ثقافة وفن

مكونات البنية الدرامية وتطورها في الشعر السوري المعاصر

| سارة سلامة

«مكونات البنية الدرامية وتطورها في الشعر السوري المعاصر» كتاب صدر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب، للدكتور جمال جميل أبو سمرة، ويبحث فيه البنية الدرامية في الشعر السوري منذ خمسينيات القرن الماضي بمرحلة ظهور فرسان الحداثة الشعرية الذين وضعوا حجر الأساس للقصيدة المعاصرة حتى اليوم.
وينقسم الكتاب إلى خمسة فصول هي: «الحدث الدرامي في الشعر السوري المعاصر، والشخصية الدرامية، والحوار، وتعدد الأصوات، والمفارقة»، ويقع في 552 صفحة من القطع الكبير، ويضيء الكتاب على عدد كبير من شعراء الحداثة الجدد لأهمية شعرهم من جهة ولاتفاقه مع مادة البحث من جهة أخرى، وميز بين مصطلحي الدراما والدرامية، وحدد علاقة الشعر بالدراما، كما تطرق إلى مراحل تطور الشعر وصولاً إلى التعبير الدرامي.
مكونات البنية الدرامية في الشعر

هذه الدراسة النقدية مهمة حيث تحوز قصب السبق في التفاتها إلى الشعر السوري المعاصر من جهة وتناولها قضية مهمة قلما التفت إليها النقاد، تجلت عبر دراسة مكونات البنية الدرامية في الشعر السوري المعاصر، فضلاً عن رصد حركة تطورها عبر ردح من الزمن، من جهة أخرى، ما أتاح للباحث تلمس جوانب هذا التطور، عبر مقاربة نقدية مكنته من استقصاء الآليات والتقنيات الدرامية التي لم تأخذ حظها من الدراسة والنقد والتحليل، والتي اعتمدها الشاعر السوري في سبيل الوصول بإبداعه إلى مرتبة درامية، للتخلص من المباشرة والتقريرية والخطابية التي هيمنت على بنية القصيدة الغنائية.
ومما يحسب لهذه الدراسة أيضاً إحاطتها بإنتاج عدد من الشعراء السوريين، قلما التفتت الدراسات الأدبية والنقدية إلى نتاجاتهم الإبداعية، إذ إن مثل هذه الدراسات ظلت حكراً على إنتاج الشعراء الرواد ومن تلاهم من جيل الستينيات، من هنا تبرز أهمية البحث في تقصي إنتاج هؤلاء الشعراء جنباً إلى جنب مع الشعراء الذين تلوهم من الأجيال اللاحقة حتى وقتنا الراهن، الأمر الذي أدى إلى الوصول إلى نتائج جديدة ومهمة في هذا الباب.

إكساب الخطاب الشعري منحى درامياً
وفي الفصل الأول تتبع الكتاب درامية الحدث عبر الكشف عن موقع الشاعر منه، إذ يمكن أن يكون الشاعر هو الراوي للحدث، ويمكن أن يستعين بأصوات أخرى يبتدعها تقوم هي برواية الحدث، وبناء عليه رصد أثر ذلك في إكساب الخطاب الشعري منحى درامياً، يتواتر صعوداً وهبوطاً حسب موقع الشاعر منه، كما رصد الكتاب أنواع الحدث من حيث هو حدث بسيط أو حدث مركب والتجليات التي حضر بها كل نوع، فضلاً عن رصدنا الآلية التي بنى بها الشاعر السوري الحدث (الحبكة)، كل ذلك في إطار تجلية الصراع وحركة الفواعل في النص الشعري.
وفي الفصل الثاني تتبع الكتاب أنماط حضور الشخصية في الشعر السوري المعاصر، ورصد أثر الحضور في درامية القصيدة، من خلال تحديد موقع الشاعر من الشخصية وموقفه منها، فهو إما أن يتحدث عنها، وإما أن يتحدث إليها، فهو إما أن يتحدث عنها، وإما أن يتحدث عنها إليها، وإما أن يتحدث بلسانها، فيقتنع بها، كما تقصينا في هذا الفصل تقنية القناع التي يستخدمها الشاعر بوصفها وسيلة درامية تنأى به عن الوقوع في الغنائية والمباشرة، وتضفي على صوته نبرة موضوعية، وتتبع مدى نجاح الشاعر أو إخفاقه في توظيفها، ورصدنا جوانب التطور في استخدامها، بما يضفي على إبداعه شيئاً من التعدد والاختلاف والتكامل والغموض الفني الشفاف.

المستويات التي يتمظهر
فيها الحوار الدرامي
والفصل الثالث تناول فيه تقنية الحوار الدرامي التي وظفها الشاعر السوري المعاصر في سبيل تظهير الدراما، عبر مسرحة الأفعال والأفكار لتجلية عنصر الصراع الذي تحفل به الأحداث والشخصيات، وتم في هذا الفصل الكشف عن المستويات التي يتمظهر فيها الحوار الدرامي وآليات توظيفه في القصيدة، وقد رصدنا نوعين رئيسين من الحوار، هما الحوار الخارجي، والحوار الداخلي ولكل منهما تجليات وكيفيات تم رصدها، بهدف بيان مدى قدرتها على تجلية النزعة الدرامية في الشعر السوري المعاصر، وأثرها فيه على المستويين الفني والدلالي.

موازنة ضمنية
بين الأجيال الشعرية المتلاحقة
وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أمرين مهمين في هذا البحث أولهما أن هذه المكونات الدرامية التي عزل كل منها في فصل مستقل، هي مكونات شديدة التداخل فيما بينها، وعزلها عن غيرها لم يكن إلا بهدف البحث والتمحيص وإجراء الدرس النقدي، وقد تم رصدها في إطار التفاعل مع المكونات الدرامية الأخرى، وبيان أثرها في البناء الدرامي كلها عبر تضافرها مع غيرها من المكونات، وثانيهما أن ترتيب هذه الفصول والعناصر الجزئية فيه، تم في إطار لحظ التطور الحاصل في استخدام هذه التقنية أو تلك، ولا يفوتنا أن نذكر أننا أجرينا في كل فصل موازنة ضمنية بين الأجيال الشعرية المتلاحقة ابتداء من جيل الرواد وحتى جيل التسعينيات من حيث استخدامها المكونات الدرامية، فضلاً عن رصد استمرارية استخدام المكون الدرامي وتقنياته عند شعراء الجيل الواحد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن