عليكم أن تخجلوا ألف مرة!
| د. بسام أبو عبد الله
يكتب الصحفيان الفرنسيان، كريستيان شيسينو، وجورج مالبرينو، في كتابهما المهم والجدير بالقراءة «أمراؤنا الأعزاء جداً – هل هم أصدقاؤنا حقاً؟» والذي ترجم إلى العربية من الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2017، عن واقع الحال في علاقات السعودية وقطر مع الدول الغربية، ويتحدثان في الكتاب عن فرنسا كنموذج، ويقولان: لنتخيل وجود مدرسة وهابية في قلب باريس، ليضيفا: إنها فعلاً موجودة في جادة «إيينا» بالدائرة السادسة عشرة وهي مخصصة حصرياً لأبناء الرعايا السعوديين والدبلوماسيين العرب.
يقول أحد الدبلوماسيين الفرنسيين تعليقاً على ما تدرسه هذه المدرسة: «تفحصت مقرر التربية الدينية المخصص لطلاب الثانوية في المدرسة السعودية بفرنسا، وتبين أنه لو وقع هذا الكتاب بين يديك فستفكر حتماً أن داعش هي التي قامت بتأليفه، إنها الوهابية الخالصة التي تدعو إلى تهديم القبور والآثار وإلى قتل الكفار».
وبحسب الصحفيين الفرنسيين فإن هذه المدرسة ليست الوحيدة، بل هناك اثنتا عشرة مدرسة أخرى منتشرة في أنحاء العالم، ولكنها نتاج اتفاق فرنسي سعودي تم توقيعه بين البلدين، وحينما سأل الصحفيان أحد الدبلوماسيين الفرنسيين المتابعين للشؤون السعودية عن المدرسة قال: «أحقا يوجد مثل هذه المدرسة في باريس؟»، ليضيف الصحفيان عبارة مهمة: باختصار علينا أن نخجل مرّة أخرى!
أنطلق من هذه العبارة التي وردت في الكتاب الفرنسي الذي يتحدث بالتفصيل عن العلاقات الفرنسية الخليجية، لأعمم على قضايا أخرى علينا أن نقرأها بعناية، وخاصة على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، وهذه الضجة العالمية المثارة حول جريمة قتله، ودموع التماسيح الغربية الأميركية التركية التي تذرف في هذا العالم المنافق على رجل برر في تغريدات كثيرة له تقطيع أجساد الجنود السوريين، وقتل السوريين المدنيين من داعش، وأخواتها من التنظيمات الفاشية التي أنتجتها الوهابية المتحالفة مع الغرب الرأسمالي.
الحقيقة إنني من حيث المبدأ أدين قتل خاشقجي بهذه الطريقة البشعة، حتى لو كان خصماً سياسياً، لأن ثقافتنا التي تربينا عليها لا يمكن أن تدعو لذلك، فالمواجهة معه، أو مع غيره هي مواجهة سياسية، ثقافية حيث القلم، والفكر، ومواجهة عسكرية حيث السلاح والمدفع، ولكل ساحة أدواتها، بالرغم من أن البعض قد ينتقد هذه المقاربة، ولكن طريقة تفكيري هي هكذا، لأنه لو استخدمنا «الايزو» السعودي فهذا يعني أنه يفترض بنا أن نقطع «المعارضين السياسيين» السوريين إرباً إرباً لما فعلّوه ببلدهم، ولما أظهروه من خسة ووضاعة تجاه شعبهم، وكم المؤامرات، والدعوات لاحتلال بلدهم، وإسقاط عاصمة الشرق، دمشق، وتبرير القتل والإرهاب الوهابي الاخواني الفاشي الذي مورس طوال سنوات ضد بلدهم، تحت عناوين سياسية، بالرغم من أن كثير من هؤلاء، وخاصة ممن في الخارج، هم أقرب للعملاء والمرتزقة منه إلى مفهوم المعارضة السياسية الوطنية، التي صدّع الغربيون رؤوسنا بهم طوال سنوات مضت، ومولوهم، ودعموهم ضد بلدهم، وشعبهم.
القصة ليست في هذه النقطة فقط، إنما أيضاً في البعد الإنساني الذي يتباكى الغرب علينا به، فهم في قضية خاشقجي، إنسانيون دموعهم تنهمر وعلب المحارم لا تستطيع اللحاق بكم الدموع التي تنهمر من باريس وبرلين ولندن وواشنطن وغيرها، كما هي دموع فؤاد السنيورة الشهيرة، والغريب في الأمر أن هذه الدموع لا تنهمر أبداً بعد إعلان الأمم المتحدة أن 22 مليون يمني مهددون بالأمراض والمجاعة والموت اليومي، على رؤوس الأشهاد كما أن دموعهم ذاتها لم تنهمر عندما كان الإرهابيون القتلة يقصفون دمشق وحلب، وغيرها من المدن السورية، أو حينما كان فاشيوهم الجدد «دعاة الحرية والديمقراطية» يذبحون السوريين على الهوية، ويفجرون السيارات المفخخة بين المدنيين، ويستهدفون الجامعات والمدارس، والكنائس، والمعامل، وكل شيء في سورية، ودموعهم تنهمر فقط حيث مصالحهم، وحيث الأموال، وصفقات السلاح، وحيث رائحة النفط، وحيث البورصات والشركات والصفقات، وحيث الإعلام الكاذب الساقط أخلاقياً الذي هو نفسه من روج لـمحمد بن سلمان الإصلاحي الكبير، وصاحب الرؤية العبقرية، وهو نفسه من يتحدث عنه الآن، وكأن السعودية لا تقطع الرؤوس في ساحاتها العامة في وضح النهار، أو كأن السعودية أنتجت دستوراً جديداً حضارياً، وغيرت اسمها ليصبح اسمها مثل كل الدول في العالم اسماً لدولة، وليس لعائلة، ومع كل ذلك فإن الخلاصة الأهم من كل ذلك، إننا يجب ألا نصدق هذا العالم الغربي المتهاوي أخلاقياً، الذي يقيس أموره بألف مسطرة، ومعيار، وينظّر بالأخلاق، والقيم الدولية لكنه يزحف زحفاً عندما يتعلق الأمر بمصالحه، وشركاته.
في كل يوم تزداد الأدلة بين أيدينا حول أن العالم الغربي، أو بعضه على الأقل منافق دجّال، وأنه يكذب في اليوم ألف مرة حسب مصالحه، وصفقاته، وسوق أسلحته، ولذلك فإن الدرس المستخلص الأهم هو التمسك بوحدة بلادنا، واستقلالها وسيادتها، والخروج من عقدة الغرب الذي طبع طيفاً واسعاً من نخبنا الثقافية، والفكرية، والانطلاق نحو إصلاح حقيقي يحقق مصالحنا الوطنية، وحاجات شعبنا، ومتطلباته، دون إعطاء الاهتمام لما يقوله ساسة الغرب الذين يدللون في كل يوم على وضاعتهم وخستهم، وخاصة عندما يتحدثون، وينظّرون علينا بالإنسانية، والحريات، وحقوق الإنسان، والتي يطبقونها فعلاً على شعوبهم، لكنهم فاشيون، قتلة تجاه شعوب العالم الأخرى، وقضاياها العادلة، وهو ما يجب أن يدفعنا لأن نكون أكثر وطنية، واستقلالية، وبحثاً عن مصالحنا وحقوقنا، وأكثر احتراماً لأنفسنا، وشعبنا كي يضطر الآخرون لاحترامنا، فعالم اليوم عالم المصالح والمال، الذي لا يرحم الضعيف والمتهاون تجاه حقوقه المشروعة.
وإذا كان الصحفيان الفرنسيان قد طالبا بلدهما فرنسا بالخجل مرة أخرى! كما كتبا في كتابهما، فإن علينا القول: إن على بعض هذا الغرب أن يخجل مرات في الكثير من القضايا، ومنها ما يتعلق بـسورية، كما أن على السوريين الذين تلحفوا بلحاف الغرب وقيمه، وتحولوا لأدوات بيده ضد بلدهم أن يخجلوا ألف مرة ويتوقفوا عن الكلام الفارغ الذي لا قيمة له، وأصبح فضيحة يندى لها جبين الإنسانية.
القضية ليست في المعارضة السياسية فهذا حق يجب أن نؤمن به، ولكن شرط أن تكون هذه المعارضة لأسباب، ولحاجات وطنية، وليست من أجل إرضاء ضباع الغرب وحلفائهم، ونموذج خاشقجي أمامهم للتأمل.