ثقافة وفن

الجاز والروك ينتعشان مجدداً في العاصمة دمشق … دلامة شهاب لـ«الوطن»: نبين للعالم كله أن وجهتنا هي الثقافة والموسيقا والفن والمسرح

| سارة سلامة

بعيداً عن الحرب التي تركت أثراً كبيراً داخل تفاصيل المجتمع السوري فلم يكن البناء والحجر والشجر أبرز ضحاياها فقط، بل كان للشأن الثقافي دور كبير ونلاحظ غياباً كاملاً لموسيقا الروك والجاز التي كانت تشهد نشاطاً ملحوظاً قبل الحرب لتقف هكذا على عتبة عام 2010 مترقبة جلّ شبابها وشاباتها الذين تركوها مهاجرين أو منغمسين داخل قضايا بلد يصارع حرباً لا هوادة فيها.
وعلى الرغم من كل الظروف التي مرت لا يزال هناك شبان سوريون حالمون بغد مشرق يمحي ذكرى ماض أليم ليعودوا ويبثوا الأمل داخل بلادهم ويثبتوا للعالم أجمع أن سورية تصدر الثقافة والفن والغناء لا الإرهاب.
ونشهد اليوم ولادة جديدة لفرقة باسم «جاز دمشق»، أشعلت مسرح «دار الأوبرا» في مشروع دمّر بقيادة المايسترو دلامة شهاب مؤسس الفرقة، وشارك في الحفل مجموعة من المغنين هم: (الفنان سيف الدين سبيعي، ومصطفى الشهابي، ولين البطل، وسوزانا الوز، وعلاء خشي) من خلال مقطوعات ربطت فيها موسيقا الجاز مع موسيقا الروك، وتأسست الفرقة هذا العام من أهم عازفي موسيقا الروك والجاز في سورية، لتعمل على تقديم أعمال كلاسيكية نموذجية من «ريبرتوار» الجاز والروك العالمي، ومؤلفات موسيقية خاصة بها، وتجارب أخرى لفنانين موهوبين، كما أنها تسعى لربط موسيقا الجاز بالأنواع الموسيقية المختلفة مع التراث السوري.
وللحديث أكثر عن تلك الفرقة كان لا بد من الحديث مع المايسترو الشاب دلامة شهاب الذي وضع كل طاقاته ليعلن الانطلاقة في العاصمة دمشق ويتحدث إلينا أكثر عن المعوقات والآفاق والطموح في هذا الحوار..

زاوجت بين الجاز والروك في حفلة واحدة كيف كان ذلك؟
هذه الفكرة جديدة وهي الأولى من نوعها بعد الأزمة ولكنها كانت موجودة من قبل، من خلال فرقة جاز سورية تشكلت في العام 2005 واستمرت حتى العام 2010، وبعد هذا التاريخ اختفت تلك النشاطات بسبب ظرف الحرب التي مرتّ على بلدنا، وخاصة بالنسبة لهذه الأنواع من الموسيقا غير المتبناة من المؤسسات الثقافية، فهي تعتبر خطاً آخر مختلفاً، وليس لها أرضية تعليمية، أي إننا نعتمد في سورية على تدريس الموسيقا العربية والكلاسيكية في المعهد العالي للموسيقا ولا يوجد لدينا أي نوع من تعليم موسيقا الجاز أو الروك.

كيف تشكلتم وأحييتم هذه الفرقة من جديد؟
حقيقة نحن وجدنا من العدم وخاصة في سورية لا توجد أرضية وكانت بعيدة تماماً مدة تقارب 8 سنوات عن هذا النوع من الموسيقا، وقمنا بإحياء هذه الموسيقا بعد أن اختفت، وآخر حفلة لأوركسترا الجاز السورية كانت عام 2011، وعودتنا هي لإحياء فكرة الجاز ولكن باسم مختلف لأنه كان يوجد شيء اسمه جاز سوري.

كيف كان تفاعل الناس مع هذا النوع من الموسيقا؟
كان لدينا نوع من القلق والخوف من ردة فعل الناس ألا تتقبل هذا النوع بعد سنوات من الغياب، وكانت الحفلة الأولى التي قمنا بها مثيرة للغاية حيث قدمنا كفرقة جاز أغاني روك، وحدث خلاف في وجهات النظر بيننا وبين الجمهور لأن هناك من يحب أن يسمع الجاز ومن يحب الروك، وكانوا في حيرة هل سنقدم الجاز أم الروك ولكننا قمنا بتقديم قالب جاز وأغاني روك.
وذلك كان جديداً على الجمهور وفي الحقيقة شكلنا حالة صدام معه في المرة الأولى، وبحثنا عن مغنين يغنون هذا النوع وكان الاختيار على أكثر من شخص وهناك أسماء كثيرة منهم سيف سبيعي وهو يغني وله شغفه بالغناء ولديه فرقته وتشكيلاته ولكن مع فرقة كبيرة يكون الموقف أغنى، ومصطفى شهابي، وعلى الرغم من انشغالهما إلا أنهما أحبا الفكرة جداً وتبنياها، وبشكل عام فإن المغنين ليسوا احترافيين إلا أن تلك الموسيقا تمثل شغفاً كبيراً بالنسبة لهم.

هل كنت راضياً عن أداء المغنين بما أنك ذكرت أنهم ليسوا احترافيين؟
هم هاوون أكثر من كونهم محترفين ولكن يكفي أنهم أعطوا الأغنية حقها وغنوها بشغف ومحبة والموضوع لم يكن إلزاماً لهم إنما فكرة الحفلة شكلت لهم مصدر سعادة بأن يغنوا أغاني يحبونها بغض النظر عن المكان والجمهور والفرقة.

برأيك أيجب إدخال هذا النوع من الموسيقا إلى مناهجنا حتى لا تبقى دخيلة على مجتمعنا؟
في كل العالم هناك مدارس تدرس الجاز والروك، وفي سورية لا يزال الوضع ضيقاً ومحدوداً لأنه ليس لدينا كوادر للتدريس، ويجب أن يدرس ذلك في المعهد العالي للموسيقا الذي تأثر بالحرب على بلدنا وخسر الكثير من كوادره التي درست وتدرس.
ولكن من الصعب أن نبني من جديد قبل أن نحافظ على الشيء الذي عندنا ونبني عليه فهو الأرضية الكلاسيكية والعربية التي تآكلت شيئاً فشيئاً، وبما أن بناء شيء جديد صعب المفروض ترميم الشيء الموجود عندنا وإذا عادت الأسس مثلما كانت قبل عام 2010، فعندها نستطيع أن نفتح مجالاً لأي شيء جديد، ولكن في الوقت الذي لا نملك فيه كوادر تدرّس ذلك صعب جداً.

قمت بجذب جمهور الجاز والروك على مسرح دمر كم كان ذلك صعباً؟
في مسرح يتسع لـ3 آلاف شخص كان لا بد من طريقة تجذب الناس للحفل وعملت على جذب جمهور الجاز والروك وخاصة أن جمهور الروك أكبر بكثير في سورية وجذبنا بهذه التشكيلة المبطنة الاثنين معاً.

ما المشاريع التي تفكرون بها لنشر هذه الموسيقا في سورية؟
نفكر في دمجها مع الموسيقا العربية لأن هذين النوعان يتناغمان مع بعضهما وهي تجربة قديمة قدمتها أوركسترا الجاز السورية ونحن سنكمل ما قدمته الفرقة حيث كنت أنا عنصراً أساسياً فيها، وباعتقادي أنها كانت ناجحة لأن الأذن الموسيقية كانت في ذلك الوقت ممتلئة بالجاز ويجب أن نعود ونعمل على تعبئتها من جديد بموسيقا الجاز وبعدها ندخل عليها الموسيقا العربية، لأننا الآن إذا دخلنا العربية والجاز سيميل الجمهور إلى الموسيقا العربية، ونحتاج في البداية إلى إدخال قطعة أو قطعتين جاز إلى الموسيقا العربية وبعدها يمكن أن نعمل شيئاً خاصاً.

نستطيع أن نعتبر هذا الحفل هو الانطلاقة لكم؟
بالتأكيد ولكن إلى أي مدى نستطيع أن نستمر وإلى أي حد تستطيع المؤسسات الثقافية أن تتبنى هذه المشاريع والأعمال لأنها مكلفة كثيراً من خلال توفير المستلزمات لفرقة كبيرة من صوت وإضاءة ومرئيات وكوادر مساعدة ومصاريف فرقة، لذلك مهما دعمتنا المؤسسات الثقافية ودعمنا نحن أنفسنا نبق بحاجة إلى الدعم من أي شخص آمن بهذا المشروع.

برأيك هل الروك والجاز قابلان للتطور والاستمرار في سورية؟
بكل تأكيد لأن جمهورهما كبير جداً وهي شريحة الشباب التي نعتبرها مثل الاسفنجة تمتص كل شيء ومن واجبنا أن نعطيهم موسيقا ومادة فنية غنية حتى يمتصوها بشكل جيد.

دور الموسيقا في تحقيق التطور والحضارة التي ننشدها؟
لها دور كبير إذا أضيء عليها بشكل صحيح، ومثلما تدعم الدولة الخطوط الدينية وغيرها أدعوها إلى دعم الخط الثقافي للشباب، وبالموسيقا نستطيع تغطية الأخطاء التي تحدث في الخط الديني مثلاً، وبرأيي يجب ألا نصدّر صورة عن سورية أنها بلد تدعم الدين، بل يجب أن نبين للعالم كله أن وجهتنا هي الثقافة والموسيقا والفن والمسرح.
ولاحظنا في الحفل الاختلاف الكبير في وجهات النظر بين جمهوري الجاز والروك وعلى المستوى الشخصي كنت سعيداً جداً بتلك الضجة لأننا لامسنا روح واهتمام الشباب.

من كان الداعم لكم؟
فقط دار الأوبرا دعمتنا في كل شيء وأعطتنا المكان والدعم الكامل ولكننا بحاجة دعم ليس فقط من وزارة الثقافة، ربما حفلتنا لها أيضاً وجه سياحي في البلد وآخر له علاقة بالتربية أو أي شيء.
إلى أين تطمحون بالوصول؟
نحن نركز على أن ننتشر هنا في البداية وبعدها ننطلق ونتطلع أن يأتي الخارج إلينا ليروا كيف نعمل لماذا نذهب نحن دائماً لهم، ويروا أن سورية عكس ما يسمعون على القنوات المزيفة، بل هي شيء مختلف تماماً وفيها كل المقومات التي تجعل الناس في الخارج يأتون ويرون ما لديها.

هل أخذتم حقكم كشباب؟
لم نأخذ أياً من حقوقنا وكل مشاريع الشباب هي ذات مستوى متدنٍ، ولكننا نترقب من دار الأوبرا التي وضعت ضمن خطتها في الصيف القادم دعم الشباب من خلال مهرجان كبير سيكون فقط لموسيقا الشباب، وذلك ضمن الإمكانات المتاحة ولكن إلى متى ستبقى وزارة الثقافة تتحمل هذه الأعباء ونحن بحاجة إلى دعم من شركات خاصة وهي اليوم تدعم فقط الموسيقا الشعبية وأتساءل: لماذا لا يدعمون المشاريع الجدية والراقية؟

أي الأنواع الموسيقية تفضل؟
الجاز مع أنني عازف رئيسي في السيمفونية الوطنية ولكن شغفي موسيقا الجاز والروك التي ليس لها علاقة بالكلاسيك، ولأنها موسيقا تمثل الشباب ولذلك أحاول دائماً أن أعمل عليها وأطورها بقدر الإمكانات الموجودة.

كيف ترى المشهد الموسيقي السوري؟
أراه يذهب باتجاه واحد وهو الضغط على المؤسسة الثقافية التي ترعى المشهد الثقافي السوري أو الموسيقي السوري، لذلك كل شيء يبقى محصوراً ضمن هذه المؤسسة التي لا تستطيع أن تتحمل أعباء كبيرة، لذلك أرى الأمور تمشي بشكل باهت ولا يوجد أي تباينات أو ألوان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن