قضايا وآراء

«اتفاق إدلب» وأولويات واشنطن الميدانية

| سامر علي ضاحي

على عكس الإدارة الأميركية السابقة بدأت إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب تتحسس خطورة بقية اللاعبين الدوليين وعلى رأسهم روسيا على مخططاتها وإستراتيجياتها الشرق أوسطية فعلى أقل تقدير حرصت الإدارة السابقة على عدم إعلان تواجد جنودها على الأراضي السورية ولم تكن مندفعة في سياستها تجاه دمشق، في حين لم تخف إدارة ترامب تنبهها لتلك الأخطار ولم تكتف بإعلان التواجد على الأراضي السورية بل تبعته بإنشاء «قواعد عسكرية صغيرة» داخل ثكنات كانت مقرات للجيش العربي السوري، وصولاً إلى الاعتداء مرتين على سورية وكانت الثانية بتعاون حلفاء آخرين.
لقد حفلت الأزمة السورية بالعديد من الفاعلين الدوليين، بداية من فاعلين إقليميين كالسعودية وقطر وتركيا وإيران أو فاعلين تحت دوليين كتنظيم القاعدة الإرهابي وفروع حركة الإخوان المسلمين وعلى رأسها حماس والتنظيمات الجهادية المختلفة في العالم، أو فاعلين أفراد على رأسهم مهندس ما يسمى «الربيع العربي» الفرنسي بيرنارد هنري ليفي، وأمثال الإرهابي السعودي عبد اللـه المحيسني، وانتهاء بالانخراط الروسي في الأزمة السورية وما تبعه من انخراط اقتصادي أقل حماسة من الصين ودور محور «بريكس».
ولعل واشنطن وجدت في هؤلاء جميعاً مهدداً لإستراتيجياتها في سورية فحرصت على تكثيف التواجد على الأراضي السورية، وعملت على الدخول بمواجهة سياسية عبر الدفع باتجاه عملية جنيف للحل السياسي واستبعدت دمشق تماماً منها، قبل أن تفرض الأخيرة وحلفاؤها الأمر ويعود ممثلو الدولة السورية إلى أروقة جنيف منذ الجولة الثانية، لا بل وابتدع حلفاء دمشق في طهران وموسكو مساراً موازياً «أستانا» استطاعوا جذب إليه أهم الفاعلين الإقليميين في الطرف الآخر وهو تركيا التي باتت ضامناً لكل التفاهمات التي تحصل بين الدولة السورية والجماعات المسلحة، وتركت واشنطن لهذا المسار الحركة المنضبطة باعتباره «لا يهدد مصالحها».
ومع تطورات الأزمة السورية وجدت واشنطن أن الأطراف الأخرى تهدد نفوذها الشرق أوسطي فتقدم الجيش العربي السوري في أكثر من ميدان وبات يسيطر على معظم الأراضي السورية فوجدت واشنطن أنه لا بد من إجراء تغيير في التكتيك والأولويات المتبعة على الصعيد السوري ولاسيما أن روسيا لم تتدخل لدعم سورية فقط بل باتت تمد أنظارها نحو السعودية وقطر ومصر، إحدى مرتكزات التحالفات الأميركية الشرق أوسطية، وهاهي موسكو اليوم تقف حيادية للغاية في قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي على حين تتعرض الرياض لأقصى الضغوطات من مختلف الأطراف.
لكن إعادة ترتيب الأولويات الأميركية في سورية له من شجون الخلاف مع موسكو وتركيا كما في نقاط التلاقي، فمع التطورات الميدانية الأخيرة التي تكللت بـ«اتفاق إدلب» والإعلانات المتكررة من دمشق بأن الجيش العربي السوري لن يتوانى عن تحرير شمال شرق سورية، بدأت أميركا تتحسس خطورة مقبلة على تواجدها في شرق الفرات، فنقلت واشنطن تركيزها على حين غرة، إلى غرب الفرات.
وفي غرب الفرات شكلت واشنطن اليوم هلالاً بمثابة خط دفاعي لاحتلالها في شرق الفرات، وضمان الوصول إلى اتفاقيات وضمانات لها في شرق سورية، ويمتد هذا الهلال من معبر التنف في أقصى شرق حمص إلى منبج بريف حلب الشرقي، فعاد الحديث من جديد إلى التدريبات المشتركة مع تركيا في منبج والحرص على تفعيل «خريطة الطريق حول منبج» رغم أن أردوغان تحسس الهواجس الأميركية فبدأ يسعى لكسب المزيد، ودعوة أميركا لتنفيذ فعلي لطرد «وحدات حماية الشعب» من منبج، وهو الذي ينسج أفضل العلاقات اليوم مع موسكو والتي تكللت بـ«اتفاق إدلب».
قد تكون واشنطن ساعية اليوم لترسيخ اتفاق إدلب كاتفاق أمر واقع طويل الأمد وإن لم تكن طرفاً فيه، بحيث تضمن إلهاء للروس والسوريين في الغرب، ومواصلة الضغط على أردوغان باستمرار قواته في شمال غرب سورية تحت رحمة احتمالات التعرض لعمليات انتقامية من التنظيمات الإرهابية المحشورة في إدلب وريف حلب، وبما يبقي التركيز العسكري على غرب سورية بدليل عدم حصول تقدم فاعل في شرق الفرات ضد تنظيم داعش الإرهابي.
ويمكن اعتبار الزيارة التي قام بها قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط الجنرال جوزيف فوتيل في إطار تبدل الأولويات هذا، ولاسيما أن فوتيل أكد ضرورة استمرار تواجد قواته في التنف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن