قضايا وآراء

بين العجز الملكي والمصالح الأميركية

| تحسين الحلبي

نشرت المجلة الإلكترونية «ميديل إيست آي» في 22 تشرين الأول الجاري تحليلاً بقلم، ماداوي الرشيد، بالإنكليزية بعنوان مثير: «هل تستطيع المملكة السعودية المحافظة على وجودها من دون آل سعود؟»
وترى الكاتبة السياسية أن هذه الفكرة تبدو غير قابلة للتفكير عند عدد من الدول الغربية اليوم لكن دورة الأعمال والمصالح بعد فضيحة مقتل الصحفي جمال خاشقجي لها ما تقوله أيضاً.
البروفيسور، فريد هاليداي، نشر كتاباً في عام 1974 بعنوان مثير جداً أيضاً وهو: «السعودية من دون سلاطين» وتخيل في كتابه أن يأتي زمن مقبل وينتهي حكم الأمراء السعوديين وملوكهم وتنتهي حماية بريطانيا والولايات المتحدة عن البلاد.
ويبدو أن العائلة المالكة تواجه الآن بعد 44 عاماً على ما تخيله، هاليداي، ولأول مرة في تاريخها ونظام علاقاتها مع بعضها ومع الجوار والعالم، أزمة غير مسبوقة بعد ازدياد حجم «كرة الثلج» المتدحرجة بسبب فضيحة «مقتل خاشقجي».
لم يكن في الماضي من المألوف أن تظهر الأعمال التي يقوم بها النظام السعودي بهذا الشكل وعلى معظم المستويات المحلية والعربية والدولية وخصوصاً في ساحات حلفائها وليس خصومها أو أعدائها، فقد أصبحت جريمة مقتل خاشقجي الحدث الأول الذي وضع العائلة المالكة في مسرح تتزايد فيه الاتهامات والإدانات إلى حد عجز فيه أهم الحلفاء المستفيدين من أموال الرياض ودورها في المنطقة عن الصمت أو عن الدفاع عن هذه العائلة، وأصبح الملك سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد يواجهان حرباً بطرق مختلفة على جبهات متنوعة ستكلف نفقاتها أموالاً طائلة يدفعها سلمان وابنه من أجل إسكات كل من يتهم أو يندد، وعلى الرغم من أن واشنطن ولندن ستقدمان كل قدراتهما لحماية نظام حكم العائلة المالكة بسبب الأرباح التي تجنيانها منه، إلا أن أحداً لا يستطيع أن يضمن بقاء جبهة الغضب من دون التمرد الداخلي حيث بدأ الكثيرون يتحدثون عن احتمالات متزايدة لاندلاعها بأشكال مختلفة في الساحة الاجتماعية والاقتصادية في مدن السعودية، ولذلك يرى المختصون بشؤون السعودية في واشنطن ولندن أن آثار ومضاعفات فضيحة خاشقجي وما رافقها من تلفيقات وأكاذيب لإغلاقها، لن تمر من دون أن تفرض استحقاقاتها على شكل وطبيعة نظام حكم الملك سلمان وابنه.
الجمهور في السعودية بدأ يرى أكثر من أي وقت مضى ما يجري في قصة خاشقجي في عصر يحمل معه معظم هذا الجمهور جهاز موبايل، يقرأ فيه ويرى صوراً عما حدث في قصة خاشقجي من دون أن يكون بمقدور كل أجهزة المراقبة والتشويش المستخدمة من الحكم منع تداول مثل هذه الأخبار وتفاصيلها.
والكل يرى أن توقيت هذه الجريمة المفضوحة جاء في ظل ظروف تحارب فيها العائلة المالكة أعداءها من الخصوم ولا أحد يحقق مصالحه منها سوى الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل رئيس وخاص، فقد تدهورت علاقات العائلة المالكة مع أنقرة حين انحازت إلى قطر، وابتعدت الكويت عن مسار السياسة السعودية نسبياً، وصمتت الإمارات أمام الحملة التي تعرضت لها الرياض بسبب قصة خاشقجي، ولم يبق في الجزيرة العربية دولة أو إمارة مستعدة لدفع ثمن من أجل حماية السعودية.
أما الحرب السعودية على اليمن فقد ازداد المطالبون في الساحة الدولية والإقليمية بإيقافها بينما أصبح التهديد السعودي بحرب على إيران مجرد سحابة صيف لم تعد تردده إلا الرياض وتل أبيب وواشنطن فقط، ولذلك يتساءل المختصون بشؤون العائلة المالكة في واشنطن وبعض مجموعات الضغط التي أنشأتها الرياض لتحسين صورة آل سعود في الغرب: هل ستتخذ العائلة المالكة سياسة الهروب إلى الأمام فتقوم بتصعيد هجومها على العدد المتزايد من المنتقدين لساستها والمطالبين بمحاكمة المسؤولين عن جريمة الخاشقجي علناً؟ أم إنها ستحاول المحافظة على بقائها بتوزيع الأموال على أكبر عدد من الذين تحتاج إلى حمايتهم وإلى استمرار العلاقات التقليدية نفسها معهم؟
يبدو أن الملك سلمان سيستخدم بموجب ما يراه هؤلاء المختصون، هذين الشكلين في معالجته وروده على أكبر وأخطر أزمة تمر بها العائلة المالكة، ومع ذلك ثمة من يرى أن القرار الأميركي هو الذي سيحدد شكل ومضمون معالجة هذه الأزمة، وقد تجد واشنطن نفسها مجبرة على إجراء تغيير في عدد من مسؤوليات الأمراء لامتصاص المضاعفات والمحافظة على مصالحها الإستراتيجية في مملكة أنشأتها بريطانيا الاستعمارية الكبرى عام 1915 وورثتها عنها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن