير مقبولة وهناك ممثلون للمحافظات نعتقد أنهم الأولى لتمثيل جماهيرهم من خلال معيار الكفاءة وليس من خلال الانتماء الحزبي أو غير ذلك»، وأنه «من غير المنطقي أن تُفرض علينا أسماء وتسمى وزارات بأنها للمكون السنّي والحقيقة غير ذلك وهذا شيء مخالف للمشاركة التي اتفقنا عليها».
إن من الصعب تمرير تشكيلة الحكومة داخل المجلس النيابي بالتصويت على كل وزير بالنصف زائد واحد، ما لم تقتنع الكتل السياسية بالمرشحين، فكيف يمكن التصويت على وزراء لا يعرفون توجهاتهم بدعوى أنهم مستقلون، وهو أمر لا يستقيم مع مبدأ الحياة النيابية في ظل النظام التعددي، ما يعني أن عادل عبد المهدي ربما لن ينجح في إنهاء تشكيلته الوزارية قبل انتهاء المهلة الدستورية، وقد يعمد إلى تقديم حكومة غير مكتملة إلى المجلس النيابي، لتجاوز معضلة المهلة الدستورية، أو مفاجأة القوى السياسية التي دعمته بالاعتذار عن مهمة تشكيل الحكومة.
إن العراق بلد الكفاءات في مختلف المجالات، ومنصب الوزير سياسي ومسؤولية، وليس درجة وظيفية مفتوحة للجماهير عامة، فهناك فرق كبير بين الوزير السياسي التكنوقراط، والتقني الفني المستقل.
فإذا كان الهدف من كل ذلك هو محاربة الفساد والفاسدين، فإن الأنجع هو إعادة هيكلية هيئة النزاهة باختيار قياداتها بعيداً عن المحاصصة وهيمنة الأحزاب عليها، والإتيان عندها بكوادر تكنوقراط عبر النافذة الإلكترونية، مع تطوير آلية عملها بربطها بنظام قضائي مستقل وحازم، ليكون القضاء هو الفيصل أولاً وآخراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن