قضايا وآراء

عودٌ على بدءٍ

| رزوق الغاوي

يبدو واضحاً تقاسم الأدوار بين واشنطن وأنقرة في سيناريو جديد يقضي بمضي الإدارة الأميركية في انتهاج سياسة الضغط وتصعيد التوتر في المناطق التي تحتلها شرق الفرات، على حين تعمل أنقرة على تعقيد الوضع في محافظة إدلب بغية إطالة أمد الأزمة الناجمة عن استمرار الوضع على ما هو عليه، علَّ الجانبان الأميركي والتركي يحَصِّلان بعض الأوراق التي تخدم أهدافهما القريبة والبعيدة المنبثقة عن سياساتهما تجاه سورية خاصة والمنطقة العربية عموماً.
لا شك في أن المواقف الأميركية المستجدة التي أطلقتها واشنطن تجاه المسألة السورية بالتوازي مع عدوان مشهود على المدنيين في المناطق التي تحتلها القوات الأميركية، قد تكونت جراء الإخفاقات المتتالية التي ألمَّت بالإدارة الأميركية، ما جعلها تدفع قبل أيام بطائرات الاتحاد الدولي الذي تقوده واشنطن ويضم قوات أميركية وبريطانية وفرنسية وتركية لتنفيذ عدوان جوي آثم على مدينة هجين في محافظة دير الزور مستخدمةًّ قنابل الفوسفور الأبيض المحرم دولياً على سكانها الآمنين، أدى إلى سقوط شهداء وجرحى، ما يؤكد لجوء الإدارة الأميركية مجدداً إلى خلط الأوراق وخلق ظروف من شأنها أن توفر للمجموعات الإرهابية إمكانية ارتكاب المزيد من العمليات الإجرامية، تستغلها الإدارة الأميركية لتكون شماعة لمواصلة احتلالها جزءاً من الأرض السورية في إطار ادعاءاتها ومزاعمها العمل على ضرب التنظيمات الإرهابية، وهو أمر من شأنه التسويف والمماطلة وعرقلة السعي السوري للإجهاز التام والكامل على تلك التنظيمات والعمل تالياً على إخراج قوات الاحتلال الأميركي البريطاني الفرنسي التركي من الأراضي السورية وبسط كامل السيادة الوطنية عليها.
حين اعتمدت الولايات المتحدة الأميركية «خطة بندر- فيلتمان لتدمير سورية» التي جُهِّزَت في عام 2007، وتولت واشنطن وضعها موضع التنفيذ عبر وكلائها في الرياض والدوحة وأنقرة وعصاباتهم الإرهابية أملاً في إنجازها خلال ثلاثة أشهر، لم تفكر واشنطن ولو للحظة واحدة أنها ستُخفق فيما تسعى إليه، غير أن حسابات الحقل الأميركي لم تنطبق على حسابات البيدر السوري، حيث وجدت الإدارة الأميركية نفسها، مجبرة على التورط المباشر في الأوحال المتحركة السورية، علَّها تفلح في إنجاز ما عجز وكلاؤها ومرتزقتهم عن إنجازه.
في هذا السياق، وفي ضوء نجاح الجيش العربي السوري والقوات الرديفة في دحر المجموعات الإرهابية، مارست الإدارة الأميركية على عاداتها القديمة الجديدة، أساليب المراوغة والمكر والخداع والكذب والنفاق السياسي، وبيتت مع أنقرة نياتهما في محاولة سلخ جزأين من الأرض السورية عن السيادة الوطنية، حيث التزمت واشنطن الصمت، على حين وافقت أنقرة على إخراج المجموعات الإرهابية من المناطق السورية الساخنة، وتجميع بعضهم في مناطق شرق الفرات برعاية القوات أميركية، والبعض الآخر في محافظة إدلب برعاية القوات التركية لغايات عدوانية في نفسي الجانبين على السيادة السورية.
في السياق ذاته، تحاول الإدارة الأميركية إقامة «دويلة» في شرق الفرات تسيطر عليها التنظيمات الكردية بإشراف عسكري أميركي واستخباراتي إسرائيلي على غرار الواقع الراهن في الشمال العراقي حيث عدد من مكاتب الموساد الإسرائيلي تحت يافطات تجارية، على حين تحاول سلطنة أردوغان إقامة غيتو انفصالي في محافظة إدلب تحت إشراف تركي تسيطر عليه العصابات الإرهابية التي لا تزال تتلقى الدعم اللوجستي والحماية من الجانب التركي.
وفيما تحاول واشنطن عبثاً الادعاء بالعمل على القضاء على المجموعات الإرهابية، وتمارس عكس ذلك، تحاول أنقرة بمختلف السبل والادعاءات التملص مما تم الاتفاق عليه مع الجانب الروسي حول ملف محافظة إدلب والوضع الميداني فيها والتسوية السياسية في سورية، هذا الملف الذي سيكون موضع بحث من القمة التي سيعقدها زعماء روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا في اسطنبول في السابع والعشرين من الشهر الحالي، والتي يُؤمل بقليل من التفاؤل أن تُسهِمَ ولو «نسبياً» في حلحلة العقد وتدوير بعض الزوايا في مواقف واشنطن وحلفائها الدوليين والإقليميين والأنظمة العربية المرتهنة للأجندات الأميركية والإسرائيلية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن