الأولى

فيما بدأت التحضيرات لشن حرب ثانية في سورية، لا تستهدف شعبها هذه المرة، بل تنظيمان إرهابيان: داعش أولاً ومن ثم القاعدة، ظهر مجلس الأمن واضحاً في بيانه الأخير وهو يتحدث عن الضرورة الملحة لمكافحة الإرهاب أولاً والشروع في مفاوضات سورية – سورية يتوافق على نتائجها السوريون وذلك من خلال خطة مبعوث الأمين العام ستيفان دي ميستورا التي لا تزال قيد البحث والتشاور.
داعش وجبهة النصرة ومن لف لفيفهما من التنظيمات الإرهابية، كانت قد أرسلت إلى سورية من أجل غايات باتت معروفة للجميع وهي إسقاط النظام وقتل ما يمكن من السوريين وتهجيرهم، لكن من يقرأ بيان مجلس الأمن جيداً ير فيه أنه لا يختلف في العمق عما سبق وقد طالبت فيه دمشق وحذرت منه منذ قرابة أربع سنوات.
لقد سبق وأن أعلنت سورية، ومنذ انطلاق الحرب الأولى عليها، أن ما يجري ليس بثورة، إنما إرهاب منظم تقوده وتموله دول ولن يتوقف عند الحدود أو داخلها بل سيمتد ليصل إلى جميع بلدان العالم، وهذا ما حصل فعلاً، وجعل مجلس الأمن والدول الكبرى تتحرك وتستعد من خلال تحالفات لشن حرب ثانية في سورية للخلاص أو للحد من هذا الإرهاب، وهي لن تنجح في ذلك ما لم تشرك الجيش العربي السوري في حربها، لأنه الأكثر خبرة وقدرة على التعامل مع هذه الفصائل والأكثر حضوراً على الأرض.
أما ما تضمنه بيان مجلس الأمن من بنود سياسية فلعل أهم عبارة فيه كانت: «بما يتوافق عليه السوريون»، وهذه أيضاً مبادرة سورية انطلقت مع انطلاق الحوار في حزيران عام 2011 وأجهضتها آنذاك الدول الغربية «العظمى» التي لم تكن تريد سوى استلام مفاتيح السلطة لتسليمها لمن يرونهم مناسبين من أزلامهم لقيادة البلاد.
المعنى من كل ذلك أن مجلس الأمن تراجع من خلال بيانه الأخير عن فرض الحلول في سورية، وعن تقرير مصير السوريين، وبات يتحدث عن توافق، والتوافق يعني استفتاء وانتخابات، وهذا أيضاً ما كانت تنادي به سورية منذ زمن دون جدوى.
لقد حاول الكثيرون الإيحاء أن روسيا وإيران والصين، حلفاء سورية، قد تخلوا عنها من أجل تسويات ما في المنطقة، لكن الواقع يشير إلى أن الحلفاء هم الآن أكثر تمسكاً بسورية وقيادتها من أي وقت مضى، لمعرفتهم أن الغرب كان مخطئاً تجاه الأزمة السورية، وهناك اعترافات بذلك، وأن الجميع يبحث عن مخرج نجاة من الحرب ومن المواقف الرنانة السابقة، الأمر الذي جعل من حلفاء سورية محاورين أساسيين لحل الأزمة، في حين كانوا مهمشين حتى وقت قريب، لا بل متهمون بدعم الإرهاب الذي كانوا هم أكثر من يحاربه بالتعاون مع الجيش العربي السوري.
إذاً يمكن القول: إن المنطقة دخلت في التسوية وإن الأشهر القليلة المقبلة من شأنها أن تكبد الإرهاب الممول سعودياً وقطرياً خسائر فادحة، وتصريحات الدول الكبرى لم تعد ذات نبرة إلزامية، فالجميع الآن يبحث عن مدخل للانخراط في حوار مع دمشق ومع الجيش العربي السوري لضمان نجاح «الحرب الثانية» وتخليص العالم من أبشع الجرائم التي ارتكبت بحق الإنسانية والحضارة والتاريخ، وبيان مجلس الأمن الأخير ليس إلا مقدمة لإطلاق حوار سياسي بين السوريين أنفسهم تكون نتائجه توافقية ويمهد لإعادة تطبيع علاقات العالم مع دمشق.
لقد تعرضت سورية لأبشع عدوان عرفه العصر الحديث، لكن هذا العدوان أخفق في تحقيق أهدافه، وبات مطلب كل العالم اليوم إيجاد مخرج نجاة للتخلص من الإرهاب وإعادة الأمن إلى المنطقة قبل فوات الأوان وخصوصاً بعد أن باتت فيها دول أخرى مهيأة للانفجار في أي لحظة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن